الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر الغامضة!

18 ديسمبر 2013 20:09
المجهول أكثر من المعلوم حول الوقائع السياسية المهمة في مصر خلال العقود الأخيرة، تلك هي النتيجة التي يخرج بها قارئ كتاب الصحفية الأميركية ماري آن ويفر “صورة لمصر”. جاءت ويفر إلى مصر في يوليو 1977 مراسلة صحفية، وأخذت تدرس بالجامعة الأميركية في القاهرة مما أتاح لها أن تتلمذ على يد د. سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة، وأن تكون زميلة دراسة لقرينة نائب رئيس الجمهورية آنذاك حسني مبارك. شغلت في عملها بمتابعة الجماعات الدينية ونشاطها. ظلت في مصر لمدة عامين ثم عادت إلى بلدها لكن لم تنقطع صلتها بمصر، وظلت تتردد عليها حتى مذبحة الأقصر في نهاية عام 1979. ومن خلال عملها التقت كبار المسؤولين المصريين زمن السادات ومبارك، والتقت مبارك نفسه أكثر من مرة وهو رئيس، والتقت كل الأطراف تقريبا، ولأنها مراسلة أميركية رحبت قيادات الجماعات الدينية بالحديث معها، وفي أحيان كثيرة كانوا يسعون إليها لتستمع إلى صوتهم وما لديهم ليصل إلى مسامع الرأي العام والإدارة الأميركية. أصابع خفية يبدأ الكتاب بلحظة صعود طائرة الرئيس السادات في زيارته إلى إسرائيل، نوفمبر 1977 حيث كانت انتخابات اتحاد الطلاب بجامعة الإسكندرية تعلن فوز الجماعة الإسلامية واكتساحها التيارات الأخرى. كانت هذه الجماعة عملت في الجامعات المصرية بدعم كامل من أجهزة الأمن المصرية وبتوجيه من الرئيس السادات الذي أراد من هذه الجماعة أن تقتلع اليسار المصري، وتحديداً الناصريين من الحياة العامة، ولم يكن السادات يدري أنه بذلك صنع عدوه الأول، وكانت زيارته إلى إسرائيل مناسبة لتكفيره من هذه الجماعات، مما أدى إلى اغتياله في 6 أكتوبر 1981. وقال لها مسؤول سياسي كبير في مصر - وقتها - إن نائب الرئيس مبارك كانت لديه معلومات عن محاولة سوف تجري لاغتيال السادات، بحكم إشرافه على الأجهزة الأمنية وقد حاول منع السادات من الذهاب إلى العرض العسكري والاعتذار، لكن السادات رفض بشدة. وهي تضع علامات استفهام عديدة حول عملية الاغتيال وملابساتها وتطرح تساؤلاً بلا إجابة حتى اليوم. وقد حاولت أن تطرحها على الرئيس مبارك، لكنه غضب ورفض الحديث نهائياً في هذا الأمر، كما رفض الذهاب إلى المحكمة للإدلاء بشهادته، أمام المحكمة العسكرية أثناء محاكمة قتلة السادات. هي لا توجه اتهاماً إلى مبارك، كما فعل البعض بعد تخليه عن الرئاسة، لكن لديها شكوكاً في أن هناك آخرين ساعدوا خالد الإسلامبولي لم يكشف النقاب عنهم، ولا تستبعد أصابع لصدام حسين ومعمر القذافي في عملية الاغتيال. وفي متابعتها لما جرى في مصر من صراع بين الجماعات المتشددة - كما تسميها - وأجهزة الأمن المصرية، تضع مجموعة من النقاط وتثير الكثير من علامات التعجب، منها أن هناك من النخبة المصرية والعدد من السفراء الغربيين في القاهرة، كان رأيهم أن عمليات بيع القطاع العام وطرد الموظفين سوف تؤدي إلى مزيد من الغضب بين المصريين وكثير من الاحتجاجات ولن يكسب منها غير الإسلاميين، وحين تم تخفيض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وهي الخطوة التي تردد وقتها أن جمال مبارك كان يقف خلفها، كان هناك من حذر من أنها ستؤدي إلى مزيد من الفقر لعموم المواطنين ومزيد من الأموال للإسلاميين، لكن لم يستجب أحد لهذه التحذيرات. الإخوان والأميركان تنشر الكاتبة حوارا أجرته مع مبارك عام 1994 وفيه يكشف أنه كان على دراية كاملة بحجم الاتصالات والمساندة من الحكومة الأميركية لجماعة الإخوان، ويكشف كذلك عن اقتناع تام لديه بأن جماعات العنف ذات صلة وثيقة بجماعة الإخوان التي تبدو “معتدلة” أمام الرأي العام، ورغم هذا فإنه لم يتخذ أي إجراء على الأرض باستثناء الحل الأمني فقط. وبعد حادث الأقصر، حيث قامت الجماعة الإسلامية بذبح عدد من السياح الألمان والتمثيل بجثثهم، التقت أحد الإسلاميين الكبار في مصر، وينتمي إلى نفس الجماعة، وقال لها إن الهدف من العملية لم يكن دفع الرئيس مبارك إلى إقالة وزير الداخلية حسن الألفي، كما تصور الكثيرون، لكن كان الهدف أن تتم العملية بوحشية ليبدو عجز جهاز الأمن عن السيطرة وعجز الرئيس مبارك عن إدارة الأمور ويتم بذلك استفزاز قادة الجيش للقيام بانقلاب على مبارك، ثم عرضت هذا الرأي على كل من الكاتب اليساري محمد سيد أحمد ود. سعد الدين إبراهيم، وفاجأها الأخير بأن مبارك نفسه مقتنع بذلك تماما وبعدها اتخذ مبارك قرارا بأن يكون هناك حاكم خاص للأقصر - رئيس مجلس أعلى للأقصر - وأن يكون شخصية عسكرية، مما أدى لتحويلها إلى محافظة مستقلة. وتستعرض الكاتبة الأميركية التحول في مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952 وتتوقف مطولا أمام حكم الرئيس عبدالناصر، الذي كان أول حاكم مصري لمصر منذ نهاية العصر الفرعوني، وخلفه الرئيس السادات، وترى أن عبدالناصر كان لديه تأميم القناة وبناء السد العالي واستقلال مصر مما منحه شرعية خاصة، وكذلك السادات حكم بشرعية حرب أكتوبر وعملية السلام، بينما الرئيس مبارك حكم بالوراثة - هو نائب رئيس صار رئيسا - ولم تكن لديه شرعية خاصة تميزه مثل ناصر والسادات، ولذا في لحظة لم يجد من يسانده من النخب المصرية الإسلامية واليسارية والليبرالية والعلمانية. وترصد الكاتبة كذلك تطور علاقات مصر بالولايات المتحدة من عصر عبدالناصر ومرورا بالسادات وصولا إلى حكم مبارك، وتعدد أوجه التباين والخلاف التي نشبت بين مبارك والإدارات الأميركية في العديد من المواقف التي وصلت إلى الحدة في بعض المواقف، مثل ما اعتبرته الولايات المتحدة عام 1994 التفافا من حكومة مبارك على الحظر الذي فرضته على ليبيا. وقد رصدت المخابرات الأميركية أن رجال الأمن المصريين كانوا يخرقون الحظر ويسمحون بدخول المواد الغذائية وغيرها إلى ليبيا، لكن هذه الخلافات لم تصل إلى حد القطيعة أو العداء من الولايات المتحدة لمبارك. صدر الكتاب باللغة الإنجليزية عام 2000 وفيه توقع واضح بما جرى في 25 يناير 2011، إذ وضعت الكاتبة عدة سيناريوهات لما يمكن أن يحدث في مصر مستقبلاً وكان أحدها ما جرى في ثورة 25 يناير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©