السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

«مصدر».. نموذج عالمي للتخطيط الرشيد

«مصدر».. نموذج عالمي للتخطيط الرشيد
20 ديسمبر 2011 22:47
مهما كانت صعوبة الأحوال الاقتصادية، يظل رئيس برنامج البيئة الأممي متمسكاً بأهداف الطاقة المتجددة الصارمة سعياً إلى اقتصاد منخفض الكربون، والذي أشاد في زيارته لأبوظبي بمبادرة “مصدر” شهد هذا الشهر تطورات بيئية بعضها إيجابي وبعضها الآخر سلبي. ففي يوم الأحد 11 ديسمبر اتفق مندوبون عن نحو 200 دولة اجتمعوا في ديربان على التوصل إلى خطة لمكافحة التغير المناخي بحلول عام 2015. والغرض من “منصة ديربان” هو أن تحل محل بروتوكول كيوتو المتمثل في معاهدة تضم 37 دولة لتقليص الانبعاثات تنتهي مدتها العام المقبل، وهي أكثر شمولاً من حيث أنها حظيت بتأييد كل من الولايات المتحدة والصين. وبعد يوم واحد، أضحت كندا أول دولة تنسحب من “كيوتو” لتتحاشى غرامات تبلغ 13,6 مليار دولار (49,95 مليار درهم) لعدم تجاوبها مع أهداف تقليص الانبعاثات لتمهد الطريق أمام دول أخرى للانسحاب. في أعقاب مؤتمر ديربان تحدثت صحيفة “ذي ناشيونال” مع اتشيم ستاينر المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي كان في زيارة لأبوظبي منذ نحو 10 أيام. ويعد ستاينر، البرازيلي المولد والبريطاني التعليم والألماني الثقافة، أحد مناصري الاقتصادات الخضراء وهو يقول إن الاقتصاد الأخضر يمكنه الانطلاق في الأجواء المالية غير المواتية اليوم. -هل ديربان كافية؟ -لابد خلال السنوات الثماني أو التسع المقبلة أن نخفض الانبعاثات إلى 44 جيجا طن وهو ما يساوي 44 مليار طن من الكربون سنوياً، ونحن الآن عند نقطة 50 جيجا طن بالفعل وفي سبيلنا إلى 56 جيجا طن. ومن ثم في وسعك أن تشهد أننا متوجهون في الواقع صوب اتجاه خاطئ تماماً.وذلك هو السبب في أن العلم يجب أن يكون العامل الفيصل في الطريقة التي ننظم بها اقتصاداتنا وفي نوعيات الخيارات السياسية التي نستقر عليها. وما يقلقني هو حين يُحجم الناس عن تولي مسؤولياتهم وهو ما يعرض الكوكب بأسره للخطر. -هل الحل الوسط في ديربان وقرار كندا بالانسحاب من “كيوتو” أصابك بخيبة الأمل؟ -لا، في ضوء عدد من قللوا من أهمية ديربان وعدد من اعتبروا أن منصة مفاوضات تغير المناخ إما مشلولة أو ميتة أعتقد أن ديربان قد فاجأتهم. ومن حيث ما بدأت به ديربان ما عليك إلا أن تكون متفائلاً، أما من حيث ما ينبغي أن نفعله إزاء تقليص الانبعاثات في السنوات السبع أو الثماني أو التسع المقبلة فإن ديربان لم تجب على هذا السؤال. - بالنظر إلى أن البعض يعتبر أن حدود تقليص الانبعاثات المستهدفة بمثابة قيود على التنمية الاقتصادية، فما رأيك في ذلك؟ - لو أننا ظللنا نعتبر تغير المناخ قيداً على نموذج تطورنا مستقبلاً، فإنه ينبغي أن تكون المناقشة مختلفة عما يجري الآن، فبالنسبة للجيل القادم أو الذي يليه ستبدو المسألة مثيرة للأسف من حيث أن من سبقهم جادل في مسألة فصل النمو الاقتصادي عن زيادة الانبعاثات، وحينذاك ستكون حرارة كوكب الأرض قد ارتفعت ثلاث أو أربع درجات ويكون منسوب سطح البحر قد ارتفع بأكثر من متر. وما سيقوض التنمية مستقبلاً هو السعي لمعالجة تلك العواقب. وما نتحدث عنه اليوم من العديد من الأوجه هو فصل النمو الاقتصادي عن الانبعاثات، كما أنها في الواقع فرصة سانحة، ذلك أن هناك فرصاً هائلة للجديد من التقنيات والجديد من مقاربات الإدارة وللجديد من أنواع الحركية. ويظل الناس يرددون: “حسناً ربما يضيف ذلك 5% إلى 10% على سعر الطاقة”. وبصفتي خبيراً اقتصادياً يتعين علي القول إن هذا جدال مثير للسخرية في فترة شاهدنا فيها سعر النفط يتضاعف - في أقل من 24 شهراً أحياناً. ومع ذلك لم يتجمد الاقتصاد، ما نحتاجه في مطلع القرن الحادي والعشرين هو دفعة فعالة تنهض باقتصادنا، نحتاج أن نحد من تلويث البيئة ونستخدم الموارد بكفاءة أعلى ونتوقف في المقام الأول عن إهدار الموارد وعن الإضرار بفرص تطوير المستقبل. - هل نحتاج إلى أسعار أعلى لتسهيل هذا التوجه؟ - لن آخذ المسألة بهذه الصورة المبسطة، رغم أنه يتعين بوضوح على أسعار الوقود الأحفوري أن تعكس ثمنها الحقيقي والضرر الذي تسببه، فحين تكون تذكرة الطائرة في عطلة نهاية الأسبوع أرخص من ثمن رحلة سيارة أجرة إلى المطار سيهرع الناس إلى ركوب الطائرات. والسؤال هنا هو من سيدفع ثمن تلك الانبعاثات فيما بعد؟ لأن دافع الضريبة هو الذي يضطر أن يدفع إما ثمن إجراءات التعديل أو تخفيف الأضرار وليس الشخص المسافر. ما نقوله هو، دع سعر الوقود يعكس تكلفته الحقيقية، ثم ستفرض السوق مسألة الندرة، فهل النفط أو الغاز في سبيلهما إلى مزيد من الارتفاع؟ في الوقت الراهن لا يعكس سعر الوقود في العديد من أنحاء العالم تكلفته الحقيقية. - كيف للحكومات أن تفعل ذلك في الأزمة المالية؟ - عملياً، تتعرض قدرة الحكومات على تمويل بعض هذه التحولات لمصاعب سواء من وجهة نظر وزير المالية أو البنك المركزي، وهذه لحظة يؤسف لها نظراً لأننا نتمنى أن تكون هذه هي اللحظة التي تستطيع فيها الدول والحكومات والقطاع الخاص تكثيف الاستثمار في هذه التحولات، غير أنه في الأزمة المالية من العسير جداً تحقيق ذلك، إلا أني أعتقد أن هناك أوساطاً تبالغ في حجم المشكلة، غير أن لهذا التحول أهمية كبرى لدرجة أنه رغم الأزمة المالية سيظل هذا التحول متنامياً. - هل يمكن أن تنجح الاقتصادات الخضراء في دول منتجة للنفط؟ - ليس فقط في إمكانهم، أعتقد أنه أحد الآمال الكبرى للازدهار الاقتصادي الذي يدفع المنطقة إلى الأمام، ومن حيث العائدات من اكتشاف احتياطيات نفط وغاز، فإنه من الممكن استخدامها لإنماء الاقتصاد الأخضر مستقبلاً. يسرني أني في أبوظبي التي تعتبر فيها منشآت مثل “مصدر” نموذجاً للتخطيط الرشيد الذي بدأ بالفعل في رسم مستقبل هذه الاقتصادات. - تعتبر “مصدر” كما ذكرت أولوية مهمة في أبوظبي، ومع ذلك قلصت مؤخراً 9% من موظفيها ومن الواضح أن للشركة اعتباراتها المالية التي قد تكون ضمن وضع اقتصادي أشمل، إذاً كيف يمكن أن تنمو اقتصادات خضراء في ظل الأحوال المالية التي نشهدها اليوم؟ -الشيء اللافت هو أن عناصر التوجه التقني للاقتصاد الأخضر نجت من الأزمة الاقتصادية بمرونة أكثر من بعض الصناعات التقليدية، ويجدر ذكر أن صناعة السيارات في أوروبا وأميركا الشمالية حصلت على مليارات الدولارات من حزم الإنقاذ. كما أن نظم الصيرفة التي من المفترض أن تفرز أرباحها وتخلق أنشطتها وتخوض أيضاً في مخاطراتها اضطرت أن تحصل على حزم انقاذ مجدداً بمئات المليارات من الدولارات. هذا في الوقت الذي تجاوز فيه قطاع الطاقة المتجددة عام 2010 جميع الأرقام القياسية السابقة: حيث كان هناك أكثر من 210 مليارات دولار (771,33 مليار درهم) كاستثمارات في ذلك القطاع متجاوزاً النفط والغاز والفحم مجتمعة. إذاً في وسعك أن تشهد أن هناك مثالاً على مدى تنافسية تقنية جديدة وأن هذه التقنية تحظى بفرصة عادلة. دعنا نذكر أن العالم عكف على دعم أنواع الوقود الأحفوري سنوياً بما يتراوح بين 500 و600 مليار دولار، فإذا حسبت جميع حزم الدعم التي تمول تقنيات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في العالم، ستجد أنها تبلغ 100 مليار دولار أي سدس ذلك، إذاً حتى في ظل هذه الأزمة الاقتصادية يعتبر القطاع مزدهراً نسبياً. ولكن ليس من المستغرب في وقت تعاني أوروبا بأسرها من أزمة وتتعرض أسواق مالية دولية لمصاعب أن تضطر شركات مثل “مصدر” إلى ترشيد الإنفاق بالنظر إلى أن هذا هو المناخ الاقتصادي الواقعي الذي نعمل فيه. - لعل المستثمرين غير راغبين أو غير مستشعرين الأمان في تخصيص كثير من التمويل بناءً على ما خلصت إليه ديربان، نظراً لأن القرارات ستؤجل لأربع سنوات أخرى، بجانب أن صناعة الطاقة الشمسية تتضرر الآن حيث أشهرت سوليندرا الأميركية على سبيل المثال إفلاسها وانخفضت أسهم بعض مصنعي الألواح الشمسية الأوروبية، فهل يمكن أن يستمر الاستثمار في الطاقة البديلة؟ - أولاً تتوسع الأسواق على نحو شديد السرعة نظراً لأن التقنيات الجديدة باتت متاحة وثانياً نظراً لأن السياسات تعالج ما كان يعد تمييزاً ضدها سابقاً. إذاً لاشك أننا متجهون نحو اقتصاد منخفض الكربون، وينتظر أن تتعاظم أهمية التقنيات المنخفضة الكربون والبنية الأساسية منخفضة الكربون من أجل التعاطي مع هذا التحول الجذري، وفي هذا السياق لايعتبر الاقتصاد الأخضر مجرد مجال بديل بل إنه يتعلق بالطريقة التي نفعل بها كل الأشياء اليوم على نحو أكثر كفاءة بأقل تلوث ممكن. نقلاً عن: «ذي ناشيونال» ترجمة: عماد الدين زكي «مصدر» : استراتيجية متعددة الأوجه ? تم تأسيس “مصدر” في عام 2006 كمبادرة استراتيجية متعددة الأوجه مملوكة بالكامل لشركة مبادلة، وذلك بهدف تطوير وتطبيق حلول الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، وذلك ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى دعم الاقتصاد الوطني عبر تنويع مصادر الدخل، والانتقال إلى اقتصاد المعرفة، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. وتعمل “مصدر” من خلال منهجية متكاملة تغطي كافة جوانب ومراحل سلسلة القيمة في قطاع الطاقة المتجددة، بما في ذلك التعليم والأبحاث والتطوير، والاستثمار في التقنيات النظيفة، وتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى بناء مدينة مستقبلية تكون مركزاً عالمياً للشركات الرائدة في القطاع. ومع أنها مبادرة استراتيجية بعيدة المدى، نجحت “مصدر” خلال السنوات الخمس التي انقضت على تأسيسها في تحقيق مجموعة من الإنجازات، بما فيها المساهمة بفوز دولة الإمارات العربية المتحدة باستضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا” التي تهدف إلى تعزيز انتشار استخدام حلول الطاقة المتجددة، وتعد هذه أول مرةٍ تتخذ فيها منظمة دولية مقرها في المنطقة، والذي ستستضيفه مدينة مصدر فور إنجاز مبنى المقر المرتقب إتمامه في نهاية عام 2013. وتنفذ “مصدر” مجموعة من المشاريع المحلية والعالمية للمساهمة في تطوير القدرات في مجال الطاقة المتجددة، بما في ذلك محطة الألواح الكهروضوئية باستطاعة 10 ميجاواط في مدينة مصدر التي تعمل بكامل طاقتها منذ أكثر من عامين. ويجري العمل وفق الجدول الزمني المحدد لبناء محطة “شمس 1” للطاقة الشمسية المركزة في المنطقة الغربية من إمارة أبوظبي بطاقة إنتاجية مستهدفة قدرها 100 ميجاواط. وعلى المستوى العالمي، تشارك “مصدر” في مشاريع تجارية لتوليد الطاقة المتجددة، حيث ساهمت في تنفيذ محطة “خيماسولار” للطاقة الشمسية المركزة التي تم افتتاحها مؤخراً في اسبانيا والتي تستخدم تقنية متطورة تتيح توليد الكهرباء لمدة 15 ساعة بعد غياب الشمس. ويستمر العمل على مجموعة من المشاريع العالمية، بما فيها “فالي 1” و”فالي 2” في اسبانيا، ومشروع “مصفوفة لندن” لطاقة الرياح البحرية في المملكة المتحدة. كما تعمل “مصدر” مع شركائها لاستخدام التقنيات النظيفة من أجل خفض انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري من المنشآت الصناعية وذلك من خلال مجموعة من المشاريع داخل الدولة وخارجها. ولا تقتصر جهود “مصدر” على الجانب العملي لتطوير المشاريع، إذ إنها تشارك بنشاط في الحوار العالمي بشأن حلول الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة والتصدي لتداعيات تغير المناخ. وتستضيف “مصدر” سنوياً في أبوظبي معرض ومؤتمر “القمة العالمية لطاقة المستقبل” التي تستعد الآن لانعقاد دورتها الخامسة في يناير 2012، حيث تستقطب في كل عام مجموعة من قادة العالم وصناع القرار ورؤساء الشركات والخبراء والأكاديميين لمناقشة الحلول والسياسات والتشريعات التي تسهم في نمو القطاع وتطوره. وإلى جانب استضافة “آيرينا” واجتماعات الدول الأعضاء فيها، تسهم “القمة العالمية لطاقة المستقبل” في تكريس مكانة أبوظبي كعاصمة عالمية للطاقة المتجددة. وبهدف تشجيع وحفز الابتكارات والحلول ذات الأثر الملموس في المساعدة على التصدي لتحديات الطاقة، أعلن الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في عام 2008 عن إنشاء “جائزة زايد لطاقة المستقبل” وذلك تخليداً لإرث الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، والجهود الكبيرة التي بذلها لإرساء أسس التنمية المستدامة والمحافظة على الموارد الطبيعية لأجيال الغد. وتهدف الجائزة، التي تم تكليف “مصدر” بإدارتها، إلى تحفيز وتكريم أصحاب الابتكارات والحلول المتقدمة في مجال طاقة المستقبل في مختلف أنحاء العالم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©