الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أهل "المرحلة".. وخيار الهزائم

7 يونيو 2007 23:34
خالد عمر بن ققه: تتبارى الأقلام وتجود القرائح ويزيد عدد المحللين كلما حلت ذكرى النكسة في الخامس من يونيو، وكأننا الأمة الوحيدة التي هزمت على وجه الأرض، وبغض النظرعن الأسباب والدوافع وراء تكريس ماضوية حياتنا العسكرية والسياسية، فإن ذلك يأتي ضمن ترويج عام لمفاهيم وحالات من الضعف والتراجع، أراها تتداخل إلى درجة تحول دون الفصل بينها، مع أن المنشغلين بقضايا الفكر والسياسة يرون أن هذا الطرح لا يحلّق بعيدا عن مسألة التنظير، انطلاقا من كون الهزيمة فعلا واقعاً ويصعب نكرانه، لكن الخلاف حول أبعاد الزمن·· إذ كيف لنا أن نرى عن بعد الهزيمة من مسافة الأربعين سنة ولا نرى النصر في أكتوبر وهو على مقربة من تلك السنوات؟ وكيف لنا أيضا أن نرى الهزيمة حقا والنصر في أكتوبر مجرد زيف؟·· على العموم فإن الترويج لثقافة الهزيمة يقصد منها ثلاثة أهداف، يمكن ذكرها على النحو التالي: أولها: تحويل الهزيمة إلى ثقافة أو جرح مفتوح- كما اختار المشرفون عن قناة الجزيرة أن يسموها في الذكرى الأربعين للنكسة- يستند في غوره إلى الدماء في العراق والسودان، والقتل والتدمير في لبنان، والقضاء على الوجود في فلسطين والصومال، وتأهيل دول عربية أخرى إلى فتن طائفية وإلى صراع الإثنيات والقوميات، وتبدو مصر مؤهلة إلى هذا الدور في المستقبل المنظور، ذلك لأن المجتمعات التي ظهرت فيها خلافات تؤدي إلى القتل بين أفرادها على نمط الحال التي نراها في عدد من الدول العربية اليوم، هي تلك المجتمعات المهزومة ولو بأثر رجعي، هذا يحيلنا إلى دراسة التاريخ من حيث إن الهزيمة لم تكن غداة الخامس من يونيو ،1967 لكن اليوم واقعا، السبب هو القبول خوفا أو طمعا أو قهرا باحتلال الآخرين، والدليل هو حرب الاستنزاف، التي كانت مقدمة وقاعدة انطلاق إلى حرب أكتوبر بعد ذلك· المساواة ··· والضرورات ثانيها: المساواة بين دعاة المقاومة، بما في ذلك المنشغلون بالعمل الثقافي والفكري، وبين دعاة التسليم بضرورات المرحلة، التي تعني بالنسبة لهم التبعية المطلقة للخيار الأميركي، وهم في ذلك يعتقدون بخروج مؤزر من الأزمات، من ذلك مثلا: سؤالهم: لماذا نقاوم أمريكا مادامت قد أصبحت سيدة العالم؟ ولماذا لا نبحث عن سبل للتعايش معها والتفاعل الإيجابي بالنسبة لمشاريعها في المنطقة، حيث يتساوى فيه دعمها لقوى الشر والظلام مع تأييدها المطلق لجماعات الفساد والسلطة؟ تلك مرحلة أولى تتبع بعدها بترجيح كفة خيار أهل العصر أو أهل المرحلة، لذلك ليس مدهشا أن ينتشر في المنطقة وعلى مستوى صناعة القرار تأييد أهل الثقة والتبعية والولاء على أهل الخبرة والتجربة والعلم، وكأن الدول العربية تكوّن إطارات من أجل تزييف الوعي، ومع ذلك كله علينا التأكيد على أمرين: الأول: أن بعض عناصر أهل المرحلة يعملون بجد من أجل البحث عن خروج من الأزمة الراهنة الأمر الثاني: أن التفاعل الإيجابي مع الوجود الأميركي في المنطقة لا يعني بالنسبة لهم التبعية، إنما هو الحل المتوفر في الوقت الراهن· الأمران السابقان ينتهيان بنا إلى القول: أن ترجيح كفتهم بما يمثلونه من ثقة لدى صنّاع القرار وما يحتلونه من مواقع، وما يحصلون عليه من رضا من لدن المؤسسات الغربية، ليس نابعا فقط من تبعيتهم، لكن من التعويل عليهم لجهة صناعة المستقبل، خصوصا الشق الخاص بقبول الشعوب لتك الرؤى الهادفة إلى تغيير الأقليات، والعمل على مزيد من الصراع الداخلي· ثالثها: القضاء الكامل على أي أمل في التغيير وحتى لو تعّلق الأمر بتوقيف الانهيار الذي تواجهه الدول العربية، بحيث تغدو الأزمات الراهنة حياة فضلى، مقارنة بما ينتظر الشعوب في المستقبل، وهذا يعني مصادرة المستقبل في جوانبه الإيجابية من جهة، والتقليل من أهميته من جهة ثانية، والتأكيد على دروس الحاضر لجهة أن وزر الجماعة أو الفرد تكفّر عليه الأمة كلها، وأن ضرب البرجين- إذا صحت الرواية- يكلف احتلال دولتين، ويشكك في نوايا الأمة كلها ويرهن حاضرها ومستقبلها، وهذا يعني أن هزائم الحاضر امتداد لهزيمة الماضي، وإذا كانت هذه الأخيرة لا نزال نذكرها بعد أربعين عاما فإن التي نواجهها اليوم قد تدوم أربعة قرون· القادمون من رحم الغيب الأهداف الثلاثة السابقة - تعميم ثقافة الهزيمة و المساومة بين فريقين، والقضاء على أي أمل في التغيير- تمثل القضايا الرئيسة الكبرى، التي تندرج تحتها جملة من المسائل المتعلقة بصناعة التاريخ، وهي في بعديها الزماني والمعرفي ترهن مصير أمة بما تكرره نخبها من ترويج لمفاهيم الهزيمة، مع أن الجيل الراهن ولد زمن الانتصار، لكن ما العمل ونحن نتعايش ضمن أجيال مختلفة تتحرك في فضاء واحد، أغرب ما فيه أن أبطال الأمس القريب يتبرأون من أفعالهم؟! خصوصا تلك التي مثّلت لنا قيما سامقة، و دفعت أجيالا متعاقبة إلى السعي من أجل التغيير، يستثنى من ذلك الذين اختاروا مسك جمر القيم، وعلى ورد سرعان ما يذبل، لأنه جيء به مع مؤونة تكلفتها من عرق الشعوب· لقد تعذر علينا الخروج من أجواء الهزائم، لأنها ثقافة مرحلة، لكن علينا أن لا ننسى عند اعتقادنا بالعيش ضمن أجواء الآخرين، أن الحياة في حركتها أكبر من يطوّعها البشر ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، صحيح أن جماعات الفساد في كل العصور أقوى عتادا وعدة وأكثر نفرا، لكن أهل القيم -على قلتهم- يحدثون دائما التغيير الأكبر في مصير البشرية·· إنهم قادمون من رحم الغيب، لا يثنيهم عن عزمهم من ضلوا السبيل، أو الذين غرتهم وقائع القوة، وخنوع الكثرة، وهوان الناس·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©