الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نهاية زوجة هاربة

نهاية زوجة هاربة
19 ديسمبر 2013 21:07
حمي الوطيس في النقاش وتبادل الاتهامات، كل منهما يحاول أن يبرر موقفه ويلقي باللوم على صاحبه حتى ارتفعت الأصوات ووصل الأمر إلى التشابك بالأيدي، وكرر لها السؤال لآخر مرة ولكنها ثبتت عند موقفها وكان جوابها برفض العودة إليه، ودفعته حتى لا يخنقها بعدما أطبق بكلتا يديه على رقبتها، فانهال عليها ضربا وركلا بالأيدي والأرجل، وقعت على الأرض وعجزت عن الدفاع عن نفسها، وإن كانت مازالت تقاوم بما تبقى لها من قوة، ووجد بجواره، قطعة من الخشب ملقاة على الأرض فأمسكها وانهال بها ضربا على رأسها حتى لفظت آخر أنفاسها، وسالت الدماء على الأرض، ووجد نفسه قد تحول إلى قاتل في لحظة قصيرة وإن كانت مقدماتها طويلة، تجمع المارة وامسكوا به وأبلغوا الشرطة، فها هو القاتل وها هي القتيلة لكن لا أحد يعرف ما بينهما وما السبب وراء الجريمة. كشف المفاجآت التحقيقات كشفت الكثير من المفاجآت، فالقاتل الزوج والقتيلة زوجته، لكنها تركته واختفت، شعر بجرح كرامته، بل تزوجت شخصا غيره، وتبدلت المودة والرحمة إلى قتل ودماء، ظهر المستور فقد كان وراء ذلك قصة درامية الأحداث، بعدما جمعت بينهما قصة حب واتفقا على الزواج «عرفيا» أي بعقد غير موثق رسميا، تتردد عليه في شقته بين الحين والآخر، لأنه لا يستطيع تحمل مسؤولية بيت وزوجة الآن. بداية، عاد «جاد» من عمله بعد أن انتهى من الوردية الصباحية، كان في طريقه إلى منزله يفكر فيما سيتناوله من طعام وهو يقيم وحيدا في شقة صغيرة تتكون من غرفة وصالة ومطبخ وحمام كل منها بالكاد يتسع لوقوف فرد واحد فيه، هذا الهم اليومي يراوده، فقد ملّ وكلّ من وجبات المطاعم التي تقدم طعاما بلا نكهة علاوة على أن دخله لا يكفي لذلك ولابد أن يعتمد على نفسه وهو بمفرده، لكن العقبة أنه لا يحب الوقوف في المطبخ ولا إعداد الطعام، وكل ما يفعله هو أن يتناول البيض المسلوق أو الجبن ولا يجيد فن الطهو كذلك فأصابه الملل من تكرار نفس الطعام في البيت وخارجه. وبينما هو فوق كوبري المشاة العلوي وغارق في التفكير كما هي عادته منذ أكثر من تسعة أشهر، وقعت عينه عليها، إنها «بسمة» زوجته التي افتقدها طوال هذه الفترة، اختفت ولا يدري عنها شيئا ولا حتى إن كانت حية أو ميتة، لمحته هي الأخرى لكن كانت مثل الذي عضه ثعبان فهي لا تريد أن تعيش هذه اللحظة ولا أن تواجه الموقف وهي تتوقع ما سيحدث وربما النتيجة التي لن تكون جيدة بحال من الأحوال، أرادت أن تختفي وسط الزحام وتراوغه، انطلق مثل السهم نحوها حتى لا يضيع الفرصة التي جاءته بعد عذاب وتفكير وألم وسهر، المترجلون من حوله وهم كثر اعتقدوا أنه مجنون أو مطارد من آخرين لأنه كان يدفعهم وهو يجري بينهم، ينظرون إليه ويتعجبون من تصرفه العنيف تجاههم بلا مبرر ويتابعونه بنظراتهم ليحاولوا أن يعرفوا لماذا فعل ذلك. ويواصل «جاد» الجري ثم يتضح المشهد أنه يطارد امرأة من على بعد وها هو يقترب منها، وهي تجري في هلع تحاول أن تهرب منه لكنه كان أسرع منها وأخيرا يلحق بها لأنها اقل سرعة منه وعرقلتها ملابسها وكذلك الخوف حيث كانت ترتجف ولا تريد المواجهة، لكنها في النهاية وجدته يقبض على ساعدها بقوة ليوقفها، كانت أنفاسها تتلاحق بسرعة، جلست بجانب الطريق لتستريح وتلتقط أنفاسها وتتدبر أمرها، كيف تتخلص من هذا الكابوس المفاجئ وعيون كل من حولهم تراقبهم ومن الطبيعي ومن باب الفضول يريدون كلهم معرفة ما يدور بجوارهم. نظرة ذات مغزى نظر جاد إلى «بسمة» نظرة ذات مغزى تحتمل الكثير من التساؤلات التي كانت تدور داخله وسهر ليالي طويلة وهو يرددها بينه وبين نفسه، يشعر بجرح غائر في قلبه والأكبر منه جرح كرامته التي امتهنتها هذه المرأة واستغلت حبه لها ومارست عليه الكثير من الضغوط المادية والنفسية وتحملها كلها من أجل عينيها لذا لا يرى أن من الطبيعي أن ترد له هذا كله بالجحود والنكران، لابد أن شيئا غير عادي قد حدث، ولم يصبر كثيرا حتى أطلق أسئلته واحدا تلو الآخر متتابعة ولم ينتظر إلى أن تجيب على أي منها، وقد استعطفته أن يخفض من مستوى صوته الذي كان يلفت الانتباه، ولا يجوز لأحد أيا كان أن يطلع على أسرار الزوجين، ولا يصح أن تناقش قضايا الزوجية في الشارع. مازالت بسمة ترتجف من الرعب وهي لا تعرف كيف سيتصرف معها ولا كيف تجيبه هل تكذب لتنجو أم تصدق لتنهي الالتباس ويمضي كل إلى غايته؟ وهي في الحقيقة تريد أن تضع نهاية لما بينهما وما كان اختفاؤها إلا من أجل ذلك وتوهمت أن الأمر انتهى ولن تلتقي به مرة أخرى وسط زحام المدينة التي تضم الملايين من الناس، وأخيرا حدث ما لا تريده ولا تتمناه، وجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه، واستجمعت شجاعتها وألقت في وجهه بقنبلة لم يكن أبدا يتوقعها أو ترد على باله، أخبرته أنها «تزوجت عليه»، حاولت أن تبرر موقفها بأن ذلك كان رغما عنها، فقد كان زواجها به عرفيا من وراء عيون أسرتها، ولذلك عندما جاء من يخطبها وهي متزوجة لم تجد ما ترد به، ولو عرف إخوتها لقتلوها لأنها تزوجت سرا ومن خلف ظهورهم وهو ما يعتبرونه عارا يجب التخلص منه. قالت «هكذا وجدت نفسي أساق إلى الزواج وأنا متزوجة، أدفع ثمن الخطأ وأحاول أن أصحح الخطأ بخطأ أكبر، وأنا لا أدري فقد كنت مسيرة لا مخيرة، لا أملك من أمر نفسي شيئا، ولو كنت أعلم خاتمتي ما كنت بدأت، وهكذا نقلوني إلى زوجي الثاني وبيتي الثاني، فكان لابد أن اختفي من حياتك، وأرجو أن تقدر موقفي وتتركني أمضي إلى حال سبيلي، ويكفي ما لقيت من آلام ومعاناة خلال هذه الشهور، ولك أن تعلم أنني كنت مخلصة لك، وتزوجتك عن قناعة بكل إرادتي واختياري، ولهذا أرجو أن تخرج من حياتي بهدوء كما دخلتها بهدوء، ولا داعي لإثارة المزيد من المشاكل وأنني الآن لست في موضع الاختيار كي أعود إليك». إنهاء الموقف حاولت بسمة أن تنهي الموقف والحوار وهبت واقفة كي تعجل بإنهاء الموقف لأنها تعلم أن الجدال والكلام الكثير ليس في صالحها لأنها على يقين أن موقفها ضعيف، ولن تستطيع أن تراوغ أكثر من ذلك وانه لن يقتنع بأي كلام تقوله له مهما كان فالأمور واضحة مثل الشمس، ويكفي أنها تعمدت أن تختفي وتخفي عنه كل ما حدث وكان الواجب عليها أن تشركه فيما جرى بكل تفاصيله وعليه أن يتصرف وهذا يدل على أنها تهربت منه متعمدة لتنهي العلاقة بينهما بشكل غير طبيعي وارتكبت جريمة نكراء وتزوجت رجلا آخر وهي على ذمته. ثار «جاد» من جديد وتحول إلى بركان، انفجر فجأة بعد طول غليان، ظهرت على وجهه علامات الغضب، احمرت وجنتاه وانتفض بما ينذر أنه مثل السماء الملبدة بالغيوم وستمطر حتما ولكنها ستمطر خطرا، لم يكن كلامها مقنعا ولا مقبولا ولن يجد لها عذرا فيما تقول، وبما أنها قرأت في عينيه الشر المستطير فقد حاولت الهرب بحثا عن النجاة، هرولت وجرت فلاحقها، لم تجد مفرا من دخول بناية مجاورة عساها أن تجد من يجيرها أو ينقذها بعدما تخلى عنها المئات من كل الذين كانوا في الشارع يراقبون الموقف مع أنها كانت لاتريد أن يعرفوا شيئا عن الموقف. مدخل البناية فسيح وفي نفس الوقت خال من أي شخص، حتى الناطور لم يكن موجودا وغرفته مغلقة والسكان معظمهم في أعمالهم والمتواجدون اغلقوا عليهم أبوابهم ولا يهمهم ما يدور خارجها، جاد لم يكن له إلا طلب واحد أن تعود معه الآن إلى بيته، رفضت بشدة وأوصدت الباب أمام طلبه الذي تراه غير منطقي بينما هو يراه حقا لا يحتاج إلى نقاش، ولما رأت تشبثه بموقفه، ثارت في وجهه وخرجت عن هدوئها الذي حاولت أن تتحلى به كل هذا الوقت، واجهته وقالت ما لم تكن تريد قوله، إنك استمرأت ذاك الوضع، خدعتني بالكلام المعسول عندما التقينا وانت تقود السيارة الأجرة التي تعمل عليها عندما تكررت لقاءاتنا بالصدفة، عرضت عليّ الزواج وعندما وافقت قررت أن يكون عرفيا، صحيح هو حلال ومشروع لكنه بلا علم أسرتي، وما جعلني اقبل ذلك إلا وعودك بأن ذلك لن يستمر طويلا، وسوف يتم إعلان الزواج رسميا وأمام الجميع بعد أن تتحسن الظروف، ومرت ثلاث سنوات ولم أجد منك أي خطوة إيجابية، وتريدني أن أتحمل المسؤولية وحدي، وكيف لامرأة ضعيفة مثلي خالفت العادات والتقاليد من أجلك أن تستمر في هذا الوضع، ولم تلم نفسك لحظة ولم تراجع موقفك. ثم تطور الحوار إلى أن وقعت الجريمة وكتبت كلمة النهاية بالدم.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©