الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التصفية على الطريقة الكورية الشمالية!

16 ديسمبر 2013 23:36
ستيفن ميم أستاذ التاريخ في جامعة جورجيا تخلص كيم يونج أون طاغية كوريا الشمالية من زوج عمته صاحب النفوذ «جانج سونج تيك» أثناء اجتماع رفيع المستوى للمكتب السياسي وهو جزء من اللجنة المركزية لحزب العمال الكوري الشمالي. وظهر في المقطع المصور يوم الاثنين الماضي كل مفردات نظام التطهير الشمولي: طائفة غريبة من الاتهامات، وإدانة دامعة من الرفاق السابقين، وإزالة قسرية للمنشق، ثم اختفى جانج، لتقول كوريا الشمالية يوم الجمعة الماضي إن «المنشق» أعدم بعد إدانته بمحاولة تدبير انقلاب عسكري. وعلى رغم شبابه الواضح، فإن الطاغية الكوري الشمالي ينتمي إلى مدرسة عتيقة: فالتشهير والتطهير والتصفية والتخلص من جانج يستعير آليات كلاسيكية لعدد من زعماء جمهوريات الطغيان العسكرية الشمولية للتخلص من كل من يعترضون على سلطتهم. ولكن ما يجعل عملية التصفية التي قام بها «كيم» استنساخاً للماضي هو تردد أنباء عن إزالة إطلالة جانج من الصور الفوتوغرافية والمقاطع المصورة المتاحة. وفي هذا الصدد، يستلهم «كيم» دروساً من الطاغية السوفييتي جوزيف ستالين الذي حظي بقصب السبق في هذا النوع من الدأب على تغيير التاريخ كجزء من عملية «التطهير العظيم» في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما أرسل عدداً كبيراً من القيادات الثورية في البلاد إلى القبور بعد عمليات تعذيب مروعة ومحاكمات عبثية وصولاً إلى إطلاق الرصاص على مؤخرة رؤوس رفاق الأمس. وحتى أفراد أسر الضحايا والأشخاص المقربون منهم تعرضوا هم أيضاً في الغالب لنفس المصير. ولكن هذا لم يكن كافياً. فقد شن ستالين وأجهزة استخباراته في الوقت نفسه حملة على ذكرى القتلى، وهو نوع من القتل مرة ثانية. فأي ذكر أو ظهور لأحد الثوريين الذين كانوا ملء السمع والبصر ذات يوم، ثم اعترضوا على ستالين فيما بعد -مثل بوخارين وكامنيف وزينوفييف وآخرين- كان يمحى بلا هوادة من المواد المطبوعة والصور الفوتوغرافية والأدلة التاريخية الأخرى. وما زال من الصعب حتى اليوم فهم ذلك الحماس الشديد الذي جري به هذا الأمر. وظهر المدى الكامل للوسواس القهري لدى الزعماء السوفييت بتغيير التاريخ ومحو صفحاته وشخصياته إلى العلن في معرض أصبح شهيراً الآن وفي كتاب بعنوان «المفوض يختفي»، وبعض مقتطفات ذلك الكتاب متاحة على الإنترنت. وقد نشر الكتاب الذي صنفه ديفيد كينج صوراً في مراحل مختلفة من الإزالة. واستغرق الأمر سنوات عدة من «كينج» كي يجمع هذه الصور ويرجع هذا في جانب كبير منه إلى أن الرقابة الروسية تفانت في تدمير الصور الأقدم والأصلية. ويلقي توالي عمليات المحو في الصور الضوء على عقلية الطاغية، لأن الصور التي ظهرت فيها مجموعات كبيرة من القيادات الثورية تعرضت لعمليات تعديل ومحو مثيرة للفضول. فنفس الصورة التي يظهر فيها خمسة رجال تتعرض لعمليات إزالة ليصبح الخمسة أربعة ثم ثلاثة فاثنين حتى لا يبقى إلا ستالين واقفاً. والباقون تم التخلص منهم -من الحياة والصورة. ويقود الاعتداء على الماضي إلى إبراز تعقيدات غريبة في آلة ستالين للدعاية. فالكتاب المصور المعنون «تاريخ الحرب الأهلية في الاتحاد السوفييتي» الذي قصد به الاحتفاء بالثورة، لابد أنه قد أعيد تنقيحه عام 1938 لأن كثيراً من الشخصيات الثورية التي تمت الإشادة بها في الطبعة الأولى، تم تطهيرها وفي أغلب الأحوال قتلت. وتم تنقيح الكتاب مرة أخرى عام 1943 لأنه قد تمت إزالة «أبطال» آخرين من سجل المجد. ومع اختفاء معارضيه تدريجياً من التاريخ أصبح دور ستالين أكثر تضخماً وأكبر من الحياة. وعلى نحو مشابه، ستوجه تعليمات إلى أصحاب الموسوعات العلمية والمراجع التاريخية الأخرى بأن يزيلوا أي ذكر لمن اختلفوا مع ستالين في الرأي. وظلت هذه الممارسة قائمة حتى بعد وفاة ستالين. فبعد مجيء نيكيتا خروتشوف إلى السلطة، تخلص الزعيم الروسي الجديد من لافرينتي بيريا الرئيس السابق لمفوضية الشعب للشؤون الداخلية (جهاز الشرطة السرية الروسي) والضالع في عمليات التطهير لخصوم ستالين. فالرجل الذي أرسل ما يصل إلى مليون شخص إلى حفرة الذاكرة، كما يصورها الكاتب الإنجليزي جورج أورويل في أعماله الروائية الكابوسية، اختفى هو نفسه وقتله أحد حلفاء خروتشوف بإطلاق الرصاص على جبينه. وبعد ذلك بفترة قصيرة، وُجهت تعليمات لأصحاب عمل مرجعي مهم بأن يضعوا مكان المقال الذي يتحدث عن «لافرينتي بيريا» مقالاً عن «مضيق بيرينج». ولكن ستالين ما زال هو الملك المتوج للتلاعب بذاكرة التاريخ. ففي صورة التقطت عام 1919، ضمت 18 فرداً من الشخصيات الثورية بينها لينين وستالين، اختفى كل واحد منهم تدريجياً من الصورة، مع مرور الأعوام، بعد أن قتل ستالين مع مرور الوقت 11 رجلاً منهم بينما انتحر ثلاثة. وبقي ستالين ولينين وحدهما في الصورة، ثم في صورة نهائية، يختفي حتى لينين، مما يترك ستالين زعيماً أوحد للماضي والحاضر. وقد بذل ستالين على الأرجح جهداً في إزالة آثار «ليو تروتسكي» أكبر من أي جهود أخرى بذلها في إزالة ذكرى غيره من المعارضين. فبعد ذهاب تروتسكي إلى المنفى أزال ستالين بشكل منهجي إطلالة الثوري الشهير سابقاً من عدد لا يحصى من الصور الفوتوغرافية. ولكن لم تكن في هذا مدعاة للإحساس بالإنجاز الحاسم: فقد كان تروتسكي دائم الحضور في مخيلة الثورة الروسية. فإزالته من ذاكرة التاريخ ليست كافية. وكان لابد من تصفية الثوري البارز. وفي عام 1940، اغتال عميل من المخابرات السوفييتية الثوري العجوز في المكسيك بأداة حادة لتكسير الثلج. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©