الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمتنا بحاجة إلى الترفع على الأحقاد وطيّ صفحات الماضي

أمتنا بحاجة إلى الترفع على الأحقاد وطيّ صفحات الماضي
3 يناير 2013 20:06
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)، «سورة الفرقان، الآية 62». لقد ذكر الشيخ الصابوني، رحمه الله في تفسير هذه الآية «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً»، أي يخلف كلٌّ منهما الآخر ويتعاقبان، فيأتي النهار بضيائه، ثم يعقبه الليل بظلامه،«لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ» أي لمن أراد أن يتذكَّر آلاء الله، ويتفكر في بدائع صنعه،«أَوْ أَرَادَ شُكُورًا» أي أراد شكر الله على أفضاله ونعمائه، قال الطبري: «جعل الله الليل والنهار يخلف كل واحدٍ منهما الآخر، فمن فاته شيء من الليل أدركه بالنهار، ومن فاته شيء من النهار أدركه بالليل» صفوة التفاسير للصابوني 2/369. عبرة الأيام ونحن في هذه الأيام نودع عاماً ميلادياً، ونستقبل عاماً ميلادياً جديداً، كما استقبلنا قبل أسابيع عاماً هجرياً جديداً، وهكذا تمر الأيام والأشهر، فعلينا أن نأخذ العبرة من مرور الأيام والأشهر والأعوام، فما أحوج أمتنا العربية والإسلامية إلى الترفع على الأحقاد، وطيّ صفحات الماضي، وأن نفتح جميعاً صفحة جديدة من المحبة والإخاء، ففي ظل التعاليم القرآنية والسنة النبوية الشريفة عاشت البشرية حياة الخير والسعادة. إننا في هذه الوقفة ونحن نودع عاماً، ونستقبل عاماً جديداً يجب أن نتدارك ما فاتنا، وأن يُحَاسِب الواحدُ فينا نَفْسَه قبل أن يُحاسَب، كما في قوله سبحانه وتعالى: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا، اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا»، سورة الإسراء، الآيتان 13 - 14»، وقوله عز وجل «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ»، سورة الأنبياء الآية 47، حيث إننا سَنُسْأَل يوم القيامة عن كل شيء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لن تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به، (أخرجه الطبراني). فجر جديد اعتاد رجل تضييع أوقاته بين اللهو والكسل والخمول، وكان كلما حَدَّثه أهله أن يُقلع عن حاله تلك، التي خسر بسببها أعمالاً كثيرة وأرباحاً طائلة، قال لهم: العمر طويل والأيام آتية وسوف أعمل، فحضره الحسن البصري رحمه الله، فاعترضه بقوله المأثور: «يا هذا، ما من يوم ينشق فجره إلا نادى منادٍ: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنم مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة،«جامع العلوم والحكم لابن رجب». وعند قراءتنا لهذا الموقف، فإننا نجد فيه دلالة واضحة على أهمية العمر والزمن، وعمارة الوقت بخير العمل، حيث إن كثيراً من الناس يُضَيّعون أوقاتهم وأعمارهم سُدى، وفي طُرق الغواية والضلال. كما أن عامة الناس يحسبون أعمارهم بالأيام والأشهر والسنوات، بينما أهل الصلاح والحكمة يحسبون أعمارهم بصالح أعمالهم التي تنفعهم في دنياهم، وَيُثَابون عليها في أُخراهم، وكل شيء يفقده الإنسان يتعلق الأمل بعودته إلا العمر، فإنه إن مضى لا يعود أبداً، لذلك علينا أن نكثر من فعل الخيرات، كما قال تعالى «فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» سورة البقرة، الآية 148. قلب واحد وإذا كُنَّا قد نسينا ما فعلناه في هذا العام من حسنات وسيئات، فإن ربي لا يضلّ ولا ينسى «وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا»، سورة الكهف، الآية 49». فعلى العاقل ألا يَأْمَنَ مكر الله عز وجل فهو سبحانه وتعالى يحول بين المرء وقلبه، كما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول: إنه سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ»، أخرجه مسلم، كما أخبر صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا»، أخرجه مسلم. رب كريم وعبد لئيم ذكر الإمام الغزالي في كتابه الإحياء أن أحد الصالحين رأى رجلاً لا ينقطع عن المعاصي، وقد غمره الله بنعيم ظاهر، وقد تعجب الناس من أمره، فقال لهم الرجل الصالح: «لا تعجبوا من أمره، رب كريم وعبد لئيم!». فسمع الرجل العاصي هذا الكلام، فتأثر وبكى، وطلب من الرجل الصالح أن يدعو له بقبول توبته، وغفران ذنبه فقال له: يا هذا أين أنت من فضل الله تعالى في قوله: إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ، سورة هود، الآية 90. إن الإنسان في معترك الحياة، عرضة للخطأ والزلل، إذ العصمة ليست إلا للأنبياء، فإذا وجدتَ نفسك طائعاً لله عز وجل، مستجيباً لأوامره، مجتنباً لنواهيه، فاحمد الله على توفيقه لك الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ، سورة الأعراف، الآية 43، وإذا وجدتَ نفسك مقصراً، وقد أبعدك الشيطان عن طريق الحق، فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد جعل لك من المعاصي فرجاً ومخرجاً بالإسراع إلى التوبة والندم، لقوله سبحانه وتعالى: إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا، «سورة الفرقان، الآية 70، ولقوله صلى الله عليه وسلم «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، أخرجه الترمذي وابن ماجة. ليس بين العصاة وبين رحمة الله أن تصل إليهم، إلا أن يستجيبوا لنداء الرحمن الرحيم، حيث يقول تعالى«قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» سورة الزمر، الآية 53. أمتنا والعام الجديد من المعلوم أن أمتنا الإسلامية كانت الرائدة دائماً، حيث طأطأ لها الجميع إجلالاً واحتراماً، فما بالها أصبحت اليوم في العالم الثالث في الدول النامية؟!، مع العلم أن رسولنا صلى الله عليه وسلم، قد حذّر المسلمين من مؤامرة دولية ضد الإسلام والمسلمين، تتداعى فيها قوى العالم ضد المسلمين الذين أصبحوا لقمة سائغة لكل طامع. الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yo sefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©