الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طارق إمام: الرواية فن الفرد

طارق إمام: الرواية فن الفرد
18 ديسمبر 2013 20:07
«ضريح أبي».. الرواية الخامسة، الصادرة خلال الأشهر القليلة الماضية، في مسيرة الكاتب الروائي الشاب طارق إمام، أحد أهم وأشهر الأصوات الروائية بين أبناء جيله في المشهد الروائي المصري والعربي على السواء، خاصة أن إمام بدأ مشروعه الإبداعي مبكرا جدا، فقد كان في الثامنة عشرة من عمره حينما أصدر مجموعته القصصية الأولى. وعبر قرابة العقدين من الزمان، رسخ طارق إمام اسمه ككاتب روائي وقصصي “محترف”، له مشروع طموح جريء يتكئ على التجريب الواعي المتقد، ترفده ثقافة أدبية واسعة، واطلاع يقظ على مكتسبات الفكر الإنساني في المجالات كافة. روايته الأخيرة “ضريح أبي”، الصادرة عن دار العين للنشر، قوامها التنقّل بين المقدّس والدنيوي، والبقاء على حافّة قرب الموت لا باعتباره فناءً جسديّاً، بل باعتباره منطويّاً على معانٍ تحتمل التفسير والتأويل والترميز. فالموت هو الحاضر الأكبر في مدينة جبل الكحل التي ولدت حول الضريح، وكذلك في حياة الشخصية الرئيسة؛ الابن الذي يقطع الطريق ـ أو الطريقة ـ بين ضريح أبيه ومقبرة أمّه، ويروي حياته/ مصيره، من خلال ما يتذكره ويكتشفه عن حياتيهما. منجز إمام الإبداعي (5 روايات، و6 مجموعات قصصية، عدا عشرات المقالات النقدية في الشعر والقصة والرواية) حصد العديد من الجوائز المصرية والعربية، وتوج مسيرته الحافلة مع الجوائز، بحصوله مؤخرا على جائزة “متحف الكلمة” الإسبانية للقصة القصيرة، عن قصته “عين”، وهي المسابقة التي تقدم لها في دورتها الثالثة آلاف الكتاّب من 129 دولة بمجموع 22571 قصة، وسيتسلم إمام الجائزة من ملك إسبانيا خوان كارلوس في حفل كبير خلال الأشهر القليلة القادمة. ? في فضاء روائي ساحر، يزول الفاصل بين المعيش والمتخيل، بين الوقائعي والغرائبي.. ينسج إمام خيوط روايته الجديدة.. برأيك هل الاتجاه إلى هذا اللون من الكتابة الروائية بات يمثل تيارا عريضا في الكتابة الروائية العربية؟ وإن كان فكيف ترصد ملامح هذا التيار؟ ?? هو تيار من بين تيارات أخرى، لكني لا أستطيع أن أصفه بـ”العريض”؛ لأن النزوع للفانتازي أو العجائبي لا يزال يتحقق بقدر من الاستحياء.. الرواية العربية رزحت طويلاً تحت مظلة الرواية الواقعية بمعناها المحاكاتي، وقد لعب النقاد التقليديون دوراً في ذلك التكريس.. المسألة ببساطة أن البعض يُنصِّب نفسه وصياً على “الواقع” وكأنه يخشى عليه من الخيال.. بينما الفن هو الابن الأكيد للخيال.. وليس النزوع للخيال بهروب من الواقع أو تخلي عن الدور المتخيل للكتابة في كشف واقعها، وهو ما يخيف البعض بوصاية أدبية غريبة.. لكنه في الحقيقة تعميق للواقع وتأكيد على أسئلته من خلال خلق ما يسمى بـ”الواقع الفني”، عوضاً عن المحاكاة العقيمة للواقع في النص الأدبي. إنها “الاستعارة” بالمعنى البلاغي الواسع في مواجهة “التمثيل”. الرواية “طريقة” ? بدا منذ بداياتك الباكرة أنك تنتمي إلى جيل يؤمن بقدرة الرواية على الاشتباك مع الأفكار الكبرى.. وفي “ضريح أبي” طرحت مناقشة تصورات فلسفية ومعرفية ودينية شائكة عبر مغامرة فنية شاقة وصعبة.. حدثني عن معاناتك كروائي يبحث عن المغايرة والجدة والفرادة، في مقابل الخفة والاستسهال والنأي عن خوض المناطق الشائكة؟ ?? الكتابة السهلة تفترض أن العالم سهلاً.. وأنا أرى أن الكتابة ينبغي أن تتجاوب مع تعقيد العالم إن أرادت أن تشتبك معه بشكل حقيقي لتعكسه على صفحة الوعي. أنت لا تكتب رواية لكي تطرح حكاية “والسلام”، الحكاية في النص الأدبي مرتبطة بالدلالة أو بمجمل الدلالات التي تبذرها هذه الحكاية بالذات.. والدلالة تنبع من جدل الأفكار. من الغرور القول إن ما يميز الروائي هو امتلاكه لحكاية، كل شخص في العالم يملك حكايته، يملك “روايته” إن جاز التعبير.. ولا وجود لحكاية أفضل من حكاية، لكن هناك طوال الوقت وجود لروايات أفضل من أخرى. قليلون هم من يحولون حكاياتهم لروايات وقصص؛ أي إلى خطابات “جمالية”. وهنا نصل للعنصر الثاني: الرواية كخطاب جمالي. الرواية بناء، أي “صنعة” و”طريقة” في الحكي بشكل معين. سؤال الشكل إذن ليس ترفاً، لأن الرواية “شكل أدبي”، وشكلانيتها هي ما تمنحها خصوصيتها بل ودلالتها نفسها. من آفات النقد العربي أنه يفصل الشكل عن المضمون وكأنهما عنصران يتم تلفيقهما معاً بشكل قسري.. لكني مع من يرون أن الشكل والمضمون مثل وجهي الورقة، يستحيل فصلهما. وفق ذلك، فالعالم الروائي بالنسبة لي نسيج واحد.. الفكرة ملتبسة فيه بلغتها وبشكلها الفني.. وفي “ضريح أبي” الحكاية نفسها ببعدها الصوفي والثقافي خلقت طبيعة الخيال المرتبط بها، والمتسق مع المخيلة الشعبية وطبيعة الحكايات الشفهية المرتبطة بها في نظرتها للعالم، ما يجعل الخيال نفسه جزءاً من الواقع الفني وليس طارئاً عليه، أو هكذا أراهن، مثلما انعكست الفكرة بمستوياتها على “مستويات اللغة” القادرة على تجسيدها سرديا. ? «ضريح أبي» ومن قبلها «الحياة الثانية لكفافيس».. ثمة كثافة بادية شكلا ومضمونا.. لا يسلمان نفسيهما بسهولة لقارئ عجول أو باحث عن تسلية عابرة؟ ?? العلاقة بين النص الأدبي والقارئ ليست في ظني علاقة منتج ومستهلك بذلك الأفق الأولي، لكنها بالفعل “علاقة جدلية”.. وهذا نابع عندي من أني لا اكتب رواية ليقرأها “جمهور” بل ليقرأها عدد من الأفراد قد يقل أو يصل لمليون فرد.. والفارق كبير بين الاثنين.. النظرة للجمهور، فضلاً عن كونها متعالية، تتعامل مع المتلقي كقطيع أو كنسيج واحد وهذا غير صحيح مع الرواية بالذات، الرواية فن الفرد.. الفرد ينتجها، والفرد هو عالمها، وبالتالي فالفرد هو متلقيها ويجب بالتالي أن تبقيه الرواية فرداً لا أن تجرده من فرديته. على الجانب الآخر، لستُ ضد أن تكون الرواية مسلية.. المتعة ليست حراماً في الفن الذي يدعي الجدية أو الجدة.. لكن “التسلية المجانية” أو السهلة هي ما لا أحبه كقارئ وبالتالي ككاتب. نقد كسول ? أثارت «ضريح أبي» سجالا نقديا بين رأي اتهم بعض التناولات النقدية للرواية بأنها “نقد كسول ودارج وسيئ للغاية” وبين أخرى، هي الأغلب، ترى أن كثافة العمل وتراكب مستوياته وتداخلها تفرض معالجتها الخاصة ولغتها النقدية التي لا يستسيغها غير المتخصصين؟ ?? هذا صحيح، فهناك من قرأ إحدى المقالات النقدية التي كتبت عن «ضريح أبي»، وتعامل معها بقسوة لافتة، وطرح تساؤلات من قبيل: ماذا يعني مثلاً “غرائبية اللغة” كمصطلح يمكن استدعاؤه لوصف لغة رواية طارق إمام، إن كان يمكن جر المصطلح ذاته، على رواية أخرى للكاتب أو غيره من الكتاب، والأصل في الحقيقة أن اللغة “بنية سرد”، ووصفها بالغرائبية أو عدمها لا يعطيها ميزة ولا يُنقص من قدرها. وكان ردي ببساطة حينها، أنه ربما تكون شهادتي مجروحة لأن المقال المكتوب في نهاية المطاف عني وعن الرواية.. لكني حاولت وبموضوعية شديدة، استجلاء رأي صاحب المقال الذي ربط تصوره للغة بهذه الرواية تحديداً عبر تفاصيل عدة، منها: كيفية الاتكاء على لغة بعينها لطرح تصور بعينه.. أو “كيف تصير اللغة بحد ذاتها موضوعاً وليس محض أداة توصيلية”.. ما يجعل فكرة “العمومية” في تصوري غير واردة هنا.. أختلف كليا وتماماً حول فكرة أن الشخصيات العجائبية موجودة في الواقع.. لا.. ثمة شخصيات تأتي من الخيال ولا يمكن أن يكون لها وجود في الواقع.. هل في الواقع هناك وجود لشخص يعيش ألف سنة؟ أو لامرأة من ورق؟ أو لشخص بلا أنف لا يتناول طعاماً كي لا يختنق كونه يتنفس من فمه؟ هل يمكن في الواقع أن ينجب رجل ما طفلاً بعد موته بمئات السنين؟ “الواقع الفني” هو ما يجعل العجيب مقبولاً وقابلاً للتصديق، وليس شرط الواقع الفعلي خارج النص.. لا أريد أن أبدو مبرراً لمقاربة يملك صاحبها في النهاية التحدث عنها، فأنا لا أتحدث بالنيابة عن أحد.. لكن الطرح الذي قدمه مَن هاجم المقال بخصوص العلاقة بين العجيب والواقع “غير دقيقة” في ظني.. وأخيراً المقال لم يكن مديحا خالصا.. لو تمت قراءته بتأنٍ لوجد من اتهمه أو تحامل عليه ملحوظات مع النص، وأخرى تنتقد بعض مناحيه، فهي في المجمل “قراءة متوازنة”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©