السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس في «الربيع العربي»... تحديات الاستقرار

تونس في «الربيع العربي»... تحديات الاستقرار
18 ديسمبر 2013 23:36
بريان كلاس وجاسون باك تونس قبل ثلاثة أعوام، انطلقت شرارة «الربيع العربي» عندما أشعل بائع الخضراوات محمد بوعزيزي، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 26 عاماً، النار في نفسه في احتجاج انتحاري على القمع السياسي والفرص الاقتصادية المحدودة المتاحة في ظل نظام زين العابدين بن علي في تونس، وأشعلت هذه الشرارة تغييرات سياسية جذرية في أرجاء الشرق الأوسط. واليوم، لا تزال الفترة الانتقالية في تونس تمثل آخر وأفضل فرص الازدهار الديمقراطي المتبقية من «الربيع العربي». وتنعقد الآمال على تعلم تونس من التجارب الأخرى التي خرجت عن مسارها في المنطقة، لا سيما في العراق ومصر وليبيا. وفي مايو عام 2003، إثر إطاحة قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة مباشرة بنظام صدام حسين «البعثي»، أصدر الحاكم الأميركي العسكري السابق في العراق «بول بريمر» الثالث، مرسومين كارثيين وخاطئين. وكان المرسوم الأول هو حل حزب «البعث» الحاكم واجتثاث أعضائه من «مواقع السلطة والمسؤولية في المجتمع العراقي»، وبمجرد توقعيه، تم تطهير النخبة العراقية، ومحو الخبرة الضرورية والقضاء على المصالحة السياسية. وأما المرسوم الثاني فكان حل الجيش العراقي، الذي خلف 400 ألف جندي مسلح ومدرب بلا عمل، ومن ثم وجد كثير منهم «عملاً» في أنشطة التمرد واسعة النطاق. وكان كلا القرارين خطأ فادحاً، وباتا مثالين نموذجيين على كيفية الفشل في إدارة الفراغ السياسي الذي ينجم عن تغيير النظام. وشهدت الثورة في مصر ظروفاً خاصة، إذ لم تبد حكومة «الإخوان المسلمين» مرونة وتكاد لم تسع إلى إيجاد قواسم مشتركة مع خصومها السياسيين، ومن ثم كان إقصاؤها من السلطة في يوليو الماضي ثمناً لهذه الإخفاقات. وتقدم ليبيا بعد نظام معمر القذافي مجموعة أخرى من الدروس بشأن ما لا ينبغي فعله أثناء التحول الديمقراطي. واقترفت الحكومة الليبية الجديدة كافة الأخطاء التي يمكن أن ترتكب، بداية من تقديم الرشى للميليشيات، والإخفاق في تشكيل جيش وطني لتأمين الدولة، ورفض تشكيل ائتلاف موسع، والسماح للميليشيات بابتزازها لتمرير قانون العزل السياسي، الذي جرد مسؤولي النظام السابق من خوض الحياة العامة، على غرار خطأ اجتثاث حزب «البعث» في العراق. وكذلك، ارتكب المسؤولون التونسيون، المحاطون بألوان من الإخفاقات، نماذج كثيرة لأخطاء ما كان ينبغي لهم الوقوع فيها. ورغم ذلك، كانت هناك أيام حالكة السواد في الفترة الانتقالية في تونس، ففي التاسع من ديسمبر الماضي، تم إلقاء القبض على ستة أشخاص كانوا يعتزمون تنفيذ تفجير انتحاري، كما تم إحباط عملية اغتيال سياسي مزعومة. وفي وقت سابق من العام الجاري، قتل اثنان من السياسيين البارزين في المعارضة، وفجر انتحاري نفسه على شاطئ مكتظ بالسياح، لكن لم يقتل غيره في الهجوم. غير أنه يبدو أن الحكومة الانتقالية التي يقودها إسلاميون في تونس تعاملت مع هذه الحوادث على أنها علامات إنذار وتكيفت مع المعطيات تبعاً لذلك. وبداية، أصبح السياسيون التونسيون، الذين استفادوا من الأخطاء في العراق وليبيا، أكثر شمولية، رغم محاولات مبدئية لعزل النظام القديم. ورغم أن الحزب السياسي لبن علي تم حله بشكل رسمي في عام 2011، فإن حركة «النهضة» الإسلامية علقت قانون «تحصين الثورة» المثير للجدل، وهو نسخة متطابقة مع قانون العزل السياسي في ليبيا. ونتيجة لذلك، في حين يواجه بعض المسؤولين الحكوميين السابقين قيوداً على السفر للخارج، إلا أن أعضاء كثيرين في النظام السابق يقودون الآن أحزابهم السياسية، وربما يخوض بعضهم الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وحتى بعض كبار الوزراء في حكومة بن علي، مثل كامل مرجان، الذي كان وزيراً للدفاع ثم للخارجية، يمكنهم المشاركة بحرية في الحياة العامة، وهو أمر لا يمكن التفكير به في العراق أو ليبيا. وثانياً، تفادت المرحلة الانتقالية في تونس أخطاء حل الجيش على غرار ما حدث في العراق أو تركه يعمل كما يحلو له أو الإخفاق في تشكيل جيش قادر على الحفاظ على أمن الدولة كما حدث في ليبيا. وبدلاً من ذلك تعمل تونس على تعزيز جيشها وسيطرته المدنية، مع مزيد من أنشطة انتشار القوات ودوريات حدودية نشطة ونقاط تفتيش متكررة، كما أعلنت الحكومة أيضاً عن تشكيل جهاز وطني لمكافحة الإرهاب. وثالثاً، وعلى النقيض من مصر وليبيا، كانت النخب الحاكمة في تونس تعمل من أجل حكم ائتلافي، وفي الحقيقة، أن الشعب هو من دفعهم في هذا الاتجاه عبر تظاهرات واسعة النطاق ضد المناخ الأمني المتدهور والاقتصاد المتباطئ، لكن رغم ذلك تبنى كثير من السياسيين أجندة تسوية. وخلال الأشهر القليلة الماضية، كان السياسيون يتفاوضون على تسوية شاملة مع خصومهم السياسيين الرئيسيين، بوساطة من «الاتحاد العام للشغل» ذي النفوذ في الدولة. وكجزء من الاتفاق، وافقت «الترويكا» بقيادة الإسلاميين في نهاية سبتمبر الماضي -على الأقل من حيث المبدأ- على ترك السلطة للسماح بتشكيل حكومة تكنوقراط تقود دفة البلاد نحو انتخابات جديدة. وفي النهاية، في سبيل تطبيق هذا الوعد تم تعيين وزير الصناعة الحالي مهدي جمعة كمرشح توافقي يوم السبت الماضي لشغل منصب رئيس الوزراء. وفي حين من المستبعد أن تقتفي تونس أثر الخطوات الدامية في الدول المجاورة لها، إلا أن تحولها لا يزال بعيداً عن النهاية، فوعود التوافق والتسوية ربما تخرج عن مسارها بسبب العنف السياسي أو الإحباطات الناجمة عن تكرار تأجيل الانتخابات. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي انترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©