الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصافحة أوباما لكاسترو... ومبدأ «حافة المياه»

16 ديسمبر 2013 23:36
ستيفن كارتر أستاذ القانون في جامعة «يل» قال متحدث باسم البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي، إنه «يتعين أن تقف السياسة الحزبية عند حافة المياه... لقد اعتبر هذا مبدأ مهماً إلى حد كبير، وقد نشأ بحسب اعتقادي في الحزب الجمهوري». وكان المتحدث يرد على انتقادات (كثير منها صدر عن الجمهوريين) حول مصافحة الرئيس باراك أوباما للرئيس الكوبي راؤول كاسترو في مراسم تأبين نيلسون مانديلا. وخلال الانتخابات الرئاسية للعام الماضي اعتمرتُ قبعة اللغوي الحاذق، وكتبتُ عن أصل أعتق المصطلحات السياسية مثل هذا المصطلح (حافة المياه). ومثل معظم المراقبين تتبعت جذور انتشاره إلى الحرب الباردة، عندما جاء به معلقون، مثل جيمس ريستون ووالتر ليبمان ليشتهر على لسان السيناتور الجمهوري آرثر فاندنبيرج عن ولاية ميتشيجان. وقد فحصت أيضاً صلة الاشتقاق بقواعد القانون العام فيما يتعلق بحقوق معينة تنتهي عند أعلى درجة يبلغها مد المياه على الشواطئ. والآن وقد أشارت إدارة أوباما أكثر من مرة إلى أن توقف السياسة عند حافة المياه يعني عدم انتقاد الرئيس في الداخل عن سياسته الخارجية، وهو تفسير يبدو لي رجعياً تماماً- فإن الأمر يستحق تنقيباً إذن أعمق في أصل استخدام هذا المصطلح. وعندما كتبت عمودي السابق سألني بعض القراء عن سبب عدم ذكري لدانيال وبستر الذي غالباً ما ينسب إليه منشأ هذه العبارة. فقد حذفت «وبستر» لأسباب المساحة، ولأنه لم يكن ذا صلة بالأمر. وهو ليس مؤلف العبارة في سياقها الحالي على أي حال. وجاء الاستخدام الأكثر اقتباساً عن «وبستر» في كلمة شهيرة في قاعة مجلس النواب عام 1814: «فحتى انقساماتنا الحزبية وهي شديدة، يجب أن تتوقف عند حافة المياه». وكان «وبستر» يعني، في السياق، معنى ضيقاً للغاية. فقد كان يدعو الأميركيين إلى الانضمام للحرب ضد بريطانيا لأنه على رغم انقساماتنا الداخلية فإن «الأماني والجهود الموحدة لأمتنا ستمضي معك». ولم يكن «وبستر» يتحدث عن ملاءمة أو عدم ملاءمة انتقاد سياسة الرئيس، بل كان ببساطة يشير إلى الشعار السياسي الحالي وهو: مهما يكن من أمر وجهة نظرنا عن حرب بعينها، فإننا جميعاً ندعم رجالنا (ونساءنا) في الحرب. وعلى رغم هذا، فقد غيرت وجهة نظري عن كيفية شيوع العبارة في سياقها المعاصر. وأعتقد حالياً أن المصطلح ورد في كلمة ألقاها المحامي والسياسي الجمهوري «جيمس مونتجمري بيك» أثناء الحرب العالمية الأولى. وكان «بيك» وهو منتقد بارز في الداخل لسياسة الرئيس الأميركي الأسبق وودرو ويلسون الخاصة بالحياد يتحدث في لندن في يوليو عام 1916 قبل دخول الولايات المتحدة الحرب في العام التالي. ونشر تعليقاته المثيرة للجدل كاملة بعد بضعة شهور في كتابه الشهير بعنوان «الحرب والإنسانية» مع عنوان فرعي مسهب «مناقشات أطول في أخلاقيات الحرب العالمية وموقف وواجب الولايات المتحدة». ووجود «بيك» في لندن مهم في سياق إلقاء كلمته وللأصل الوراثي للعبارة نفسها، في الحقيقة. فقد كان يتحدث إلى جمهور مرتبك عن الحيادية المذهبية للولايات المتحدة تجاه الحرب المستعرة في ذاك الوقت في أوروبا. واشتهرت عن «بيك» وجهة نظره التي يرى فيها أنه يجب على الولايات المتحدة أن تدخل الحرب إلى جانب الحلفاء، ولكن إذا كان مضيفوه قد توقعوا أن يسمعوا منه مرة أخرى دفاعاً محموماً خاصاً بالتدخل، فقد خاب أملهم. وفي مستهل تعليقاته، أطلق «بيك» تحذيراً قال فيه: «مهما تكن وجهة نظري داخل بلادي، فلا يمكنني أن أناقش النهج السياسي للحزب الحاكم في الولايات المتحدة حالياً. فأنا ملتزم بقوة للغاية باحترام الكثير من هذه السياسات، ولن أتأخر في التعبير عنها بحرية كبيرة للجمهور من بني وطني، ولكن إذا راودتني نفسي بأن انتقد في جمع علني في أرض أجنبية، سواء رئيس الولايات المتحدة، أو الحكومة الحالية فليلتصق لساني بسقف فمي!». وبعد ذلك ببضع دقائق، أسهب في التوضيح، فقال «قلت إنه لا يمكنني أن أناقش النهج السياسي للحزب الحاكم حالـياً في بلادي. ولكن على رغم أنني لست من هذا الحزب، فهو ما زال يتحدث باسم بلادي. وبينمـا أحتفـظ بالحـق فـي انتقاده في بلادي، فكل أميركي حقيقي، تتوقف السياسة الداخلية بالنسبة له عند حدود المحيط ونهاية أرض الوطن. ولذا لا يمكنني أن أنتقد الإدارة الحالية في واشنطن في أرض أجنبية». وهذا ما فعله «بيك» الذي حقق أكبر شهرة في السنوات التالية، عندما استقال من مقعده في مجلس النواب احتجاجاً على الصفقة الجديدة، وذاعت شهرة العبارة التي أسيء استخدامها كثيراً منذ ذاك الحين. وكتبت المؤرخة سيليا كينجزبيري أن كتاب «بيك»: «قرئ على نطاق واسع قبل تاريخ دخول الولايات المتحدة الحرب». ومن المثير للدهشة أن «بيك» لم يتوقف عند التصريح بأنه لن يهاجم سياسات بلاده في الخارج، ولم يحاول استخدام خدعة خبيثة لتمكنه من الانتقاد بشكل موارب. بل سعى إلى شرح مدى اتساق سياسة الحياد مع التقاليد الأميركية لجمهوره الإنجليزي. وبكلمات أخرى فقد حمل على عاتقه أن يشرح في الخارج نفس النهج الذي ينتقده في الداخل. وكان يعتبر «بيك» هذا واجباً وطنياً. وبهذا المعنى -في الخارج تكون «أميركتنا» المشتركة أكبر من انقساماتنا السياسية- أصبحت عبارة «السياسة تقف عند حافة المياه» شائعة الاستخدام. ويجب على المدافعين عن هذا الرئيس مثل المدافعين عن سلفه أن يتوقفوا عن استخدام العبارة كطلسم لتفادي النقد. فمحلياً يمكننا أن نتجادل كما نحب، لكن في الخارج يجب أن نكون موحدين. وهذه هي الطريقة التي تعلمت بها العبارة من والدي: ليس للمرء أن يسافر إلى الخارج، وينتقد سياسة بلاده. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©