الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

.. حباً في زوجي

.. حباً في زوجي
7 ديسمبر 2012
أحمد محمد (القاهرة) - تحولت المودة الى عداوة والرحمة الى قسوة، ووصلت العلاقة بين «رودي» وزوجها «عمر» الى طريق مسدود، وتصاعدت الخلافات الى أقصى مدى، لم يعد هناك مجال للتصالح، والنتيجة هي الانفصال لكن من دون اتخاذ الإجراءات الرسمية أو توثيق الطلاق أمام الجهات الرسمية، حاولت هي كثيرا ان تعود اليه أو بالأحرى يعود اليها في بيت الزوجية هي وأولادهما، بعد ان هجرهم ولم يشفع وجود خمسة أولاد ولا عشرة استمرت اثني عشر عاما، للتغلب على المشاكل التي يبدو انها كانت مستعصية. تقضي الزوجة الليالي في البكاء وتعاود الاتصال به لكنه لا يرد في غالب الأحيان وإذا رد فإنه لا يمنحها الفرصة لتقول ما عندها لأنه يعرف أنها تكرر الكلام نفسه بلا جديد، وهذا لا يقنعه أبدا وطالما تحدثا فيه مرارا على مدى عامين ونصف العام ولم يصلا فيه الى نتيجة، وهو لا يدري ماذا يفعل بشكل حاسم حتى ينهي هذا الامر المعلق الذي لا يريح كل الأطراف بالطبع وينتظر الى ان يتخذ القرار الحازم ولكنه في حيرة ولم يصل اليه وإن كان لا يفكر في العودة اليها مطلقا ولم يكن واردا في تفكيره إلا أن يبحث عن مخرج حتى لا يضيع الصغار. وصل الخلاف بينهما الى حد الأزمة والطلاق لأنها منذ حملت هذا الطفل الخامس أصغر الأبناء وهو يشك في سلوكها ولا يعترف بأنه ابنه، وهي لا تملك إلا ان تؤكد له شفاهة انه ابنه مثل إخوته الاربعة الآخرين، وظل الحوار سجالا بينهما على هذا النحو لا يستطيع أحدهما ان يقنع الآخر والهوة تزداد وتتسع حتى وصلت الى ما هي عليه، كل منهما يستعيد شريط الذكريات الطويل ويسترجع الأحداث، منذ بداية لقائهما بعد ان سافر عمر الى الخارج ليبحث عن فرصة عمل في بلاد الفرنجة، وفي أحد المتاجر لبيع المواد الغذائية وجد ضالته، وعمل بجد واجتهاد وأمانة، مثل من حوله ويزيد، كان محبوبا لطيفا ملتزما بآداب دينه، متمسكا بالعادات والتقاليد الشرقية، فاكتسب حب من حوله واحترامهم. في نفس الوقت كانت «رودي» التي تصغره بعامين تعمل معه، وهي فتاة شقراء جميلة، يتطاير شعرها الأصفر في كل اتجاه عند كل حركة، مثل النحلة تعمل بدأب وهي تطير هنا وهناك، وقعت في غرام عمر وأحبته من كل أعماقها، وهو أمامها لا يلتفت اليها ولا يعرف ايضا بمشاعرها ولا فيما تفكر، فلم يكن إهماله لها من قبيل التجاهل، فهو مازال عند التزامه وتمسكه بالأخلاقيات التي رحل بها، ولم يكن تفكيره مثل معظم الشباب الذين لا يرون في الغرب الا الانحلال، بينما هو أراد ان يأخذ أفضل ما عندهم ويترك الاسوأ الذي لا يناسبه. رودي لا تنقصها الجرأة كي تتقرب من الشاب الذي أحبته وسلبها عقلها وسيطر على أحاسيسها، ليس من المخجل ان تفاتحه ايضا وبكل صراحة فالمجتمع هناك لا يمنع ذلك وهم لا يرون فيه عيبا، ولم يكن صعبا ان تحدثه بكل وضوح وبكلمات مباشرة بأنها تحبه، وتعبر له عن إعجابها بكل الصفات التي يتمتع بها وبشخصيته الشرقية المبهرة، فيه رجولة وشهامة ومميزات أخرى لم تجدها في الشباب الذين عرفتهم ومن حولها، وها هي قد استغلت الفرصة لتدعوه للمشاركة في الاحتفال بعيد ميلادها الثالث والعشرين. حمل عمر هدية بسيطة كما تقضي الأعراف في هذه المناسبات، ومعها وردة بيضاء تدل من غير كلام على انه يبادلها الحب النقي الصافي، ومن هنا كانت البداية، لكن البداية الحقيقية جاءت بعد أيام قليلة من هذه المناسبة عندما تحدثا عن الارتباط الرسمي الذي سيكون الثمرة الحقيقية لهذه العلاقة، أخبرها بكل صراحة ووضوح انه مسلم شرقي ولديه عادات وتقاليد وأخلاقيات تربى وعاش عليها ولا يمكنه ان يتخلى عنها مهما كان السبب، كان يعتقد في البداية انها قد ترفض أسلوب حياته هذا، وبذلك تكون هي التي تسببت في إنهاء تلك العلاقة، لكنه فوجئ بعكس ما توقع تماما، أبدت إعجابها به أكثر بل وفجرت قنبلة جميلة عندما أخبرته انها اقتنعت بالدين الإسلامي وتريد ان تشهر إسلامها، تم اتخاذ الاجراءات اللازمة، وارتدت «رودي» الحجاب من أول لحظة قبل ان تنطق بالشهادتين، فوجدت نفسها أكثر جمالا وفي راحة نفسية غير مسبوقة. لم يكن هناك اي عائق الآن أمام الزواج، ولم يكن هناك شروط ولا تعقيدات، الأمور تسير بشكل ميسر لا مغالاة في مهر أو شبكة أو مسكن أو أثاث، كل شيء من ذلك حسب ما تيسر، ستديو للمسكن وخاتم للزواج وسرير بسيط وأدوات المطبخ الضرورية، وحتى حفل العرس كان أبسط من المتخيل، عدة نفر من أصدقاء العروسين تناولوا العشاء في مطعم، وبعده مضى كل الى غايته وتوجه العروسان الى عش الزوجية، ولم يكن شهر العسل إلا عدة أيام وبعدها عاد العروسان الى العمل ودوامة الحياة. كان عمر صريحا في كل شيء مع زوجته الجميلة التي أحبته، فهو لا يريد ان يخسرها أو يفتقدها يوما ولا يريد ايضا ان يتعرض للمشاكل التي يتعرض لها أمثاله من الشباب الذين يتزوجون من اجنبيات خاصة بعد الإنجاب وعندما يريدون العودة الى أوطانهم، فأخبرها انه جاء الى بلادها للعمل وتحسين المستوى المعيشي وانه لا يعتزم الاستمرار مدى الحياة هناك، وقد وضع أمام عينيه أهدافا محددة منها شراء شقة لائقة وسيارة وإقامة مشروع محدود وادخار مبلغ في البنك لزوم الطوارئ الحياتية، فوافقته على ما قال، واستجابت راضية بانها ستكون معه أينما كان ولا مانع عندها من العودة معه. انطلق الزوجان نحو تحقيق الأحلام، وقد رزقا بطفل تلو الآخر، وبعدهما بثلاثة أعوام رزقا بطفلين توأم، فكانت الفرحة عارمة، وانتقلت الاسرة التي أصبحت كبيرة الى مسكن يليق بها ويناسب عدد أفرادها حتى وان كان الأبناء صغارا فهم بحاجة الى متنفس وغرف للنوم والطعام، والسعادة ترفرف عليهم خاصة وان بعض الأحلام تتحقق ولكن ببطء مع زيادة عدد أفراد الأسرة وبالتالي زيادة الالتزامات والنفقات وهذا ليس مفاجئا أو غريبا وإنما متوقع ومعروف وليس مقلقا. كانت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما علم عمر ان رودي حامل في الطفل الخامس، لم يكن يضيق ذرعا بالأطفال وإنما ساوره الشك في بنوة هذا الطفل، وبدون ان يوضح أسباب شكوكه، وفي هذه الاثناء هو يستعد للعودة الى وطنه بعد فترة اغتراب زادت على ثلاثة عشر عاما، ويقوم بإنهاء الاجراءات وخلال عدة أسابيع عاد الى المسكن الذي أعده من قبل عندما كان يعود في الإجازات السنوية، شقة في منطقة راقية بها أفخم أنواع الاثاث، لكنه حتى الآن لم يتمكن من إقامة مشروع يدر عليه دخلا ثابتا خاصة والأسرة قد أصبح عدد أفرادها سبعة بمجيء «عبدالرحمن» آخر العنقود، لكن كأنه جاء يتيما، فالأب لم يحضر احتفال «السبوع» والتسمية والعقيقة، لانه كانت تأكله الشكوك التي لم يخفها وصارح زوجته بها ولم تقنعه بالانكار وتكذيب ما يقول وتؤكد انه ابنه، وهي مازالت تحب زوجها لكنه هجر منزل الزوجية، وتكاد العلاقات بينهما تكون مقطوعة إلا من بعض الاتصالات على مضض أو لإنهاء الأزمة، لم يعد مشتركا بينهما إلا الحساب البنكي والذي يسمح لكل منها بالسحب منه والايداع والتصرف حسب الاتفاق السابق بينهما. عامان ونصف العام ولم يحسم الموقف وأصبح هذا الصغير هو الحائل بين الزوجين وموضع الخلاف المعلق، فلم تجد الزوجة إلا الخلاص من تلك العقبة، اتخذت قرارها بعد كل هذه المعاناة التي طالت وقررت التخلص منه، نسيت انها أم تحولت الى نمرة شرسة، بعدما خرج الصغار الى مدارسهم أحضرت سكين المطبخ وقامت بذبحه وهو نائم، لكن مشهد الدماء أصابها بالجنون، حاولت ان تنتحر هي الأخرى، جرحت نفسها بالسكين لكنها استشعرت صعوبة الموت وحلاوة الحياة وتراجعت، ضمدت جرحها وأخفته تحت الحجاب. خرجت الام القاتلة، طلبت من الناطور ان يتصل بزوجها ويخبره بأنها ذبحت ابنهما وعليه الحضور لاتخاذ الاجراءات ودفنه، توجهت الى البنك وسحبت ثلاثين ألف دولار، واستقلت سيارة الى سفارة بلدها، هناك أخبرتهم انها تعاني من حالة اكتئاب حادة وحاولت الانتحار، فقاموا بإلحاقها بمستشفى للأمراض النفسية، على مدى شهر كامل وصورة الصغير تطاردها في صحوها ومنامها، لجأت الى التدخين في محاولة للهروب من تلك الحالة لكنها فشلت، البكاء لم يخفف حالتها النفسية الصعبة التي تسوء كل يوم، في نفس الوقت البوليس يبحث عن الأم التي ذبحت طفلها واعترفت قبل ان تختفي فالجريمة ليست غامضة. أخيرا لم تستطع المقاومة، وهي ترى أمام عينيها صورة جثة ابنها كأنه يعاتبها لماذا فعلت ذلك، وتجيب لنفسها، لانني أحب أباك وأردت التخلص منك لانك كنت العقبة بيني وبينه وسبب المشاكل، أردت ان يعود اليّ وأتخلص من أساس الأزمة واقتلعها من جذورها، لكنني نادمة فانت أكثر الابناء الذين ينشرون البهجة والسعادة في المنزل ببراءتك وشقاوتك بين أخوتك، لم تدرك المرأة التي لا تستحق لقب الأم انها تتحدث الى طبيبها المعالج وتعترف بجريمتها كاملة، فلم يكن أمامه الا الإبلاغ عنها وتسليمها لأجهزة الامن وأمام رجال المباحث أعادت كل اعترافاتها، وأمرت النيابة بحبسها وخسرت الابن والزوج والأبناء والحرية، وهي تنتظر حكم القضاء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©