الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدرسة بالمتحف المصري لتعريف المكفوفين بالكنوز الأثرية

مدرسة بالمتحف المصري لتعريف المكفوفين بالكنوز الأثرية
28 فبراير 2010 20:37
في قاعات المتحف المصري بالقاهرة التي تضم عدداً كبيراً من التماثيل الأثرية وأوراق البردي والمومياوات والقطع الفنية الذهبية مشاهد لا مثيل لها لمصر القديمة. والجولة في هذه القاعات كانت حتى وقت قريب بعيدة عن متناول المحرومين من نعمة البصر. لكن برنامجاً جديداً بدأه المتحف المصري يتضمن تنظيم جولات داخل المتحف للمكفوفين يقودها مرشدون مكفوفون أيضاً وتتيح لأول مرة وسيلة مناسبة للاطلاع على الكنوز المحفوظة منذ زمن الفراعنة. ينظم المتحف للأطفال المكفوفين جولات تعليمية تهدف إلى إعادة الاهتمام بقطاع من المجتمع تعرض للإهمال ويهتم البرنامج الذي أنشئت له مدرسة متخصصة بتدريب المرشدين المكفوفين على اعتبار أن المرشد الكفيف يستطيع تقديم المعلومة للأطفال المكفوفين عند زيارتهم للمتحف فليس أقدر على توصيل المعلومة الإرشادية للمكفوف إلا مكفوف مدرب ومثقف يفيد المكفوفين بالمعلومات التاريخية والأكثر من ذلك لمس الأثر نفسه بتفاصيله حتى يشعر الكفيف برؤيته ويعقب ذلك قيامه بصنع ما رآه بيديه من آثار باستخدام الصلصال. شروح صوتية تعد المدرسة التي أنشئت في المتحف المصري لخدمة المكفوفين من أفكار د. وفاء صديق مديرة المتحف التي قالت إن الفكرة طرأت على ذهنها أثناء دراستها للحصول على الدكتوراه في ألمانيا، حيث لاحظت الاهتمام الذي توليه المتاحف الألمانية للمكفوفين بتوفير الشروح الصوتية والكتيبات المطبوعة بلغة «برايل» وألهمها ذلك فكرة وضع برامج مماثلة للمكفوفين في مصر ليتمكنوا من التعرف إلى حضارة أجدادهم. وبدأ البرنامج قبل خمس سنوات وينظم حالياً زيارات أسبوعية للأطفال المكفوفين تحت إشراف أربعة مرشدين مكفوفين يستخدمون كتيبات بلغة «برايل» في الجولات التي ينظمونها بالمتحف. وتم تدريب المرشدين المكفوفين على تقديم المعلومات التاريخية المهمة عن التحف والآثار وإتاحة الفرصة لزوارهم المكفوفين للتعرف إلى المعروضات عن طريق اللمس ليشعروا بما لا يستطيعون رؤيته. إلى ذلك، قالت الدكتورة صديق إن المكفوفين يتمتعون بقدر عال جداً من الذكاء وسرعة التقاط المعلومة. فأثناء وجودي في ألمانيا قدمت دراسة تهدف إلى جذب جميع الشرائح لزيارة المتحف والاستمتاع بما يضمه من آثار ولشغفي بالتاريخ والتراث أردت أن يشعر المكفوفون بهذا الشغف كالأصحاء تماماً خاصة عندما وجدت أن الإرشاد الموجه للمكفوفين وذوي الإعاقة داخل المتاحف موجود في العالم كله، ففي متحف كولونيا بألمانيا يعطون الحق للكفيف للامساك بآثار مصنوعة من الزجاج فيعطونه ثقة كبيرة لأن الكفيف تكون درجة التركيز عنده أعلى من المبصر الذي قد يسترعي انتباهه ويشد بصره اكثر من مصدر للتشويش أما الكفيف فقدرته على التركيز واستخدام اللمس والسمع عالية، موضحة أن للمتحف المصري السبق في أن المرشد نفسه كفيف فليس أقدر على توصيل المعلومة والشعور بالكفيف من كفيف مثله. وتضيف: «إنه أهم مشروع في حياتي فمع ضغوط الحياة والعمل تسعدني رؤية كفيف يمارس حياته بشكل طبيعي وأشعر بالفخر بالمرشدين المكفوفين بالمتحف فهم على قدر كبير من الثقافة والموهبة والحماس، وأهم تجربة في حياتي عندما كنت في أحد المؤتمرات بألمانيا وأدخلونا تجربة (الحياة في الظلام) فكل ما تفعله من الذهاب لـ(السوبر ماركت) أو المطعم أو دفع الحساب يكون في الظلام وكنت مرتبكة أول الأمر ثم استطعت التركيز بالاعتماد على حواسي الأخرى والعصا وهذا التركيز هو السر في رسم الابتسامة الدائمة على وجه المكفوف فهو الوحيد القادر على رسم صورة لعالمه الخاص من دون أن يرى ما لا يريد رؤيته». خطة العمل عن خطة العمل مع المرشد الكفيف، توضح صديق: «نجلس أنا وتهاني نوح المسؤولة عن برامج المكفوفين في المتحف مع المرشدين المكفوفين لسماع أفكارهم ووضع مناهج للعمل في الجمعيات والمدارس الخاصة بالمكفوفين وكيفية توصيل المعلومات». ويقول أحمد نجيب، مرشد كفيف ليسانس آداب قسم تاريخ: «تدربنا أيام الجامعة عن طريق المركز الثقافي الفرنسي على الإرشاد باللمس وأبدى الدكتور زاهي حواس أمين المجلس الأعلى للآثار إعجابه بنا عندما رآنا أنا وزملائي فقرر خوض هذه التجربة وإقامة خيمة في المتحف المصري سماها المدرسة الصيفية للمتحف المصري ودمجنا كمكفوفين وأصحاء معاً أمام القطع الأثرية الأصلية وتلقينا المعلومات التاريخية القيمة وعندما تخرجنا في الجامعة عملنا بهذا المجال وانفصلنا كمرشدين مكفوفين عن المبصرين لنكون أكثر تخصصاً فنحن أكثر دقة واهتماماً بالتفاصيل». وعن المعرض الذي ينظمونه كل عام، يقول نجيب: «يتوج المعرض جهداً متواصلاً للمكفوفين الذين يخرجون إبداعاتهم في عرض منتجات من الطين الصلصال بالورش الفنية للنماذج الأثرية التي يقومون يصنعها ويتم تكريمنا جميعاً من الدكتور زاهي حواس والدكتورة وفاء صديق. ولو كنت مجرد مدرس ما شعرت بهذه السعادة فمنهجنا كمرشدين للكفيف يدعو لبناء الخيال وليس مجرد منهج جامد يدرس بلا إظهار للإبداع والتخيل ونلمس هذا في سعادة المكفوفين وأملي أن تكون هناك مادة متحفية تدرس في المدارس لزيادة الوعي». الإطار النفسي بدأ المرشد الكفيف عادل مصطفى، ليسانس آداب قسم اجتماع، حسه الفني عندما كان في فريق مسرح الكلية ثم رشحته الكلية لحضور ورشة للإرشاد السياحي للمكفوفين. ويستمتع بعمله كمرشد للمكفوفين. ويقول: «عملي يعطيني سعادة، فأنا كفيف ولكني أقوم بدور قد لا يستطيع المبصر القيام به وهو دخول الإطار النفسي للكفيف والخروج به من الانعزال فننسق مع الجمعيات والمدارس وعندما نكون في الحافلات النقل العام التي توفرها لنا هيئة الآثار لنقل الطلبة المكفوفين نحكي لهم عن قصة من تراثنا. فمثلاً نحكي قصة إيزيس وأوزوريس ونتطرق للوصف الذي ينمي الخيال فأصف ازوريس بشعرها الطويل وألعب على الخيال فعندما يصل المكفوفون للمتحف يصبحون متقبلين للمعلومات بلا ملل وعندما بدأنا بموضوع الكتابة الهيروغليفية استعنا بكتب في المكتبة الخاصة بنا في المتحف عن طريق كتاب به الحروف بطريقة (برايل) وعملنا نماذج لهذه الحروف حتى يشعر الكفيف فيرى الحروف فالكفيف يرى بإحساسه وليس بالعين». المرشدة الكفيفة نجوى إبراهيم، تقول: «كل السعادة عندما تجد نفسك قادراً على العطاء وهذا ما نقوم به كمرشدين مكفوفين مع الطلبة المكفوفين الذين يحضرون للمتحف أسبوعياً، فقد تم تدريبنا في المتحف على لمس الأثر وكيفية شرح المعلومات التاريخية وعندما نقسم الطلبة المكفوفين علينا نحن المرشدين الحفاظ على النظام والتركيز في إعطاء المعلومة فأشرح لطالبين أو ثلاثة الأثر ومعلومات عنه ثم اطلب من الطالب لمسه وامسك بيديه ليفهم قصدي وكيفية اللمس وبعدها يصبح قادراً على معرفة تفاصيل دقيقة عن الأثر تساعده عند دخول الورشة على عمل نموذج للأثر بالصلصال».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©