الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مكامن السعادة

مكامن السعادة
9 يونيو 2007 22:45
سعاد جواد: أتذكر تجربتي فلا أجد ما يستحق الندم· فقد كان عقلي وقلبي متعلقين بابن عمي منذ طفولتي· لا ادري كيف ولد ذلك الشعور، وكيف بدأ؟، كل ما أتذكره هو أنني كنت أتأثر بوجوده تأثرا غير عادي، فأجدني مرتبكة، منشغلة، أتنفس بسرعة، والوقت يمر وكأنه البرق، فلا أشعر بالساعات ولا الأيام إذا كان هو موجوداً بنفس المكان ويتنفس الهواء نفسه· ربما لن يفهمني إلا من تذوق طعم تلك المشاعر وتأثر بها، فأنا لم أكن أفتعل شعور الحب وإنما كنت مصابة به إصابة بالغة يصعب شفاؤها· يكبرني بعام واحد، قليلا ما كان يرضى أن يلعب معي عندما كنا أطفالا· كان يتعمد إهمالي ولا أعرف السبب، وفي أحيان كثيرة كان يضربني ليبعدني عن مكان اللعب لأنني أبقى متسمرة في مكان واحد أراقبه وهو يلعب، وكان هذا الشيء يغيظه· كان ذكياً متفوقاً في دراسته، فبذلت جهدي كي أكون مثله، وهو وسيم يهتم بأناقته، فأصبحت أركز على هذا الجانب لأبقى أنيقة وجميلة طوال الوقت وذلك لأكون لائقة له، وكم كان يسعدني ما يقوله الأهل عن تشابه الشخصيات والميول بيننا، حتى كرة القدم التي لم أكن افهم منها شيئاً، صرت اعشقها وأتابعها بانفعالات مبالغة لأجله، وبالطبع فإنني كنت أشجع نفس اللاعب الذي يراه جيداً، وقد أصبحت من المشجعين المتحمسين لنفس النادي الذي يفضله ابن عمي· حتى الطعام فإنني كنت حريصة على تناول الأطعمة التي سمعت أنه يفضلها، وبلا مبالغة، فقد حرمت نفسي من أشياء كثيرة لمجرد أنه لا يحبها، وأرغمت نفسي على تفضيل كل ما كان يحبه· عندما أتذكر كل تلك الأمور، أبقى حائرة، لا ادري هل كنت غبية··· أم ماذا؟ فقد فعلت كل شيء لأكون نسخة مطابقة له كي أثير انتباهه نحوي، وهو لم يكن يشعر بوجودي في هذا الكون· تقرير المصير أنهى ابن عمي الثانوية بمعدل مرتفع فرشحته الدولة لبعثة إلى أميركا لدراسة الطب· في البداية أصبت بصدمة عنيفة لأنه سيكون بعيداً جداً عني، ولكن بعد أن فكرت ملياً وجدت بأن في هذا الأمر شيئا ايجابيا يجب أن استغله لصالحي، فألعب لعبتي الذكية لأكون قريبة منه· أهلكت نفسي في المذاكرة وحصلت على نسبة أعلى من نسبته، وكانت خطتي هي أن أذهب للدراسة معه في نفس البلد، وبالطبع فقد كان لدي أمل قوي جداً بأنه ربما سيقترح الأهل تزويجنا لنكون معاً أثناء الدراسة· أخبرت أهلي برغبتي في دراسة الطب فوافقوا من حيث المبدأ، فامتلأت مخيلتي بالأحلام الوردية فكم كانت سعادتي بكل ما حققته وكم كان إحباطي لأن أهله لم يطرحوا فكرة الزواج والالتحاق بابن العم للدراسة معاً· بقيت حائرة، لا ادري كيف أتصرف، خصوصاً وأن أهلي قد رفضوا فكرة سفري إلى أميركا، فلم يكن أمامي سوى الإصرار على دراسة الطب لأنني اعلم جيداً بأن هذا الاختصاص لا يدرس في جامعاتنا في تلك الفترة· بعد إلحاح كبير وضغط متواصل مني وافق الأهل على دراستي في دولة خليجية قريبة، وكانت هذه هي فرصتي الوحيدة لدراسة نفس تخصصه فأذعنت للأمر الواقع بعد أن يئست من مبادرة ابن عمي لخطبتي وأخذي معه، فكرت بأن ادرس نفس التخصص كي أبقى قريبة إلى اختياراته عندما يقرر اختيار شريكة الحياة، فهو طبعاً سيفضل الزواج من طبيبة تتفهم ظروف عمله وتشاركه في رسم طموحات المستقبل المهني· المفاجأة السارة بعد سنتين من الدراسة التقيت به في الإجازة الصيفية في منزل جدي، وكأنه يراني لأول مرة في حياته، وقف أمامي مبهوراً بعد أن سلّم عليّ· كدت أن اسقط مغمياً عليّ من شدة الانفعال· احمر وجهي واشتعل جسمي كله بحرارة الإحراج والانفعالات المبهمة التي كانت تلازمني كلما رأيته· تحدثنا عن الدراسة مطولاً··· أخبرني بأنه غير مرتاح في دراسته بأميركا لأن الطلبة العرب يلاقون الأذى الكثير بسبب أحداث سبتمبر،·· وأنه يتمنى لو يكمل دراسته في أي بلد عربي· اقترحت عليه أن يجرب الانتقال إلى نفس جامعتي فأعجبته الفكرة· يا إلهي··· هل هو حلم أم حقيقة؟ أقصى ما كنت أتمناه هو أن ينتقل إلى جامعتي وأراه يومياً، ولكن ما حدث كان أكبر من توقعاتي في ذلك الوقت· فوجئت بأهله في اليوم التالي وقد جاءوا لخطبتي· لم تسعني الأرض لأنني ظفرت بمن أحب وقد تحقق حلمي وصار واقعاً ملموساً··· سأعيش في قفص الزوجية مع فارس الأحلام· تم عقد القران فمررت بأيام مفعمة بالمشاعر الحلوة التي لا يمكنني نسيانها لأنها أجمل ما عشته في حياتي كلها· بعد نهاية الإجازة عاد كل منا إلى بلد دراسته، وقد اتفقنا على أن يرسل لي شهاداته فأحصل له على قبول في جامعتي، بحيث تتم معادلة الساعات الجامعية التي درسها· فعلت المستحيل لترتيب الأمور لمجيئه، وبعد أن أرسلت له قبول الجامعة أخذت على عاتقي مهمة إيجاد عش الزوجية، فقمت باستئجار شقة وفرشتها، واشتريت سيارة لأن الشقة بعيدة عن الجامعة عكس سكن الطالبات الذي اسكن فيه وهو قريب لا يحتاج إلى سيارة· تحملت كل التكاليف المترتبة على تلك الأمور مما كنت قد جمعته سابقاً من المكافأة التي تصرفها الدولة لطلبة البعثات لأني لم أكن مسرفة وكنت أنفق فقط ما احتاج إليه من الضروريات· بعد أن رتبت كل شيء عدت الى بلدي في الإجازة وجهزت نفسي للعرس، فجاء هو بعد أن أنهى ارتباطه بتلك الجامعة، وتم العرس على أحسن وجه من الفرح والسعادة، ثم عدنا معاً لاستكمال الدراسة· زوجة من نوع آخر حاولت أن أكون مثالية لأرضيه وأسعده· اعتنيت ببيتي عناية فائقة، وصرت ألبي كل طلباته· أطبخ له ما يشتهي، وأغسل ثيابه وأكويها بنفسي، وأحاول الترفيه عنه وتسليته، هذا كله بالإضافة للمذاكرة التي كانت تحتاج إلى جهد كبير· تحملت كل ذلك بصبر شديد وأنا في غاية السعادة لأنني كنت متصورة بأن زوجي، ابن عمي الغالي يحمل نفس المشاعر نحوي وهو يقدر كل ما أقوم به لأجله· سمعت بعض الملاحظات من زميلاتي، ولكنني لم أكترث لهن، كنت أعتقد بأنهن يحسدنني عليه، لذلك يتهمنه ببعض الاتهامات الباطلة حول سلوكه ونظراته غير المريحة لهن· كنت أغلق أذني عن كل كلمة سيئة بحقه، فهو الملاك الوحيد الموجود على هذه الأرض والكل يحسدني عليه· بعد أشهر قليلة من زواجنا طلب مني التفكير بالحمل، فأخبرته بأنني لم أمنع الحمل منذ بداية الزواج، وهذا التأخير جاء طبيعياً، فأجبرني على الخضوع للتحاليل والفحوصات لمعرفة السبب، ففعلت ما أراد وجاءت النتائج بأنني سليمة، وقد أعطوني بعض الحبوب والحقن المنشطة لإسراع الحمل والتي جعلتني في حالة توتر وعصبية وآلام شديدة لم أعرفها من قبل· كلما مرت الشهور دون حمل كان يزداد تجهماً وبعداً عني، ولربما قد اتخذ هذا الأمر كحجة ليبرر أفعاله ومحاولاته السخيفة مع هذه او تلك، وكلما حاولت تنبيهه واجهني بمنتهى الوقاحة بأنه رجل ومن حقه التفكير بالزواج مرة أخرى لأن زوجته لا تنجب الأطفال· معاناة شديدة وقاسية مررت بها في تلك الفترة كنت بالكاد أنجح في الدراسة· كنت أخاف أن ارسب لأنه سيعايرني بالغباء والتخلف ويقارن بيني وبين فتيات ذكيات وجميلات هن أفضل منّي، كما كان يردد ذلك دائماً دون أن يفكر لحظه واحدة بأن ذلك يجرحني· كنت أجهد نفسي لأبدو أنيقة كي أواجه سخريته واستهزاءه كلما لبست شيئا استعداداً للذهاب إلى الجامعة، فأضطر لتغيير ملابسي عدة مرات لإ رضائه، وفي المنزل تذهب محاولاتي كلها هباءً لأنه ينتقدني بشدة إذا وجد أي تقصير أو إهمال من أي نوع، حتى صارت أيامي كلها تعبا وإرهاقا وإجهادا، وأنا في سعي دائم لإرضائه دون الوصول إلى نتيجة، فهذا الإنسان لم يكن يحبني أبدا وكان يراني بعين الحقد لا بعين الحب مهما فعلت· هدية التخرج تخرج قبلي بسنة واحدة، وعندما استلم شهادة تخرجه، جاء ليخبرني بأنه قد قرر تطليقي لأنني لم اعد أناسبه، ولشدة دناءته قام بإلغاء عقد إيجار الشقة المسجل باسمه دون أن يفكر بي وأين سأذهب وأين سأضع أغراضي وحاجياتي· اخذ مني كل الكتب الدراسية والمراجع الثمينة التي دفعت فيها مبالغ ضخمة، وهو يعلم بأنني احتاج إليها لإكمال دراستي· وليزيد الطين بلّة فقد قام ببيع السيارة التي اشتريتها بمالي وكان قد أصر من قبل على نقل ملكيتها باسمه بحجة الإحراج الذي يشعر به وهو يقود سيارة زوجته فيما لو وقع حادث أو طلب احدهم منه الملكية· يا له من إنسان غريب، نسي أنني ابنة عمه قبل أن أكون زوجته، ورضي لنفسه استغلالي وسرقتي وظلمي بهذا الشكل القبيح· كنت منهارة تماماً لا ادري كيف أتصرف، ذهبت إلى سكن الطالبات وألقيت أطنان الدموع وسط الصديقات المقربات وأخبرتهن بموقف ابن العم الذي اخذ كل شيء بعد أن طلقني ثم تركني وأنا منهارة ورحل إلى الوطن وهو سعيد بما حققه من إنجازات· وقفت صديقاتي معي وقفة شهامة وحب وحنو، وساعدنني في العودة لتوازني فأكملت سنتي الجامعية الأخيرة وسط كل هذه الانهيارات وهذا الإحباط الشديد· بمعجزة أنهيت الدراسة بعد أن حصلت على الشهادة الجامعية في الطب وعدت الى الوطن وقد تحولت إلى مخلوق جديد، جسد بلا روح، بلا شعور، بلا انفعال، وكأنني دمية مقتولة تتحرك وتمشي وتأكل بلا أحاسيس· لم يقصر أهلي في مساعدتي، وتفهم ظروفي، والوقوف إلى جانبي، وتشجيعي على نسيان ما حدث، فاستطعت أن أتكيف بصعوبة مع حياتي الجديدة وأن أتجاوز همومي عبر الانهماك في العمل، وفعلا فقد صار عملي هو حياتي· كسبت احترام المسؤولين وثقة المرضى لما بذلته من جهد وإخلاص وتفان في العمل، فصارت لي مكانه مميزة· حياة مشتتة حدثت مقاطعة بيننا وبين بيت عمي بسبب هذا الطلاق، ولكنني كنت اسمع أخباره التي كانت تصل إليّ دائماً عن طريق أفراد العائلة من الأعمام والعمات وأبنائهم· صولات وجولات عاشها ابن العم، وهو يجمع بين المهنة والهواية المفضلة لديه باصطياد الفرائس· الكثيرات وقعن في حبه، وخدعن بمركزه المحترم كطبيب· خدعن بوسامته والسيارات الفارهة التي كان يمتلكها، والأشياء الثمينة التي يقتنيها، ولكن الله لا ينسى الظالم، يمهله ولا يهمله، فقد اضطرته مغامراته العديدة للزواج من أربع نساء تحت التهديد والخوف من الفضيحة، وفي كل مره يتزوج فيها تنجب له زوجته الأطفال اعتقاداً منها بأنهم سيربطونه في بيته، فأصبح لديه وفي فتره بسيطة 12 طفلاً وطفلة من زوجاته الأربع· أصبح إنسانا مشتتاً، متعباً، لا يدري ماذا يريد· يشتكي من شعوره بالقلق والكآبة، وعدم الراحة النفسية· حاول الهروب من حياته المزدحمة وغير المستقرة، فحصل على بعثة جديدة في الخارج للدراسات العليا، فترك زوجاته الأربع وأولاده ورحل لينغمس من جديد في اللهو والعبث وإقامة العلاقات مع هذه وتلك وكأنه ذئب جائع لا يشبعه ولا يسد جوعه أي شيء· بعد مرحله طويلة من التردد، والعقد النفسية التي تكومت بداخلي، نتيجة تجربتي الزوجية الفاشلة، فكرت أن ابدأ حياتي من جديد، وأجرب مرة اخرى، فليس من الحكمة أن اقضي عمري كله وحيدة، فقررت أن أتوكل على الله وأن أتقبل فكرة الزواج مرة اخرى· تقدم لي زميل في العمل، فاستخرت ربي، ووافقت على الارتباط به، وأنا على قناعة جديدة، هي أن الحب ليس مقياسا للسعادة، وقد كنت على حق، فقد ظهر لي بأن زوجي إنسان لطيف وطيب أحبني وعاملني معاملة لائقة وحسنة· أشعر حالياً بالراحة والأمان، واشكر ربي لأنني لم أنجب من زواجي السابق كي لا تكون هناك أية رابطة بيني وبين الماضي· أما الآن، فأنا سعيدة جداً بحملي، والطفل الذي سيولد سيكون محظوظاً له أب حنون وأم مرتاحة البال والخاطر· أما تجربتي السابقة فلن أندم عليها، لأنها كانت تعني لي شيئاً في وقتها، ولولاها ما عرفت معنى السعادة ومكامنها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©