الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد سبيلا.. جرح المعرفة

محمد سبيلا.. جرح المعرفة
18 ديسمبر 2013 20:06
نظم ملتقى الثقافات بمدينة المحمدية لقاء مع المفكر والفيلسوف المغربي الدكتور محمد سبيلا، الذي قدم مُحاضرة قيّمة في موضوع “السياسة والأخلاق”. وتولى الشاعر المغربي صلاح بوسريف إدارة اللقاء وتقديم المفكر المغربي والمحتفى به الدكتور محمد سبيلا بكلمته: “محمد سبيلا: جرح المعرفة”. الشاعر صلاح بوسريف رآى أن محمد سبيلا من بين الكُتَّاب والمفكرين المغاربة الذين اسْتَهْواهُم الفكر، وأخَذَتْهُم الفلسفة إلى سراديبِها العميقة. أن يُفَكِّر الإنسان، ويعمل على نشر أفكاره، في الجامعة، كما في اللِّقاءات، والندوات، التي تَتِمُّ في المغرب، وفي خارجه، ومن خلال أعْمالٍ منشورة في كُتُبٍ، فهذا يعني أنَّ هذا الإنسانَ، يعيش قَلَقاً كبيراً، وتأكُلُه الأسئلة، كما كانت تأكُل رُؤَى القِدِّيس يُوحَنَّا عَيْناه، لِهَوْلِ ما كان يَرى. هكذا أتصوَّر، شخصياً، عَمَل المفكرين الذين لا يكتبون فقط، بما تعنيه الكتابة من كلام، قد يكون خارجاً بغير معنىً، أو غير مبنيٍّ على فِكْرٍ ونظَرٍ، بل إنَّهُم، في ما يكتبونَه، يكون كلامُهُم جُرْحاً، في جَسَد المعرفة، ليس بمعنَى المتنبي، وما لِجُرْحِ بمَيِّتٍ إيلامُ، بل بمعنى فوكو، حين قَدَّمَ لإحدى طبعات كتاب نيتشه «الفلسفة في العصر التراجيدي عند الإغريق»، حين اعتبر أنَّ نيتشه، وماركس، وفرويد، هؤلاء الثلاثة، تركوا، بما صَدَروا عنه من أعمال، جُرْحاً في الفكر الأوربي الحديث. هذا الجُرْح، هو ما يعمل المُفَكِّر القَلِق على اسْتِحْدَاثه في فكر ووجدان الأمة التي ينتمي إليها. واعتبر بوسريف محمد سبيلا، أحد الطَّرْوادِيين، الذين اخترقُوا قِلاعَ المؤسَّسة، بالمُثابَرَة، والبحث، والحَفْر في سراديب المعرفة، رغم كل ما اعْتَرى عَمَلَه، وعمل الذين كانوا معه، من عراقيل، لم تُجْدِ نَفْعاً، أمام فكرٍ، كان جَمْرُه أشدّ اشتعالاً، وتَوَهُّجاً. قسم الدكتور محمد سبيلا محاضرته إلى قسمين، قسم نظري وقسم آخر سلط فيه الضوء على ما يعتمل في الساحة المغربية من صراع بين السياسة والأخلاق، واعتبر الدكتور سبيلا أن الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق يعود إلى المطالع الأولى للحداثة. وثمة من يعتبر هوبز أول من دعا إلى ذلك في هذا الموضوع. فهوبز كان يرى أن السياسة مجال إنساني أرضي. بعكس الفكر اليوناني، وأيضاً التصور المسيحي كان يركز على هذا النوع من الارتباط بمثال مدينة الله بدل مدينة الإنسان. السياسة هي الحقيقة الفعلية، وهي ترتبط بتدبير المعيش، لا بتدبير المثال، عند مكيافللي، فهي تُدَبِّر السلطة، وأهمية السلطة، عند مكيافللي، تكمن في كون السياسة ضرورة اجتماعية أساسية لحماية المجتمع من الفوضى، والارتجال، ومن ثمة ضرورة ترسيخ ضرورة الدولة. الفكر اليوناني ربط الشرع بالقانون، وهذا هو ما ذهب إليه أرسطو. أمَّا المسيحية، فقد خلطت بين المسألة الدينية، والمسألة الدنيوية. مكيافيللي أكَّد ضرورة الفصل بين السياسة والأخلاق. ما سيميز موقف مكيافيل، هو إنه موقف واقعي، أما الموقف الرابط بينهما، فهو موقف مثالي. كانط ميز بين الدائرة العمومية والدائرة الخصوصية، أي خضوع السياسة للأخلاق، وخضوع الأخلاق للفضيلة. موقف الوصل بين السياسة والأخلاق قام على قدر من الخلط بين الواقع والمثال. كما نجد عند أفلاطون، وعند الدينيين. في الفكر الحديث السياسة هي فن تدبير المصالح اليومية للناس، قد يستخدم، السياسي قيم الفضيلة والمساواة، ولكن العلوم الإنسانية الحديثة تفصل بين المجالين، وتعتبرهما متمايزين. هناك تباين في الخلفية السياسية بين موقفيْ الفصل والوصل. فالوصل يقوم على الطيبوبة. وأشار سبيلا في محاضرته أن هوبز يعتبر الطبيعة في حالة حرب. الإنسان ذئب للإنسان. القوة والحيلة عند الإنسان، مكيافيللي، يرى أن الناس متقلبون متغيرون، إنهم يخافون الخطر.. اختلاف تصور الفصل، وتصور الوصل، هناك اختلاف في تصور السياسة، التصور الودي والسلمي والتصور الحربي. السياسة ترتبط لغوياً في العربية بالحيلة والمكر، أي بتجنب الحرب، بالمعنى الآخر تبلور مفهوم السياسة عن طريق الربط بين السياسة والحرب. إذا كانت الحرب استمرار للسياسة بغير الوسائل السلمية، هي مواصلة للحرب بوسائل سلمية، فهي حرب مضمرة، بالفضيلة. حتى في لا وعي السياسيين، ليس معناه انعدام البعد الحربي الصراعي في الحقل السياسي، هو نوع من المكر، وإخفاء الوجه الحربي، والاختباء وراء الأخلاق. وأكد أن العلوم الإنسانية الحديثة دعَّمت موقف الفصل، باتخاذ نوع من الريبة والشك تجاه المنظومة الأيديولوجية. التحايُل والتمويه والتحايُل عن الذات، هذا ما كشفه التحليل النفسي، أي الإليات النفسية الحية، مما ساهم في التخلي عن التصديق الساذج للمعنى الطاهر للسلوكات والأقوال، والماركسية دعمت هذا التوجه الشكي، مثلاً ألتوسير حاول ربط مفهوم الأيديولوجية الماركسي، بالرغبات الذاتية للذات، أي اتخذت طابع تضليل داخلي. أما عن التوجُّه الشكي، فيرى الدكتور سبيلا أنه تبلور نتيجة تقدم العلوم الإنسانية، بلور فلسفة التَّوَجُّس، عند ريكور. لم يعد بالإمكان التصديق الساذج للادعاءات والمزاعم، فالذات موجودة فيها، وهي تصدق على السلوك البشري العادي، وتصدق على السلوك السياسي، أيضاً. وتحدث الدكتور سبيلا عن الوضع الأخلاقي وعلاقته بالسياسي في المغرب، قائلاً: “بالإمكان تلمس بعض أسباب التردي الأخلاقي في الحقل السياسي المغربي. هناك عدة عوامل ساهمت في هذا التردي، وهي بعيدة المدى، ساهمت في نوع من التحلل الأخلاقي، وهو ما يدعم ضرورة الانتقال من الارتكاز علي مسألة الضمير الأخلاقي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©