الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

..وماذا بعد أن وضعت معركة الامتحانات أوزارها؟

6 يونيو 2007 01:09
السيد سلامة: طالعتنا الصحف بهذه العناوين أمس في سياق تغطيتها ومتابعتها لوقائع امتحانات الصف الثاني عشر لطلبة المنهاج الحكومي· وبصرف النظر عن رأينا فإن هذه العناوين جاءت كالتالي: نهاية سعيدة للامتحانات، والدرجة الكاملة في الاقتصاد لطلبة الغربية، وسهولة الامتحان تتجاوز توقعات طلبة العين، وطلبة الساحل الشرقي ''يتغزلون'' في ورقة الاقتصاد، أما طلبة رأس الخيمة فقد كان الامتحان بالنسبة لهم مثل ''شربة ماء''، وفي الشارقة كان الامتحان مجرد معلومات عامة، وفي دبي لم يستغرق التعامل مع الامتحان سوى 40 دقيقة· لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل جاءت عناوين من طراز تلك التي يتم استخدامها في معارك الطرف الأغر والعَلَمين، فالعنوان جاء هكذا: اليوم الأخير للامتحانات·· ساحات فرح في الشارقة، وطلبة الفجيرة: الامتحان سهل، وفي العين الامتحان سهل للطلاب صعب على الطالبات· على مدى أكثر من أسبوعين ونحن نتابع تصريحات كلها تصب في سياق بث الطمأنينة في نفوس الطلبة وأولياء أمورهم لدرجة صارت معها منظومة المفاهيم التي يراد تسويقها في هذه المناسبة أننا أمام حالة من التبسيط المتناهي، وهي حالة سيكون بمقدور كل طالب أو طالبة يكتب مجرد اسمه فى ورقة الامتحان أن يكون النجاح حليفه· وبهدوء شديد وبعيدا عن تأويل ما نكتب، وهل نحن مع نظام الامتحانات الجديد أم القديم، نقول إن الامتحان الحالي ومن خلال تحليل دقيق لورقتي الأسئلة في الفصلين الأول والثاني لم يزد عن كونه ''شيت'' مراجعة، أسئلته في متناول الطالب العادي وكذلك أخيه الطالب المتوسط، فقد جاءت الأسئلة -وبحسب آراء موجهين ومعلمين ضالعين في الميدان التربوي- باهتة، بل توحي ورقة الأسئلة في الفصل الثاني وكأن بينها وبين الورقة السابقة في الفصل الأول مسابقة نحو ''التبسيط''، بل والنزوع إلى التسطيح· ومن خلال رؤية تحليلية لبناء الورقة الامتحانية نجد أن السؤال الذي يخاطب الطالب المتفوق لم يكن موجودا في معظم الأحوال، فكل الأسئلة كانت في متناول الجميع، وهذا ما سنراه بعد أيام في مجاميع هؤلاء العباقرة الذين يفوقون آينشتاين والخوارزمي وفيثاغورث وغيرهم من علماء البشرية، حيث سنجد أنفسنا بعد أيام وعند إعلان نتائج الامتحانات أننا أمام ظاهرة المعدلات الفلكية وعلى طريقة ''المجموع قرب على المية''، وكل من دخل الامتحان ووضع بصمته الكريمة على الورقة سيكون ناجحا إن شاء الله· وهنا سنكون أمام حالة جديدة من حالات التقويم التربوي التى يجب أن نرصدها بدقة متناهية، وتتوزع ملامح هذه الحالة كالتالي: لا رسوب بين الطلبة، فلن يرسب طالب إلا إذا كان عاجزا عن الإمساك بالقلم وكتابة اسمه على ورقة الإجابة، كما أن المعدلات الفلكية للطلبة ستضع راصدي الدرجات في موقف لا يحسدون عليه، ففي الصف الواحد سيكون هناك أكثر من طالب يحصد الدرجة النهائية، بل سنجد في مواد كنا نحسبها صعبة في سنوات دراستنا البائدة مثل الرياضيات والفيزياء واللغة الإنجليزية أن المئات بل والآلاف من الطلاب والطالبات حصدوا الدرجات النهائية فيها، ولا نعرف لماذا؟ بصراحة شديدة كانت أسئلة امتحانات الفصل الثاني عشر -كما كتب الزملاء في سياق تغطياتهم الميدانية للمعركة- بردا وسلاما، فالجيولوجيا بدون تضاريس، وعلم النفس بلا غموض، والجغرافيا ''رطبة'' والرياضيات بلا ألغاز، يحدث هذا في الوقت الذي يكاد يجف فيه دم الطالب في الثانوية البريطانية قبل دخوله الامتحان والذي يختلف محتواه الأكاديمي تماما عما يدرسه الطالب في المقرر الدراسي الحكومي، وفي الوقت الذي يتدرج فيه طالب الثانوية البريطانية أو الأميركية أو الكندية أو السنغافورية من مستوى علمي إلى آخر خلال الامتحان نجد أسئلة الصف الثاني عشر في المنهاج الحكومي تسير من سهل إلى أسهل، ولا نعرف لماذا، ولا نعرف ما هو مصير هذا الطالب الذي دخل وخرج من الامتحان ولم يضرب كفاً بكف على سؤال لم يجب عنه، بل ما يحزنني حقا أن رسالة الإعلام في تغطية وقائع هذه المعركة لم تكن منهجية بصورة دقيقة، فقد كانت الرسالة واضحة تماما للطلبة وأولياء الأمور لدرجة جعلت بعض وسائل الإعلام تضع شكاوى بعض الطلبة في صدر صفحاتها· والسؤال الذي ينبغى طرحه بلا حرج: هل نحن أمام نظام امتحانات بلا رسوب؟ فإذا كانت هذه هي الحقيقة فما جدوى الامتحان؟ أتمنى أن يجهد أحد أساتذة كلية التربية في جامعة الإمارات أو أي جامعة أخرى نفسه من خلال إجراء دراسة تتبعية للمستوى الأكاديمي لهؤلاء العباقرة الذين سيحصدون الدرجات النهائية بعد أيام، ولتكن الدراسة العلمية التتبعية لمدة تتراوح بين 5 و10 سنوات، بحيث ترصد هذه الدراسة التغيرات التي طرأت على المستويات الأكاديمية لهؤلاء العباقرة بفعل ورقة الأسئلة التي تمضي بينهم كـ''شربة ماء''، وبعدها سنسمع من هؤلاء الطلبة تلك العبارة المؤلمة ''هذا ما جناه أبي علي وما جنيت على أحد''· لا أعتقد أن معالي الدكتور حنيف حسن وزير التربية والتعليم عندما تحمس لتطبيق نظام الامتحانات الجديد كان يرمي الى الوصول إلى هذه الحالة التي تؤرق كثيرا من العاملين في الميدان وأولياء أمور الطلبة، بل والطلبة المتفوقين أنفسهم، وأيضا نفرا من الأكاديميين الذين سيستقبلون هؤلاء الطلبة بعد أسابيع في مؤسسات التعليم العالي· بعد أن صمتت مدافع ''الإعلام'' وانقشع غبار الآليات، ووضعت المعركة أوزارها يظل سؤالنا يتردد: هل يعتبر هذا الامتحان مؤشرا دقيقا لقياس كفاءة الطالب ورصد مستواه العلمي؟ أم أننا في حاجة ماسة لتشكيل لجنة تعيد قراءة أوراق الأسئلة مرة ثانية وثالثة؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©