الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهمزة الغبية

الهمزة الغبية
8 ديسمبر 2012
لم أكن أفوّت أي حلقة من حلقات المسلسل السوري الرائع «المكافأة»، وأسرني الفنان طلحت حمدي بدوره في المسلسل: معلم مثالي يتصدى للفساد ويدافع عن شرف المهنة. لكن شيئاً غريباً حصل في المشهد الأخير من المسلسل، طلحت حمدي يتلقى رصاصات غادرة في الفصل بينما يكتب على السبورة كلمة «الوطن». لم يكن قتله هو الأمر الغريب، فكلنا سُنقتل يوماً وسنذهب إلى حيث لا ندري، سواء بمرض أو حادث أو خطأ طبي أو جريمة قتل، لكن الغريب كان وضع الفنان همزة على حرف الألف، هكذا «ألوطن»، وهو خطأ لا يقع فيه طالب في الصف الثاني الابتدائي، فكيف وقع فيه ممثل مخضرم مثل طلحت حمدي، والمصوّرين، والمخرج، والجماعة الذين في الإنتاج، بل حتى الطلبة الكومبارس الذين شاركوا في المشهد، ألم يرفع أحدهم يده أثناء التصوير ليقول: الوطن تكتب من دون همزة يا معلم! لكنني نسبت الخطأ حينها إلى جهلي بعلوم اللغة العربية، وقلت: مثلما هناك مدارس في الفقه، ومدارس في النحو، ومدارس في الحديث، والرسم العثماني لبعض كلمات المصحف لا يتوافق وقواعد الإملاء المعروفة، فربما كانت تلك الهمزة صحيحة في إحدى مدارس اللغة العربية، رغم أن معظم معلمي اللغة العربية الذين تتلمذت على أيديهم كانوا من الشام، ومن سوريا تحديداً، وكان وضع مثل تلك الهمزة في حصص الإملاء يعقبه ضربات بالعصا على اليد. وازداد يقيني بوجود مدارس مختلفة للغة العربية حين قرر الرئيس العراقي السابق صدام حسين إضافة عبارة «الله أكبر» على علم بلاده، إذ وُضعت تلك الهمزة على لفظ الجلالة. وقلت في نفسي: فعلاً أنت جاهل، هل من المعقول أن تُخطئ دولة مثل العراق، عراق السيّاب والجواهري والرصافي ومن قبلهم سيبويه وجماعته، في إضافة همزة خطأ في علمها، والعلم، أي علم، رمز الدول، ودونه تراق الدماء وتخاض الحروب؟ بل تكون هذه الهمزة على أكثر لفظة يستعملها أي عربي، وهي موجودة في كل مكان؟ ولحسن الحظ أنني قرأت مقالة لكاتب عراقي بعنوان «كلام الريس» يتساءل فيها عن تلك الهمزة في علم صدام حسين، ويكشف بتحليل منطقي سرّ الهمزة الصدامية، فيقول إنه يعتقد أن صدام استدعى وزير خارجيته طارق عزيز وناوله ورقة مكتوب عليها بخط يده لفظة الجلالة بالهمزة، وقال له: أريد إضافة هذه العبارة على العلم العراقي. ولم يجرؤ طارق عزيز، باعتباره خادماً مطيعاً لصدام، أن يصحّح له ويكشف جهله، وقام فوراً بتسليم الورقة للمصممين. ويتوقع الكاتب أن المصممين أيضاً لم يجرؤوا على تحدي الرئيس، وأن ألوف الخياطين والرسامين والخطاطين ظلوا يضيفون الهمزة رغم معرفتهم أنها خطأ، فهي «أهون وأسلم من إثارة غضب صدام حسين». وربما تعسّف الكاتب في تحليله، لكن لا شيء يفسّر وجود تلك الهمزة إلا رعب أعوانه من مجرد التفكير في تصحيح خطأ صدام، إلا إذا كانت هناك مدارس مختلفة للغة العربية كما كنت أعتقد. ويبدو أنني سألجأ إلى التحليل نفسه في «ألوطن» الخاص بالمسلسل السوري، فإما أن يكون الفنان طلعت حمدي ديكتاتوراً لم يجرؤ أحد أثناء التصوير إلى تنبيهه إلى ذلك الخطأ الفادح، وإما أن يكون المخرج هو الديكتاتور، وهو الذي أوقف التصوير حين رأى الفنان يخط الكلمة بشكل صحيح، فاعتقد أنها طريقة خاطئة، وأخذ الطبشورة وزعق في وجه الممثل: هكذا تُكتب الكلمة يا مثقف.. ألوطن. يبدو أنني ما زلت إنساناً عادياً ولم أتحول بعد إلى مستبد غبي يخاف مني الناس، أو يجاملونني، أو يشترون راحتهم بقليل من نظرات الرضا عنهم، فالكثير من القرارات التي اتخذتها في حياتي وُوجهت بانتقاد أو اعتراض أو تعليق أو سخرية، سواء من أهلي أو أصدقائي أو زملائي في العمل، وقالوا لي من دون تردد أو ارتباك وبكل وضوح: ما هذه الهمزة الغبية؟ أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©