الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الجنيه المصري على أبواب سيناريو «التعويم الثاني»

الجنيه المصري على أبواب سيناريو «التعويم الثاني»
19 ديسمبر 2011 22:23
تواجه العملة المصرية سيناريو “التعويم الثاني” خلال المرحلة المقبلة على خلفية ضغوط على الاقتصاد المصري منذ اندلاع ثورة 25 يناير، ورغم الجهود المكثفة وسياسة المغامرة بالاحتياطي النقدي الأجنبي التي اتبعها البنك المركزي المصري طيلة العام الجاري للدفاع عن سعر صرف الجنيه، فإن هذه الجهود بدأت في التهاوي بعد أن فقد الاحتياطي النقدي 16 مليار دولار قبل أن يكتمل العام الأول للثورة، وتعرضت موارد النقد الأجنبي للنضوب التدريجي بدءاً من السياحة التي فقدت 30% من مواردها الدولارية، مقارنة بالأرقام المحققة خلال 2010، ومروراً بالصادرات السلعية وعائدات البترول التي تذهب جميعها لسداد حصة الشريك الأجنبي، حيث تضطر الحكومة المصرية إلى شراء هذه الحصص لسد احتياجات السوق المحلية بدلا من تصديرها إلى الخارج. وحسب معلومات حصلت عليها “الاتحاد”، فإن البنك المركزي المصري سوف يضطر خلال الأسابيع القليلة المقبلة للتخلي عن سياسة الدفاع عن سعر الصرف وترك الجنيه للعرض والطلب، الأمر الذي سوف يترتب عليه تراجع الجنيه أمام معظم العملات الأجنبية المتداولة في السوق المصرية لاسيما اليورو والدولار وهو ما بدأ يلوح في أفق الأسواق خلال الأيام الماضية. وقد عادت ظاهرة “الدولرة” بقوة لاسيما بين التجار والقطاع العائلي من أصحاب المدخرات، بسبب مخاوف متزايده من استمرار تراجع سعر الجنيه الى جانب عمليات اكتناز للدولار يقوم بها كثيرون حاليا مع كسر العملة الأميركية حاجز ستة جنيهات. وتزايدت المخاوف مع اقتراب نهاية العام المالي واضطرار العديد من الشركات لتسوية مراكزها المالية مع البنوك وشراء الدولار بأي سعر لتسوية هذه المراكز، وكذلك بدء الموسم الاستيرادي الذي ينطلق في كافة أسواق العالم مطلع يناير من كل عام تقليديا، حيث تبدأ الشركات المصرية فتح اعتمادات مستندية وتوقيع تعاقداتها الاستيرادية مع شركائها التجاريين في آسيا أو أوروبا. ولعبت عوامل عديدة دوراً متزايداً في تشكيل قوة ضغط على العملة المصرية ومنها عمليات البيع الواسعة من جانب المستثمرين الأجانب لأذون خزانة التي أصدرتها وزارة المالية في السنوات الماضية، وتحويل قيمة هذه المبيعات إلى الخارج واستمرار مبيعات الأجانب في البورصة وسداد التزامات دولية على مصر تشمل خدمة الديون الخارجية وضخ المزيد من الأموال لاستيراد سلع استراتيجية مدعومة، لاسيما من مشتقات البترول ومنها السولار والبوتاجاز في الوقت الذي انخفضت فيه الموارد الدولارية مما أدى إلى السحب من الاحتياطي بمتوسط 1,5 مليار دولار شهرياً ليتراجع من 36 إلى 20 مليار دولار. ويرى خبراء اقتصاديون وقيادات مصرفية أن قدرة البنك المركزي على الدفاع عن العملة المحلية أصبحت محدودة ومرهونة بمدى زمني لا يتجاوز أسابيع، مما يعني أن الجنيه سوف يتعرض لعملية “تعويم” اضطرارية في الفترة المقبلة وتعد هذه العملية السيناريو الثاني للتعويم بعد السيناريو الأول الذي نفذه رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد في يناير 2003، عندما قفز سعر صرف الدولار أمام الجنيه من 330 قرشا إلى 7 جنيهات وترتبت على ذلك موجة كاسحة من ارتفاع الأسعار قبل أن تستقر أوضاع الاقتصاد ويتراجع الدولار إلى 575 قرشاً خلال 8 أشهر. ويؤكد الخبراء أن السيناريو الثاني للتعويم سوف تترتب عليه آثار خطيرة لأنه يأتي في زمن عدم اليقين السياسي وبالتالي سوف تكون نتائجه مضاعفة لاسيما على أسعار السلع الرئيسية المستوردة، ونظرة المستثمرين الأجانب للسوق المصرية ويرى الخبراء ضرورة البحث عن بدائل لسيناريو التعويم. وتشمل البدائل البحث عن موارد دولارية جديدة بطرح سندات دولارية للمصريين العاملين في الخارج أو للمصريين داخل السوق المحلية بسعر عائد مميز، لتشجيع أصحاب المدخرات الدولارية على شراء السندات الحكومية أو بسرعة إنجاز الاتفاق مع “صندوق النقد” للحصول على قرض ثلاثة مليارات دولار واستخدام القرض في مساندة الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، مما يعزز قدرة الجنيه على الصمود فترة الأشهر الستة المتبقية حتى انتهاء المرحلة الانتقالية وانتخاب رئيس للبلاد. ويعتبر الخبراء أن الأشهر الستة المقبلة حاسمة في مسيرة الاقتصاد المصري سلباً أو ايجاباً، حيث يراهن كثيرون على تولي الدكتور كمال الجنزوري الملف الاقتصادي والأمني ويعتقدون أن لدى الجنزوري قدرة نسبية على ضبط الإنفاق الحكومي واتخاذ قرارات اقتصادية مؤلمة، الا أنها ضرورية لتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق نحو هاوية تواجه خلالها مأزقا في قدرتها على تدبير احتياجاتها الضرورية من استيراد السلع الرئيسية. ورغم هذا الرهان فإن دوائر أعمال ومستثمرين يتوقعون استمرار تراجع سعر الجنيه أمام الدولار في الفترة القادمة وإمكانية وصول السعر إلى نحو 6,5 جنيه للدولار، حيث تشير الدوائر إلى أن جهود الجنزوري لن تسفر عن نتائج فورية وأن ما سوف يتخذه من إجراءات سيؤدي فقط إلى وقف نزيف الاقتصاد تمهيداً لاجراء جراحة هيكلية له تعيد له قوته السابقة. وتطالب الدوائر باعتماد سياسات وإجراءات استثنائية لتجنب سيناريو “تعويم الجنيه” لأن التعويم في هذا التوقيت سيؤدي إلى مخاطر على الاقتصاد الكلي في مقدمتها ارتفاع الأسعار وتراجع النمو في القطاع الصناعي الذي يعتمد على استيراد المعدات والمواد الخام، وارتفاع فاتورة استيراد المشتقات البترولية وارتفاع فاتورة الدعم وعجز الموازنة. ويؤكد أحمد قورة، الخبير المصرفي، أن سياسة الدفاع عن الجنيه التي اعتمدها البنك المركزي منذ الثورة لم تكن موفقة، فقد كان من المعلوم مقدماً أن ضخ الدولار في السوق في هذه الظروف سوف يترتب عليه انهيار الاحتياطي لأن هذا الاحتياطي محدود بطبيعته ولا يمكن السحب منه الى مالا نهاية، وكان لابد من إجراءات استثنائية موازية مثل وضع قيود على تحويلات الأموال إلى الخارج حيث لم يكن من المعقول السماح بالتحويلات بالطريقة التي تمت، لأنه من المعروف أن المستثمرين الأجانب كانوا سيخرجون من السوق وبالتالي سيسحبون أموالهم ومن ثم فإن عملية فرض قيود مؤقتة على التحويلات الرأسمالية كانت ستعطي الفرصة للبنك المركزي لإدارة سوق النقد الأجنبي، بعيدا عن ضغوط انهيار الاحتياطي وكان المستثمرون الأجانب سوف يتفهمون ذلك لأن البلد يمر بظروف استثنائية ومن ثم ينتظرون ويتقبلون القيود المفروضة على التحويلات، خاصة أن عدم وضع قيود ساهم في تهريب أموال إلى خارج البلاد بواسطة رجال أعمال مصريين ودليل ذلك تراجع الودائع بالدولار لدى الجهاز المصرفي بقوة. ويضيف قورة أن الحل البديل لتعويم الجنيه هو البحث عن مصادر دولارية ولا يفضل الاقتراض المباشر في هذه الحالة، سواء من صندوق النقد أو غيره لأن الاقتراض قد يحمل شروطاً سياسية لا تحتملها ظروف البلاد في الوقت الراهن، بل يجب التوجه إلى آلية طرح سندات وأذون خزانة بالدولار سواء للمستثمرين المحليين أو العرب أو المصريين العاملين بالخارج ويمكن جمع مبلغ يتراوح بين 5 و10 مليارات دولار في عدة عمليات طرح، إذا تمت إدارة هذه الطروحات بكفاءة والترويج لها اقتصادياً وسياسياً بشكل جيد خاصة بين أوساط المصريين العاملين في الخارج. أما حلمي السعيد، رئيس قطاع أمناء الاستثمار في بنك مصر، فيشير إلى أن مصر تعرضت قبل ذلك لأزمات مماثلة على صعيد نقص الاحتياطي الدولاري، بل وصل الأمر في بعض الأحيان إلى عدم وجود دولار واحد لدى خزائن البنك المركزي والأمر لا يجب النظر إليه بهذه الدرجة من الخطورة. فهناك العديد من المعطيات التي تشير إلى إمكانية معالجة الأزمة بعيداً عن خفض سعر صرف الجنيه فهناك حتى الآن 20 مليار دولار لدى البنك المركزي وهناك موارد متجددة من النقد الأجنبي، صحيح أنها ضعيفة بسبب الظروف الراهنة مثل السياحة والصادرات ولكن هذه الموارد سوف تعود إلى سابق قوتها خلال أشهر قليلة، مع الانتهاء من المرحلة الانتقالية وانتخاب رئيس جمهورية بنهاية شهر يونيو المقبل. كما أن بعض مصادر النقد الأجنبي زادت في الفترة الماضية وفي مقدمتها تحويلات المصريين العاملين بالخارج التي كسرت حاجز الـ13 مليار دولار لأول مرة، مما ساهم في تعويض النقص الحاد في الموارد الدولارية المتحصلة عن السياحة والصورة في مجملها ليست خطيرة، خاصة إذا اتخذت تدابير إضافية منها وقف استيراد كافة السلع الكمالية والترفيهية مؤقتاً والاكتفاء باستيراد السلع الغذائية والمعدات والمواد الخام اللازمة للصناعة، وهنا سوف تنخفض فاتورة الواردات البالغة 52 مليار دولار سنوياً إلى نحو 35 مليار دولار فقط وبالتالي تخفيف الضغط على الاحتياطي.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©