الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مقصلة» كيم

17 ديسمبر 2013 23:28
المعيار القوي للأمان الشخصي الذي يتمتع به أصحاب النفوذ في النظام القاسي والقمعي كانت سمة مميزة للشيوعية في كوريا الشمالية. وفي أماكن أخرى في العالم خضعت للحكم الشيوعي، كانت الطبقات العليا تتمتع بأسباب الراحة المادية، لكن الطبيعة الوحشية والصاخبة للسياسات الشيوعية كانت تعني أن مصيرهم، يبقى أمراً طارئاً بدرجة بالغة الخطورة. وعلى النقيض من ذلك، وضع «القائد الأعلى» في كوريا الشمالية «كيم إل سونج» نظام تعاقب في الخلافة يحمي ليس فقط الحكام الثوريين ولكن أيضاً الطبقة الأرستقراطية القريبة منهم. ومثال ذلك، قضية «تشو كوانج»، قائد أركان الجيش الشعبي في كوريا الشمالية في نهاية ستينيات القرن الماضي، الذي اختفى بعد أن أدانه الرئيس كيم إيل سونج تشو شخصياً بارتكاب أنشطة معادية للحزب. وفي ظل حكم ستالين أو ماو، كانت العقوبة في مثل هذه الحالات هي الإعدام، لكن تشو -الذي كانت ترتبط أسرته بعلاقات وثيقة مع «الزعيم الأعلى»- لم يعش فحسب، وإنما تنعم بالرفاهية. وفي نهاية حقبة الثمانينات، أصبح تشو مرة أخرى قائداً لأركان الجيش، وبحلول عام 1997، عندما مات لأسباب طبيعية، كانت قد تمت ترقيته إلى وزير دفاع. وبينما كان «كيم يونج جو»، الشقيق الأصغر للقائد الأعلى وذراعه الأيمن لفترة من الوقت، من المفترض أن يصبح خليفة لـ«كيم إل سونج»، تمت تنحيته جانباً في سبعينيات القرن الماضي أثناء نهوض «كيم جون إل»، نجل القائد الأعلى، وما لبث أن اختفى «كيم يونج جو» من المشهد العام في عام 1975. ورغم ذلك، عاود «كيم يونج جو» الظهور مرة أخرى في بداية التسعينيات كعضو لمكتب الحزب الشيوعي السياسي في كوريا الشمالية، وتعاقب على سلسلة من المناصب رفيعة المستوى. ومن المؤكد أن الجنرالات والموظفين الآخرين في نظام «بوينجيان» كانوا يعاقبون بالقتل، لكن كبار العائلات كانوا يتعرضون على استحياء إلى أعمال عنف وترهيب روتينية كانت متوقعة من أجل الحفاظ على الحكم، وكثيراً ما كانت تقابل التجاوزات التي تسفر عن معاقبة المرتكبين، بالإعفاء أو التجاهل بسبب القرابة. وعلى عكس الثورة الفرنسية، التي اشتهرت بـ«التهام أبنائها» وأي نظام ثوري شيوعي آخر، اتبع النموذج الكوري الشمالي، حتى الأسبوع الماضي، الأمر المقدس لكيم إل سونج بمنح «محاباة خاصة» لهؤلاء الذين بذلوا جهوداً تستحق الفخر من أجل «إعادة توحيد الدولة» وذويهم. ويقودنا ذلك إلى تخلص النظام الكوري الشمالي الأسبوع الماضي من جانج سونج ثيك، الذي كان يعتبر على نطاق واسع الرجل الثاني في بيونجيانج، بعد كيم جونج أون العزيز الصغير والزعيم المبجل وحفيد كيم إل سونج. فيوم الاثنين الماضي، على مرأى ومسمع رفاقه في المكتب السياسي للحزب الشيوعي، أدين جانج بصورة متكررة بسبب «أنشطة مناهضة للحزب» من بين جرائم أخرى، ثم اقتاده حراس يرتدون الزي الرسمي، وأعلنت وسائل الإعلام إعدام «الخائن لكل العصور جان سونج ثيك» يوم الخميس. ويمثل مشهد الإذلال العلني ـ والتصفية ـ لأحد أفراد النظام الحاكم في بيونج يانج تحولاً جذرياً عن العمل المعتاد، ذلك أن كوريا الشمالية لديها ميثاق شرف داخلي، وكان مبدأها الأساسي دائماً هو الإبقاء على «أفراد الحكم» آمنين. لكن لم يعد وصي أو مستشار مثل جانج بعد الآن يمكن أن يتوقع إحالته إلى المعاش في منصب شرفي بمجرد أن تصبح خدماته غير مطلوبة، لا سيما أن سياسات القصر أضحت فجأة مسألة حياة أو موت. وهناك ثلاثة تداعيات مباشرة لهذا الأمر. أولاً: أنه ما من دليل على أن عملية تطهير النظام الأرستقراطي في كوريا الشمالية، بمجرد أن بدأت، سينتهي بالضرورة مع جانج، وإذا كان هذا موسم مفتوح للطبقة الحاكمة في بيونج يانج، فإن كيم جونج أون لديه دوافع كثيرة للإطاحة بكثيرين من المقربين منه. ومن بين هؤلاء عمته كيم كيونج هوي زوجة جانج، والتي كانت حتى الأسبوع الماضي من بين الأوصياء الفعليين، وهناك أيضاً كيم جونج نام، الشقيق الأكبر للزعيم الكوري، في ماكاو والذي انتقد علانية النظام وكيم جونج أون. وفي الواقع، فإن أي عدد من الأقارب وأفراد الدائرة المقربة يمكن اعتبارهم تهديداً أو بديلاً لسلطة كيم جون أون، يمكن أن يجدوا أنفسهم في نهاية اليوم أمام المقصلة. ثانياً: سيكون هناك تأثير محتمل على تماسك النظام، فحتى الآن كانت اللُحْمة بين الصفوة الحاكمة في كوريا الشمالية استثنائية، ولعل هذا هو السبب في أن هذا النظام الشيوعي الفاشل لا يزال قائماً، رغم أن أنظمة كثيرة مثله قذفت في مزبلة التاريخ. وفي مواجهة احتمال تهديد حكم التخويف والإرهاب، ربما يصبح بعض الموالين أكثر ولاء، لدرجة الجود بأنفسهم على هرم التضحيات، لكن آخرين من المقربين من قمة السلطة ربما يفسرون ما حدث لجانج على أنه صافرة إنذار، وأنه آن الأوان لمراجعة الحسابات البنكية في الصين وتنظيف ملفات الإدانة .. أو ربما التفكير في ديكتاتور جديد أفضل. نيكولاس إيرستادت أستاذ الاقتصاد السياسي في معهد «أميركان إنتربرايز» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©