الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السخاء في إرواء الروح والاعتدال في إشباع النفس وصفة السعادة الإنسانية

السخاء في إرواء الروح والاعتدال في إشباع النفس وصفة السعادة الإنسانية
9 ديسمبر 2012
كلما استزاد الإنسان من المتع المادية المحسوسة وتراجعت درجة استمتاعه بها. أما المتع الروحية، فنقيض ذلك تماماً، إذ كلما زاد تشبع الإنسان بها ونهله من معينها الصافي، زادت نشوته وارتفع منسوب استمتاعه وتعلقه بها. هذه ليست مقولة صوفية أو تحليل أحد رجال الدين، وإنما نتيجة توصل إليها علماء نفس متعددو المشارب من عيادات «مايوكلينيك» الأميركية. لكن الأجمل والأحلى هو القدرة على الحفاظ على تلك الشعرة الرقيقة في علاقة النفس بالروح، والنجاح في ضبط رمانة ميزان هذه العلاقة، وذلك بالسخاء في إرواء رغبات الروح والاعتدال في إشباع شهوات النفس. عادة ما يسعى طُلاب السعادة والسكينة إلى اتباع الطريق التي تضمن لهم الحصول على أكبر قدر من المتع القمينة بتحقيق الإشباع للجسم والنفس، ولا يأبهون بذلك الجانب الآخر الذي يشكل ذواتهم: الروح. فتكون النتيجة أن يجد الإنسان نفسه غير مستشعر ذلك التوازن النفسي الحقيقي، وغير مُدرك لتلك السعادة المجردة غير المقترنة بشهوة أو نشوة أو لذة محسوسة. فما هو حال روحك؟ هل تشعر بأنها تحظى بحقها من الإشباع والإرضاء؟ أم أن حقها مهضوم بسبب طغيان النفس التي تنال القسط الكامل أو الوافر، دون أن تجد لطريق رغباتها نهاية أو خلاصاً؟ ماهية الروحانية للروحانية تعاريف شتى، لكن القاسم المشترك بينها هو أن حياة الإنسان تكون أفضل وأسعد إن كان يهتم بإرواء شقه الروحاني كما يروي شقه المادي (جسده). وليس ضرورياً أن تكون هذه الروحانية مقترنة بدين معين أو معتقد عقدي بعينه أو عبادة خاصة. بل إن الإرواء الروحي يتحقق بناءً على طبيعة علاقتك بنفسك ثم بالآخرين، ومدى تطور منظومة قيمك الشخصية، وبحثك عن تلمس معنى للحياة. ويرى كثيرون أن معظم أشكال الروحانية تُستمد من الممارسات الدينية والصلاة والتأمل أو الاعتقاد القوي بوجود الله وتسييره لشؤون الكون. وبالنسبة لآخرين، يمكن للروح أن تشعر بقدر مهم من الإرواء والإشباع عبر اعتمادها على مناهل من الطبيعة كالموسيقى والفن. وهناك فئة ثالثة تقول إن الروحانية هي هذا وذاك، أي كل ما يحقق إشباعاً للإنسان من غير الأدوات المحسوسة، سواءً كان ذلك عبر التواصل مع الطبيعة والكون، أو تذوق نشوة التلذذ بعبادة ما، أو استعذاب تطبيق خدمة ما كالتطوع لمساعدة الآخرين وفعل الخير. الروحانية والتوتر بعض أدوات إزالة التوتر ملموسة جداً ومحسوسة للجميع مثل المواظبة على ممارسة التمارين الرياضية وتناول الأغذية الصحية والتحدث إلى الأصدقاء. لكن هناك أدوات ووسائل أخرى غير ملموسة، إلا أنها ذات جدوى أعلى. إنها تلك المتعلقة بإرواء الروح العطشى. ففوائد عديدة على مستوى امتصاص التوتر وتحسين الصحة النفسية والعقلية. وهي تُساعد على تحقيق أشياء كثيرة، ومن بينها: ? الشعور بوجود هدف في الحياة: فكل شخص يتعهد روحه بالإرواء يتمكن من الكشف عن أكثر معاني الحياة أهمية بالنسبة له. وعندما يستطيع توضيح الأهم بالنسبة له والأقدر على إشعاره بالرضى والسعادة، فإنه يركز عليه ويُولي أهمية أقل للأشياء الأدنى قيمة، فتتراجع بذلك مستويات شعوره بالتوتر إلى حدودها الدنيا. ? التواصل مع العالم: فكلما شعر الشخص بأن لديه غاية وهدفا من هذا العالم المحيط به وهذا الكون الذي يعيش فيه، زاد إحساسه بأنه ليس وحيداً، حتى عندما يكون معزولاً بالفعل. وهذا الشعور يمكن أن يقود إلى تحقيق سلام وطمأنينة حقيقيين داخل النفس، خصوصاً في الظروف العصيبة والأوقات الصعبة. ? المسؤولية النسبية والجزئية: فحين تشعر بأنك جزء صغير من كل ضخم، تكتشف أنك لست مسؤولاً عن كل شيء يحدث في الحياة. إذ يمكنك أن تجعل الآخرين والمحيطين بك يُشاطرونك أعباء تبعات الأوقات الصعبة بنفس القدر الذي تحرص فيه على أن يشاطروك أفراح الحياة ومباهجها ونعمها. ? توسيع شبكة الدعم الاجتماعية: بصرف النظر عن ديانة الشخص ومعتقداته، فإنه قد يجد ضالته الروحية في مكان ما، أو شيء ما، أو ممارسة ما. ويزداد مستوى استمتاعه بشهواته الروحية كلما قام بذلك في كنف أسرة أو أصدقاء أو مجتمع. فتشارُك التعبيرات الروحية وممارساتها يساعد كثيراً في بناء العلاقات الصادقة والخالصة، وغير المرتبطة بالمرة بالمصالح المادية الضيقة. ? عيش حياة صحية: فالأشخاص الذين يهتمون بإرواء أرواحهم بقدر ما يهتمون بإشباع نفوسهم وأجسادهم يكونون أقدر على التغلب على التوتر والأمراض البدنية. كما أن وتيرة تعافيهم من إدمان ما تكون أسرع بالمقارنة مع أقرانهم ممن نسفوا الجانب الروحي في شخصيتهم. استكشاف الروح إن استكشاف كل إنسان لروحه هو نوع من الاستكشاف الذاتي الممتع. وفيما يلي بعض الأسئلة التي ينصح علماء نفس من عيادات «مايوكلينيك» بأن يطرحها كل راغب في استكشاف عالمه الروحاني الشخصي، والتي من شأنها تفتيح بصره وبصيرته على التجارب الروحية التي تُسعده ويفرح بها أكثر: ? ما هي أهم العلاقات بالنسبة لك؟ ? ما هو أغلى شيء في حياتك؟ ? ما الذي يُلهمك أكثر ويمنحك الأمل؟ ? ما الذي يُسعدك أكثر؟ ? ما هي أكثر الإنجازات التي تُشعرك بالفخر؟ ? هل يمنحك الناس شعوراً بأنك واحد منهم؟ ويقول هؤلاء العلماء إن إجابة كل شخص على هذه الأسئلة ومثيلاتها تساعده على التعرف إلى أهم الناس بالنسبة إليه وأحبهم إلى قلبه، وأهم التجارب في حياته. ومن خلال معلومة كهذه، يمكنك تركيز سعيك وبحثك وجهدك لبلوغ الإرواء الحقيقي للروح، وتسخير علاقاتك وأنشطتك في الحياة لخدمة الهدف نفسه، وهو الاهتمام المستدام بإسعاد نفسك وروحك، وإسعاد من يُسهمون في إسعادك وإلهامك. مزرعة الروح من التعاريف التي ساقها الفلاسفة وعلماء النفس للروحانية، هو أنها تشمل تواصل كل شخص مع ذاته الداخلية. فهم يعتبرون أن هذا النوع من التواصل عنصر أساسي لممارسة التفكير الذاتي. وينصح هؤلاء كل باحث عن سعادة روحه إبمحاولة الأشياء الآتية: ? الصلاة والتأمل وفنون الاسترخاء. فهي تُساعدك على تركيز أفكارك وإيجاد طمأنينة النفس وسكينة الروح. ? تدوين المذكرات واليوميات الشخصية. فهذه الطريقة تُساعدك على التعبير عن مشاعرك والتسجيل التلقائي للتقدم الذي تُحرزه وتستشعره مع مرور الوقت. ? التواصل المستدام مع صديق نبيل أو ناصح أمين. فوجود شخص كهذا في حياتك يمكنه مساعدتك على اكتشاف الشيء المهم بالنسبة لك في الحياة. فالآخر أو الغير يمكنه دوماً رؤية أشياء قد لا تتراءى لك، واكتشاف أمور لم يسبق لك اكتشافها. ? قراءة قصص وسير الأشخاص الملهمين. فهذا من شأنه مساعدتك على تقييم المقاربات الفلسفية المختلفة للحياة. ? التحادث مع الآخرين. خُصوصاً أولئك الذين تُقدر أنهم يعيشون حياة روحانية أفضل. فلا تتردد في سؤالهم حتى تعرف كيف وجدوا طريقهم الموصلة إلى بر الأمان الروحي وشط السكينة والطمأنينة. شجرة العلاقات لا يمكن لشجرة الروحانية داخل الإنسان أن تترعرع وتنمو في الظلام، أو في منأى عن نور الشمس والحياة اليومية للمجتمع. فالعلاقات الإنسانية هي الكفيلة بإرواء هذه الشجرة. وعندما يُدرك الشخص هذا المعنى، فإنه يحرص لاشعورياً على تقوية علاقاته بالآخرين، بدءاً بالذين يهمه أمرهم، وانتهاءً بأولئك الذين لا يجمعه معهم سوى وشائج الإنسانية والوجود. وهذا سيقودك إلى تعميق شعورك بمكان وجودك ومحيطك ودورك في الحياة، ويدفعك بالتالي إلى تلمس الخير العظيم والعميم لنفسك ومجتمعك والإنسانية جمعاء، وللكون بكل ما فيه. ومن هذا المنطلق، ينصح خبراء علم النفس كل شخص تهمه سكينة روحه بأن يجعل من إرواء علاقاته مع أصدقائه وأفراد عائلته أولوية أولى. وأن يضع نُصب عينيه هدفاً لا يحيد عنه، وهو أن يُعطيهم أكثر مما يأخذ منهم، ويفرح بذلك فرحاً حقيقياً خالصاً لا تشوبه شائبة، فلا يمن عليهم مهما حدث. كما ينصحونه بأن ينظر إلى الإيجابي والجميل في الناس وفي نفسه، وأن يتقبل الآخرين كما هم، دون محاولة تغييرهم ليكونوا مثله ودون إصدار أحكام قيمة في حقهم. ويوصي هؤلاء أيضاً كل شخص بالتشبع بقيم خدمة المجتمع عبر التطوع أو مد يد المساعدة ونهج مسلك التيسير لا التعسير عند التعامل معهم. ومهما قيل عن الروح، فإن الكلام حولها لا يمكن أن ينفد، لكن يكفي أن يعرف الشخص كيف يتواصل مع روحه الداخلية، وكيف يتواصل مع الآخرين حوله. فذلك يساعده على تحسين جودة حياته على المستويين البدني والذهني. ومن الجدير قوله أن التصور الشخصي للروحانية قد يتغير مع التقدم في السن ومراكمة التجارب، لكنه يبقى دائماً ذلك الأساس الصلب الذي يشكل الركن الركين لرفاه النفس وغائية الوجود، وتلك الشرارة المضيئة التي تقود النفس إلى بر الأمان في أحلك ظروفها، وتُزيل تلك الغشاوة التي قد تتراكم على القلب جراء الانجرار الأعمى وراء نزوات النفس ورغبات الجسد، والبعد من ثم عن تحقيق الهدف الأسمى من الوجود. هشام أحناش عن موقع «mayoclinic.com»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©