السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رعب القطيع

رعب القطيع
28 فبراير 2010 20:39
لست معتاداً على الكره والحقد، لكنني فعلاً أكره وأحقد وأشعر بالإهانة، كلما دخلت إلى مكتب أحد ما، ووجدت تمثال القرود الثلاثة المشهور، حيث يضع أحد القرود يديه على عينيه، والثاني على أذنيه، والثالث على فمه، ليقولوا حكمتهم التافهة: (لا أرى لا أسمع لا أتكلم). لذلك، ورغم فشلي في الرسم، الا أني حاولت إعادة صياغة هذه المعادلة بطريقتي على شكل رسم بدائي أضعة بشكل دائم على شاشة كمبيوتري العزيز الرسم، أقول حاولت إعادة صياغة المعادلة بشكل صحيح ومناسب، ويحترم إنسانيتنا، رسمتها قروداً تفخر بأنَّها ترى جيداً، وتسمع جيداً، وتتكلم عندما ينبغي لها أن تتكلم... إنَّها قرود تحترم نفسها. القرود الحمقاء- قبل الرسم- تقول لك بالحركة والصورة، إنَّك إن رغبت برضا هذا الشخص عليك، سواء كان مديراً أم وزيراً أم خفيراً، فإنَّ عليك أن تتحول إلى كائن شبه نباتي.. لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم.... إنَّك مجرد شيء محايد يشغل، في هذا الكون الواسع، حيزاً لا يستحقه على الإطلاق. تقول القصة التي قد لا تكون حقيقية، لكنها ليست بعيدة عن الحقيقة، تقول إنَّ علماء وضعوا خمسة قرود في قفص، يتوسطه سلُّم، علقوا في أعلاه قطفاً من الموز، وقاموا بتجويع القرود. قرد مبادر تسلق السلم لخطف قطف الموز، لكنه ما أن كاد يصله حتى تعرضت القرود الأخرى إلى وابل من المياه الباردة القوية التي أزعجتها وضايقتها وآلمتها. فقامت القرود التي تحت بضرب القرد الذي صعد ونعته (بدناً) قوياً، وأنزلت دمه، لا بل كادت تقتله. بعد فترة صار كل قرد يحاول الصعود، يتعرض للضرب والبهدلة من القرود الأخرى، طبعاً تمنعه من الصعود حتى لا تُرشَّ بالماء البارد. ثم قام العلماء بعد ذلك بتبديل أحد القرود في القفص، فكان القاطن الجديد فوراً يحاول الوصول إلى قطف الموز، فيتعرض للضرب المبرح من قبل القرود الأخرى، وبعد أكثر من (علقة) يدرك القرد الجديد بأنَّ عليه أن لا يحاول الوصول إلى قرن الموز، وإلا تعرض للضرب، دون أن يعرف السبب ولا المسبب. ثم كان أن قام العلماء بتبديل قرد جديد، فحصل معه ما حصل مع الجديد السابق، إلى أن أدرك أنَّ عليه أن لا يقترب من قرن الموز... ثمَّ بدَّلوا قرداً آخر وآخر وآخر... حتى صار في القفص خمسة قرود جديدة، لم يتعرض أيٌّ منها إلى عملية الرش بالماء البارد، لكنها تجتمع وتضرب معاً القرد الذي يحاول الصعود الى قرن الموز. طبعاً القرود لا تعرف لماذا تضرب القرد الذي قد يبادر بالصعود إلى الأعلى، لكنها تعرف أنَّ هذا الأمر بمثابة العرف والقانون في هذا القفص. لذلك ما يزال الناس عازفين عن التسجيل في الأحزاب خوفاً من المساءلة الأمنية، رغم ترخيص الأحزاب ووجود وزارة خاصة للتنمية السياسية. هذا جانب واحد فقط، لكن لو أنَّ كلَّ واحد فينا راجع نفسه، فسوف يجد أنَّه يرتعب من (بعبع) ما، لم يره ولم يعان منه قط، لكنَّه يتوقع ذلك. هذا ما يحصل معنا – نحن البشر- في لعبة الترويع والتخويف، حتى أننا نخاف من أشياء لا ندركها، ولم نشاهدها ولم نعان منها، لكننا ننساق مع رعب القطيع. الرابط بين القصتين – قصة التماثيل وقصة القرود الخمسة – ليس القرود فحسب، بل الناس الذين يرضون على أنفسهم أن يكون مثلهم الأعلى قروداً لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©