الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الدور الإقليمي المصري يحتاج إلى إعادة نظر

9 يونيو 2007 01:30
القاهرة - محمد عز العرب: الحديث عن الدور المصري في المنطقة يأخذ منحى انتقائيا انفصاليا، تارة عند القول بأن مصر لم يعد لها أي دور في محيطها الإقليمي ويأخذ منحى شعاريا انفعاليا عند الهتاف بأن مصر ستبقى صاحبة الريادة والقيادة وأن دورها يتعاظم· لكن المنهج في تناول الموضوع خاطئ للغاية، لأن فصل مصر أو أي دولة عربية عن أمتها عند الحديث عن الدور، يقود إلى نتائج مغلوطة، والصواب أن يقال إن الأمة العربية برمتها لم يعد لها دور إقليمي أو دولي، وليست في الحسبان عند ترتيب أي أوضاع في المنطقة، كما أن الخصم من رصيد دور مصر أو غيرها، لا يعني بالضرورة الإضافة لرصيد دولة عربية أخرى لأن الدور العربي بأكمله في تراجع· وفي ندوة ''إعادة التفكير في الدور الاستراتيجي لمصر في المنطقة العربية'' التي نظمها المركز الدولي للدراسات المستقبلية بالقاهرة، أوضح اللواء أحمد فخر - رئيس المركز- أن المصالح المصرية لا تتغير، ولكن وسائل وأساليب الحفاظ عليها تتطلب التطوير، وأولها ترتيب البيت الداخلي وتهدئة الوضع الإقليمي، بتسوية المشاكل الفلسطينية والعراقية والسودانية، وأزمات القارة الإفريقية ومياه النيل وعلاقة الخليج وجيرانه خاصة إيران والمسألة النووية، والدبلوماسية المصرية تنشط في كل هذه المجالات بدرجات متفاوتة لاقتناعها بتأثيرها على الأمن القومي المصري، وعدم الاستقرار في المنطقة يؤثر بالسلب على احتمالات نجاح التجربة الإصلاحية المصرية· تغيير كبير وقال إن مصر مؤهلة للقيام بدور التقريب بين الدول العربية، وإحداث إصلاحات جذرية للنظام العربي تتجاوز الإصلاحات الشكلية في أجهزة جامعة الدول العربية، إلى اتباع أسلوب التشاور والغوص في أعماق المشاكل بوضوح ومصارحة، بعيدا عن جداول الأعمال المكتظة والقرارات المكررة التي لا تنفذ· مضيفا أن تنشيط الدور المصري مرهون بالتعاون العربي البيني، بحيث يتم إنجاز السوق العربية المشتركة ورسم خطط تنمية منسقة واستغلال استثمارات فوائض البترول، داعيا إلى الاستغناء تدريجيا عن المساعدات المالية المباشرة لصالح الاستثمارات والمعونات الفنية· وأوضح د· عادل سليمان - مدير المركز- أن الدور الإقليمي لمصر تغير بدرجة كبيرة مقارنة بالأدوار التي تبلورت في عقدي الستينات والسبعينات، بحيث برزت أدوار أطراف عربية وغير عربية أخرى، ولابد من تدعيم الوضع المصري داخليا وخارجيا دون البحث عن صدامات بغير مقتضى أو اختيار الطريق الذي يبدو أسهل وهو طريق الرضوخ· وقال إن الدور المصري ليس عقدة تاريخية أو خدمة مجانية أو سياسة عامة بقدر ما هو ترجمة تأثير القدرات الذاتية على التفاعلات الإقليمية بما يخدم المصلحة المصرية، واستعادة الدور لا تتطلب التشبث بطبيعة أدوار قديمة بقدر ما تعني خلق أدوار جديدة عبر تقديم نموذج لسياسة مجتمع منطلق وليس جهود دولة· وطالب بسياسة داخلية تستهدف النهوض بالقدرات المصرية والوصول إلى درجة مقبولة من الاكتفاء الذاتي لاسيما في السلع الاستراتيجية التي تمس الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي، لأن مشكلة مصر ليست في قلة مواردها ولكن سوء توظيف وإدارة هذه الموارد· ودعا د· محمد عبدالسلام - الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية - إلى تحليل الأنماط التقليدية للدور المصري فيما يتعلق بأمن الإقليم كما بدت في الستينات، كمقاومة التدخل الخارجي والتحالفات الدولية، والتدخل في المشكلات الإقليمية، وتبني فكرة الأمن القومي والأشكال الحديثة للدور المصري، كطرح مبادرات إقليمية مثل إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية والمشاركة في إدارة الصراعات والأزمات والمشكلات الإقليمية والتشابكات العسكرية القائمة مع الدول الكبرى· وأوضح أن المرحلة الحالية تتطلب تقييم الدور المصري بشكل موضوعي، في ظل وجود عوامل تحجم الحركة المصرية، سواء فيما يتعلق بالانشغال بالوضع الداخلي، أو عدم توفر القدرات المالية، أو عدم الرغبة في التدخل المباشر، مع تحليل القدرات التي تمتلكها مصر للقيام بهذا الدور· قنبلة ايران وأشار الخبير الاستراتيجي د· محمد عبدالسلام، إلى أن هناك تطورا في البيئة الاستراتيجية في الشرق الأوسط يرتبط باحتمالات امتلاك إيران أسلحة نووية، وهو ما يعتبر أحد المحددات المؤثرة على مصالح الدول في المنطقة، لكن ربما يوجد من يرون أن حدوث ذلك يمثل دعما للمصالح القومية فيما يتعلق بالأمن المصري، إذ إن إيران دولة إسلامية وامتلاكها لتلك الأسلحة يمثل عنصر توازن بالنسبة لإسرائيل، بما قد يقيد حريتها في التهديد بقوتها النووية، أو يدفعها إلى التفكير في نزع سلاحها النووي مقابل أسلحة إيران· هناك اتجاه آخر يشير إلى أن حدوث ذلك سيمثل تهديدا للمصالح القومية المصرية، فسوف تكون القنبلة في النهاية إيرانية وليست إسلامية، ووجود الأسلحة النووية الإيرانية لن يحل المشكلة الأصلية، وإنما سيخلق مشكلة أخرى، وإيران تستعرض قوتها بصورة تؤثر على المكانة المصرية· أما الخبير في الشؤون السودانية هاني رسلان يقول أن استقرار السودان والحفاظ عليه موحدا يمثل أهمية كبيرة لأمن مصر القومي، فسيناريوهات التفكك أو الانزلاق إلى الفوضى تحمل مخاطر عديدة، ومنها بقاء وتزايد احتمالات تهريب الأسلحة عبر الحدود مع السودان لاستخدامها في عمليات عنف في الداخل المصري· وأشار إلى احتمال ازدياد عمليات الهجرة المشروعة أو غير المشروعة، الأمر الذي سوف يخلق ضغوطا اجتماعية واقتصادية إضافية على مصر، إذ أن معظم النازحين السودانيين لا يمتلكون أي قدر من التعليم أو المهارات الفنية، وليس لديهم ما يقومون باستثماره، ومن ثم فإنهم يتسربون إلى أسواق العمل الطفيلية، ويمثلون عبئا على مرافق الدولة والاقتصاد في ظل حالة البطالة في مصر· كما ألمح إلى ظهور تهديد من نوع جديد على الأمن القومي المصري، كأحد تداعيات الأزمة السودانية، وهو ظهور ''حركة كوش'' التي تنادي بتحرير أراضي النوبة من الاحتلال المصري والسوداني وإعادة إحياء النوبة القديمة، ورغم أن هذه الحركة انترنتية، ولم تستطع القيام بعمليات فعلية، فإن معظم النار من مستصغر الشرر، مما يتطلب قراءة التحركات التي ترعاها دول معينة، مع ما يتم الترويج له من حديث عن النوبة باعتبارها أقلية مضطهدة· وأوضح أن الظروف السابقة تؤدي إلى عزل مصر وحصارها من الجنوب، وازدياد إمكانية فرض ضغوط قوية عليها من الخارج تتعلق بمقدرتها على توفير الأمن لمواطنيها وتلبية احتياجاتهم الضرورية، وتغلق أمامها إمكانية إعادة صياغة دورها الإقليمي بالتحول نحو حوض النيل كخيار مستقبلي بديل· دور رائد قال الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد إن الدور المصري رائد بالموقع الجغرافي والميراث التاريخي والثقل السكاني، لكنه يحتاج إلى إعادة نظر فيما يتعلق بوضع المؤسسة التعليمية، والقوة العسكرية والحالة الصحفية والإعلامية، فلم تعد مصر منبع التعليم في المنطقة العربية، وصار الإعلام المصري يواجه بمنافسة مراكز جديدة متعددة، وأضحت القوات المسلحة مقيدة بفعل اتفاقات السلام، ولم تعد مصر حاضرة في الذهن العربي عبر المسرحية والأغنية والسينما والمسلسلات، فمناطق التميز السابقة اختلفت وتغيرت لحساب أدوار عربية أخرى· وأوضح أن العقل المصري العام، مازال مصرا على ممارسة الدور القائد في المنطقة العربية دون التركيز على حدود الدور وخاصة في المجال الاقتصادي والثقافي والعلمي، لأن الخبرة الماضية تشير إلى أن مصر دفعت تضحيات كثيرة دون أن تأخذ مقابلا لها، بل كان الرد العربي عليها بالأكتاف القانونية ومحاولة تقزيم دورها، مؤكدا أن الديمقراطية هي المفتاح السحري لاستعادة الدور المصري· وطالب مكرم محمد أحمد ببلورة نظرة سلمية لا صراعية للدور المصري بين دول الإقليم، لكن ذلك لا يمنع من ممارسة بعض الألعاب الخشنة مع أحد الأطراف إذا تتطلب المؤشرات الواقعية ذلك، لأن حسن النوايا قد لا يفيد كثيرا في المرحلة الراهنة، داعيا إلى الأخذ بمنهج ترتيب الأوليات كمدخل للنهضة المصرية· أما السفير حسين عيسى فقد أشار إلى أن تراجع أو تهميش الدور المصري يتطلب إعادة النظر في قدرات الدولة الشاملة، في الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا والثقافة، من خلال البحث عن مواطن الضعف لمعالجتها ومواضع القوة لتنميتها، علاوة على درء المخاطر والتهديدات الخارجية خاصة المتعلقة بتفاقم الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وتعدد الفصائل الأصولية، وهو ما يفرض على مصر إنجاز برنامج وطني فلسطيني موحد دون التركيز على سياسة إطفاء الحرائق فقط· ويرى الكاتب الصحفي محفوظ الأنصاري أن مصر بلد غير قابل للقسمة، سواء بالجغرافيا أو الديموغرافيا، وستظل نقطة جذب وإشعاع حضاري، لا تغيب، وإنما تضعف، وتغيب عنها فترات الازدهار وتنكمش· لكنها لا تنتهي، بل إن القوى الكبرى في النظام الدولي الحالي تعتبرها قلب المنطقة العربية، مشيرا إلى أن هناك قوى عربية أخرى لديها الطاقة والبترول والمياه والمال لكنها لا تستطيع تحمل أعباء القيادة أو التأثير في الجوار المحيط· وأكد أن التقدم في الداخل وزيادة المكانة المصرية في الخارج يتحدد بناء على تطوير التعليم، ولن نتمكن من إدارة الوضع السياسي أو ننجح في برنامج الإصلاح الاقتصادي أو نتقدم على طريق البحث العلمي، بغير نظام تعليمي يلبي حاجات العصر ويستجيب لمقتضيات الزمن· الإنكفاء علي الداخل أما نبيل عثمان - رئيس الهيئة المصرية العامة للاستعلامات سابقا - فقد أشار إلى أن الدور الإقليمي لمصر ليس مطروحا على أولويات الرأي العام الداخلي، نتيجة لضغوط الحياة الاقتصادية والأوضاع المعيشية المباشرة، فالسمة الأساسية هي الانكفاء على الداخل لتحقيق مكانة في الخارج، لافتا النظر إلى أن الدول التي تمثل قلب العالم العربي مثل مصر والسعودية والعراق تراجعت أدوارها، واستعادة هذا الدور مرهون بقيادة حركة الحرية والتنوير، بعد ما تبين أن الدور المصري تحجر بعد توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل· وأوضح أن مصر مثلث الباب الدوار في منطقة الشرق الأوسط، حيث دخلت روسيا والولايات المتحدة عبر بوابتها، وقادت مصر حركة التحرر الوطني ودشنت نهج السلام وقرار الحرب، لكن الظروف تغيرت والأوضاع تبدلت، مما يتطلب البحث عن ميزات نسبية للتواجد والتأثير، حيث فرضت الظروف على مصر دوما أن يكون لها دور طليعي لم تكن بالضرورة ساعية إليه ولكنها كانت دائما راضية به· وذكر أن السياسة الخارجية المصرية تعالج أمراضا سرطانية بتقديم ''أسبرين''، لقد أصبحت خجولة ومهادنة وليست مبادئة ومبادرة، والدور الإقليمي لا يمكن أن يتمخض عن ردود أفعال سواء في غزة أو دارفور أو بغداد، وإنما بطرح التصورات ويتحمل الأعباء ويقدم الرؤى· متسائلا عن الأعمال الفنية والكتابات الأدبية والبرامج الثقافية والحوارات السياسية والمؤسسات التعليمية التي تخرج من مصر إلى المنطقة العربية، والتي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©