الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

دعوة أميركية لتعويم الدور الاستراتيجي الأوروبي

7 يونيو 2007 23:34
الاتحاد - خاص: صحيح أن الامبراطوريات تصنع أو تخترع أعداءها لكي لا تتحلل إذا ما لاحظت أنه لم يبق أمامها سوى الفراغ، ولكن هل يمنع ذلك من ''اختراع'' الأصدقاء؟ فعلى مدى عقود وضع الأميركيون الأوروبيين وراءهم· غاب أي دور للقارة العجوز، بما فيه الدور الدبلوماسي· الآن، انقضى زمن الأنوف المرفوعة، انجيلا ميركل، نيكولا ساركوزي، غوردن براون يقولون إن أميركا هي نجمة الغرب· الآن، وإدارة الرئيس جورج دبليو بوش تواجه أكثر من مأزق، ثمّة دعوة إلى تعويم الدور الاستراتيجي الأوروبي، بينما أظهر اللقاء الأخير بين الاتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي على ضفاف نهر الفولجا أن الفجوة السيكولوجية لا تزال ماثلة بين الماضي والحاضر في أوروبا· ''لا أحد في أوروبا يرشق تمثال الحرّية بالحجارة''، كتب ذلك ذات يوم وزير العلاقات الخارجية الفرنسية الراحل ميشال جوبير، ليسأل: ''متى يتحرّر الأميركيون من عقدة النورماندي؟''· هذا منذ أكثر من عشرين عاماً· الآن، ماتت الأفكار الملتهبة في القارة العجوز· ولم يعد شارل ديجول أكثر من تمثال برونزي في إحدى جادات باريس، فيما ابنه الأميرال فيليب ديجول الذي أخذ عنه القامة الطويلة فقط، يستخدم العكاز ويفضل أن يكون تمثالاً مثل أبيه· الألمانية انجيلا ميركل والفرنسي نيكولا ساركوزي والبريطاني جوردون براون، كلهم يعتبرون أن الولايات المتحدة هي نجمة الغرب، قد يكون هناك خلاف، ولكن لا يختلف عن ذاك الذي بين الجمهوريين والديمقراطيين في تلة الكابيتول· إذاً، يفترض أن تتغير النظرة الأميركية إلى أوروبا، فقد سبق لآلان جريش أن كتب: ''ألسنا شركاء في الأطلسي، فلماذا تعاملنا الولايات المتحدة كأعداء؟''· يقول: ''أعداء من الدرجة الثانية، صحيح أننا نعاني من نقاط ضعف كثيرة، ولكن على الأقل نستطيع أن نحمي ظهر أميركا''· إذاً، المطلوب من الإدارة تعويم القارة، فلا تعود تقبع في الزاوية، ودبلوماسيوها بالكاد يمكنهم أن يتكلموا حتى في القضايا التي تهمهم، وللمثال قضية الشرق الأوسط''· سقوط الوردة الحمراء زبجنيو بريجنسكي يلاحظ أن الأوروبيين باتوا أكثر واقعية، ظهرت صورة في مجلة ''الفيجارو'' تبدو فيها الوردة الحمراء وقد سقطت بين قدمي سيجولين رويال· حتى الوردة الحمراء تسقط تحت الأقدام بعدما كان الشيوعيون والاشتراكيون في فرنسا وايطاليا يقرعون الطبول، فيما حزب العمال في بريطانيا أصبح أقرب بكثير إلى آدم سميث وجون كينز منه إلى الأم تيريزا· دور المعطف الواقي، هذه مهمة حساسة وتحتاج إليها الولايات المتحدة التي، وبجاذبية القوة، تعرف كيف تقترف الأخطاء الصعبة· الأوروبيون أنتجوا رينيه ديكارت وفريديريك هيجل· لا مجال للمقارنة بين الفيلسوف وراعي البقر· زبغنيو بريجنسكي يدعو أميركا إلى أن تعانق أووربا· في هذه اللحظة بالذات، ولكن أليست روسيا جزءاً من القارة؟ بريجنسكي يعتبر أن روسيا انتهت كخطر، لا داعي لإثارة غيظها ببعض الصواريخ أو الرادارات في تشيخيا أو بولونيا· هذه لا جدوى منها على المستوى الاستراتيجي· الأفضل تفعيل حضورها في تجمع الـ''ج''8 (G8)بحيث تشعر ''روسيا المقدّسة'' أن ليس هناك مَن يدفعها، بخشونة، إلى ما وراء الثلوج· يسأل ما إذا كان هناك في واشنطن مَن علقت برأسه بعض آثار الحرب الباردة· حدث أن زال الاتحاد السوفيتي، ولكن الهاجس لا يزال إياه، مع أن جان دانييل كتب ''كما لو أنك تستيقظ ذات يوم ويقال لك إن الشيطان مات''· عادة الامبراطوريات تصنع، أو تخترع، أعداءها، هذا لكي تحافظ على توترها، وهو أمر ضروري كي لا تسترخي أو تتحلل إذا ما لاحظت أنه لم يبق سوى الفراغ أمامها· اللحظة العجيبة بريجنسكي يقول ''إن نسبة الخطر من روسيا تعادل نسبة الخطر من أن يسقط كوكب المريخ على الأرض''· المسافة بعيدة هكذا، ولكن ماذا إذا تحالفت مع الصين؟ يضحك مستشار الأمن القومي السابق، ويذكّر بحجم الدماء التي سالت في نهر ايسوري (نهر الحب) الذي يفصل بين البلدين، وبقبائل يأجوج ومأجوج التي كانت تعبره وهي تطلق صرخاتها الغريبة كما لو أنها آتية للتو من الجحيم، حتى أنه عندما حدثت تلك اللحظة العجيبة، أي اعتناق الصين أيضاً الشيوعية، ما لبثت الشيوعية على أيدي ماو تسي تونغ وليونيد أن أصبحت شيوعيتين، وكادت تندلع بينهما الحرب تماماً كما لو أن الامبراطور لا يزال هنا والقيصر لا يزال هناك·· يسأل بريجنسكي: ''لماذا ننفخ التنين بالكوليرا لا بالكوكاكولا؟''· إنه شديد العقلانية ويدرك ان الهيستيريا العسكرية هي بمثابة الانتحار ما دام هناك مليار ونصف مليار بشري يحتاجون إلى كل شيء ''لنتصوّر كم يستهلك هؤلاء من الاسبيرين''· لا أحد في الصين يريد التمدد نحو الهند، ولا نحو روسيا (مع ان سيبيريا مغرية جداً)، ولا نحو اليابان· الشرق الأوسط بعيد ومرهق ومعقد· غريب أن الصينيين لم يحلموا بهذه المنطقة رغم ما فعله بها جيرانهم المغول من هولاكو إلى تيمورلنك· اضطراب الوعي السياسي يقول بريجنسكي ان ما تواجهه الدول المتقدمة اليوم، أي الولايات المتحدة وأوروبا، هو يقظة سياسية عالمية لا سابق لها في التاريخ· تماماً ما اختبره المجتمع الفرنسي إبان ثورة عام 1789 وما تلاها، أي اضطراب الوعي السياسي وتفجّر الرغبات والطموحات· والنتيجة انتشار هيستيريا العنف التي تظهر في كل مكان، إن بديناميات ميتافيزيقية أو بديناميات سوسيولوجية· لا يكفي، في هذه الحال، أن نقتفي أثر دونكيشوت ونحارب طواحين الهواء· ثمة ملايين الأشباح في كل مكان· والحل، أولاً بـ''أن نجعل الأوروبيين يشعرون انهم ليسوا مجرّد ظلال باهتة لأميركا''· البعض في فريق الرئيس رونالد ريجان كانوا يجدون في الأوروبيين مجرّد ديكة تتقن الصراخ فقط· هذه الديكة تقف، في أحيان كثيرة، فوق البقية الباقية من التاريخ· الذي حدث ان أميركا وضعت أوروبا جانباً، حتى أن هذه لم تتمكن من أن تتعامل مع أزمة البلقان، فكان أن واشنطن أرسلت ريتشارد هولبروك، قبل أن تبعث بقاذفات القنابل، وتطيح النظام في بلجراد، ويعود الهدوء إلى البوسنة، فيما ابتعدت باقليم كوسوفو عن التنكيل الدموي اليومي·· ولكن ألم تسأل هيلين كارير دانكوس: ''مَن جعل أوروبا آنية من الزجاج؟''· حتى عندما أطلق الأوروبيون مبادرتهم لحل أزمة الشرق الأوسط في الثمانينات من القرن الفائت، دفعها الرئيس ريجان بفظاظة إلى الوراء· آنذاك كتب سيمور هيرش: ''موت في البندقية''، مستعيداً عنوان رواية توماس مان الشهيرة ''موت في البندقية''· الآن، يرى زبغنيو بريجنسكي ان المشهد تغيّر، ويفترض أن يتغيّر· لم تعد هناك أنوف مرتفعة، فلماذا لا تكون أوروبا قوة؟ إذ ذاك لا يعود هناك خوف لا من روسيا ولا من الصين· في رأيه انه لا الروس ولا الصينيون ''يغرزون أظافرهم في جلدنا''! أورينت برس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©