الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تحولات الرواية وثبات الذاكرة

تحولات الرواية وثبات الذاكرة
21 ديسمبر 2011 22:04
شهد معرض بيروت العربي والدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين سلسلة من الفعاليات والمحاضرات، أضاءت على قضايا ثقافية وفكرية متنوعة تشغل الذهن العربي، في إطار الحراك الذي تشغله المنطقة حاليا، وناقشت مجموعة من الكتب التي تتناول إشكاليات وظواهر ثقافية قديمة ومتجددة. وكان من أبرز تلك الفعاليات المؤتمر الأول للرواية اللبنانية الذي نظمه اتحاد الكتاب اللبنانيين تحت عنوان “الحرب والرواية اللبنانية”، بمشاركة كل من الأمين العام للاتحاد سليمان تقي الدين، د. عبد المجيد زراقط، د. منى رسلان، وإدارتها لطيفة الحاج قديح التي أشارت الى وجود الكثير من الرويات تتحدث عن الحرب، آملة أن يكون اللبنانيون قد تعلموا من الحرب وغيرت وعيهم. اما تقي الدين فاعتبر إن الحرب ظاهرة اجتماعية، وهي التي صنعت الرواية اللبنانية الجديدة. وتطرق في مداخلته الى روايات “طيور الهوليداي ان” لربيع جابر، “وحارث المياه” لهدى بركات، و”المشهد الأخير” لمي منسى، و”مريم الحكايا” لعلوية صبح، و”تأخر الوقت” لمنى فياض، و”الذكريات الملغاة” ولنازك سابا يارد، “ساعة مرمورة “ لنرمين الخنسا. من جهته تطرق زراقط في مداخلته الى روايات “حسن العواقب أو غادة الزاهرة” لزينب فواز، وتحدث عن روايتي ليلى بعلبكي “أنا أحيا” 1958 و”الآلهة الممسوخة” 1960 معتبرا أن في كلا الروايتين شخصية مركزية جاهزة، منجزة تؤدي خطابها المتأثر بالأفكار الوجودية. كما تناول أيضاً رواية “حي اللجى” لبلقيس حوماني، و”طواحين بيروت” لتوفيق يوسف عواد، و”جسر الحجر” لليلى عسيران، و”درب الجنوب” لعوض شعبان، و”على بوابة الوطن” لداود فرج وأميرة الحسيني وليختم برواية “شجرة النور” للطيفة الحاج. اما رسلان فأشارت الى مواضيع عديدة وخلصت بالقول: تبقى ويلات الحرب اللبنانية والصراع العربي ـ الاسرائيلي على أرض لبنان ماثلة في أفئدة اللبنانيين، وها ان المأساة المتعاظمة ومفاعيلها المستمرة بكافة عناصرها مأساة يجترها المجتمع على اختلاف فئاته المجتمعية لتدور الدائرة الحربية دوما، محولة معها جملة المعطيات الإنسانية الى دمار إنساني نفسي واجتماعي وليبقى الصراع العربي ـ الاسرائيلي مفتوحاً على هاوية التناقضات اللبنانية والعربية. وفي محور حول الرواية اللبنانية وآفاق المستقبل، اعتبر د. سالم المعوش في مستهل كلمته “قضايا السرد والتواصل بين الأجيال” أن النص لا يزال الركيزة الأساسية للتواصل بين الناس في اي مكان وجدوا، والنص هو تلك المادة الكلامية المنطوقة او المكتوبة، كبيرة مثل: رواية أو مسرحية أو مجلد.... واشار الى ان خصوصية الرواية المنطلقة من انفتاحها على التجارب كلها، يوجد لها في كل زمن قنواتها الاتصالية الخاصة... وما دام الانسان، منذ خلقه الأول، يتعلق بفنون القص، سوف يجد دائما رغبته، وسوف يتابع حكاياه، ويخلق النصوص الملائمة لزمنه مستجيبا لحاجاته الجمالية التي تدعوها الحاجة فتظهر بأشكالها الخاصة... وعلى ذلك، ستبقى الرواية، أفقا مفتوحا يجد سبله الى التواجد في وعي الناس لحاجتهم اليها... وسيبقى التواصل النصي قائما ترافقه شروطه وايقاعات أزمنته، ما دام الانسان موجودا وحاجته الى التواصل قائمة. وفي كلمة د. جوزيف شريم تحت عنوان “البعد التجديدي في روايات إميلي نصر الله”، اشار الى أنه أمام أدب حي، ويمكن اعتبار أدبها عموماً ورواياتها خصوصاً لوحات من الفن الإيحائي تصور المجتمع اللبناني بما فيه مجتمع القرية بكل أبعاده ورموزه وتناقضاته. فيتمحور أدبها حول العلاقة الجدلية بين الإنسان وقريته وهي رمز التقاليد والمدينة هي رمز الغربة والضياع والفشل. ولفت الى انها عالجت هذه العلاقة الجدلية بكثير من رهافة الحس التي نجدها في أدب ميخائيل نعيمه، والثورة والتمرد اللذين طبعا كتابات جبران خليل جبران، يضاف الى ذلك ان أدبها محلي في شكله عالمي في جوهره واكبر دليل على ذلك ما ترجم من رواياتها... وقد أدى هذا البعد المحلي العالمي في الأدب ببعض من امتهنوه الى الشهرة.. وخلص الى القول: يبقى أدب إميلي نصرالله أدب الحياة بامتياز، في معانيها، الحياة في فصولها، في ربيعها وخريفها في ألغازها، في حركتها ورتابتها، في لحظاتها النادرة او لحظاتها الضائعة الشريدة في وداعتها وصخبها وجنونها في آن... أما في مداخلة عيد تحت عنوان “قضايا السرد وتواصل الأجيال”، فاعتبر أن عصرنا هو عصر السرد بامتياز، حيث باتت الرواية أكثر الأجناس الأدبية قدرة على تشخيص الذات الإنسانية. فتتطلب الرواية كاتباً مثقفاً مبدعاً، كذلك تستدعي حضور ناقد جديد، قادر على تفكيك الرواية وتركيبها، متمكن من آليات الفهم والتفسير، وله دراية كبيرة بمفاتيح القراءة والتقويم والتوجيه ليتمكن من تأدية الدور، كما تستوجب الرواية قارئاً مثقفاً واعياً. اما الدكتور المغربي هاشم الفطناسي فاعتبر ان البحث في الابعاد الانسانية علاقتها بالسرورة الزمنية منبثقة الى الأعطاب التي تشكوها الرواية العربية عموماً واهمها غياب المرتكزات الفكرية والشروط الموضوعة لتخلقها وما يجعل صفة الحداثة المنسوبة للرواية زائفة ـ في اغلب الأحيان ـ او منقوحة او غير دقيقة فهل ستكون النماذج المذكورة في هذه العمل منطلقا ناجحاً لمسار جديد او مرحلة جديدة مستقبلية للرواية العربية؟ وفي البيان الختامي للمؤتمرألقى الدكتور وجيه فانوس التوصيات وابرز ما جاء فيها: 1. متابعة تنظيم مؤتمر الرواية اللبنانية والقصة سنوياً. 2. دعوة المؤسسات الثقافية الرسمية في لبنان الى تفصيل المشهد الثقافي في لبنان والى مزيد من العناية والاهتمام باللغة العربية وتذوق النصوص واستحداث الآليات التي تشجع القارئ على حيازة الروايات وكتابتها وقراءتها. 3. دعوة الروائيين والمبدعين الى الفضاءات التربوية للتواصل مع الشباب وتشجيع المواهب المبدعة 4. العمل على توجيه الشباب الى قراءة الأدب السليم 5. دعم الكتاب وتسهيل نشر مؤلفاتهم 6. تشجيع دعم حركة الترجمة وبالأخص نقل الرواية اللبنانية الى اللغات الأجنبية. 7. تخصيص ملاحق ثقافية وأدبية تصدر عن الصحف والدوريات العربية وتعنى بموضوع الرواية والتجارب الرائدة فيها. 8. الطلب الى وزارة الثقافة واتحاد الكتاب تخصيص موازنات لنشر الأعمال الروائية للكتاب الشباب 9. الدعوة الى توضيح طريقة التعاون بين الناشر والكاتب 10. المحافظة على الحقوق الفكرية والتعامل بحزم لوضع حد لأي عمل من أعمال القرصنة 11. دعوة جميع الكتاب والمفكرين والروائيين اللبنانيين الى التعاون فيما بينهم من أجل النهوض بالرواية اللبنانية 12. تسهيل التواصل بين الروائيين اللبنانيين والروائيين العرب. 13. العمل على تأسيس نظرية نقدية عربية حديثة تواكب العصر. ذاكرة بيروت ونظمت شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ندوة حول كتاب “من ذاكرة بيروت” لعمر زين أمين عام اتحاد المحامين العرب، شارك فيها الدكتور غالب غانم، الدكتور حسان حلاق، الدكتور حسن موسى، وأدارها جميل ملك. وتحدث ملك مشيرا الى أن “من ذاكرة بيروت” عنوان دقيق لكتاب معجم تناول ذاكرة محلة بيروتية عتيقة “البسطة الفوقا” مسقط رأس المؤلف ومرتع صباه وشبابه، فكان بحق كتاباً في التاريخ والجغرافيا وفي علوم الاجتماع والأنساب والتراحم. وأكد الدكتور موسى في مداخلته ان بيروت لم تكن قبل العام 1830 حين وصلت اليها جيوش محمد علي باشا بقيادة ابنه ابراهيم باشا سوى بلدة صغيرة وادعة خلف اسوارها حاضنة مرفأها شريان الحياة.. حول هذه المنطقة وفي قرن كامل يكتب عمر زين سيرة شعب ومولد مدينة. يترصد الحياة بكل ألوانها وإيقاعاتها يتقصى الزوايا والشوارع والزواريب يعدد الحارات (أي الابنية والمنازل) يحكي عن الناس وتطورهم عبر أحداث التاريخ وقد كان تاريخاً حافلاً خطر المحطات، حاسم الوقائع. ومن هذه الوقائع حروب الدولة العثمانية مع الروس، وارتقاء عبد الحميد الثاني العرش عام 1876، وحرب إيطاليا في ليبيا، والحرب الاولى 1914 وسفر برلك وتجنيد الرجال. ويتحدث الزين بحسب موسى عن حياة المدينة التي هي مجمل حراك الأهل والسكان والجماهير العريضة ومختلف النخب تعج بالعطاء والانتاج والأعمال في مختلف مجالات الفعل الإنساني للعلم والثقافة والدين والدنيا. وعن التعليم الديني والعلمي والادبي وعن الثقافات منذ المراحل الأولى ويطلعك على العادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية شرقي إسلامي لا يعرف التزمت لكنه ليس مسيبا او خانعاً يقبل كل ما يأتيه من الخارج بلا تمحيص يرحب بالجديد الجيد الذي لا يزري بالأصالة ولا يجرح الكبرياء ولا يهين التراث. يحترم العائلة ذات التراتبية والتماسك والرابط، وكل ما في هذه المحلة الجزء من المدينة يتواصل مع المدينة القلب ويتعانق معها الكل الأحياء والشوارع والضواحي والقرى القربية والبعيدة. وأشار حلاق في بداية كلامه الى أن كتاب “من ذاكرة بيروت” من الكتب المهمة التي تسد فراغاً في المكتبة البيروتية واللبنانية والعربية وقد استطاع الباحث من خلال (642) صفحة ان يعيد القارئ الى بيروت المحروسة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين من خلال الأحداث المهمة التي جرت في تلك الفترة التاريخية، معتمداً على اهم المصادر والمراجع ذات الصلة بالموضوع، مضيفا: أن من يطلع على كتاب “من ذاكرة بيروت” ويقرأ بتأن صفحاته ويتعمق في مضمونه ووثائقه وصوره يدرك بالفعل انه امام منطقة من اهم المناطق البيروتية هي “ منطقة البسطة “ التي اطلق عليها المؤلف اسم “عاصمة بيروت”. وختم بالقول: كتاب “من ذاكرة بيروت” كتاب يستحق بجدارة ان يقرأ لأنه سد فراغا في المكتبة البيروتية، ولانه مؤلفه المحامي عمر زين تحول بدوره بجدارة الى صفوف كبار المؤرخين في بيروت ولبنان. الربيع العربي وأقيمت ندوة بعنوان “الربيع العربي وعوامل التغيير” شارك فيها الدكتور مسعود ضاهر، الدكتور عدنان خوجة، الدكتور محمد المجذوب، الدكتور عبد الغني عماد والدكتورة مي العبد الله في حضور حشد من المهتمين والمثقفين. وتطرق ضاهر في كلامه “الربيع العربي وعوامل التغيير: البعد التاريخي” مشيرا إلى أنه لا بد من رؤية منهجية تاريخية جديدة تؤكد على ان الانتفاضات العربية الراهنة تؤسس لتاريخ عربي جديد ينبني على مقولات إسقاط نظم الاستبداد الداخلي وقوانين الطوارئ التي قمعت الحريات الفردية والجماعية، وفك التبعية للخارج، ونسف ركائز الارتهان أو المهادنة للمشروع الصهيوني. وحين تؤسس تلك الانتفاضات لتاريخ عربي جديد لا يمكن أن تتنكر لتاريخ عربي مناهض للسيطرة الخارجية بل تشكل استمرارا له وتصويبا لمسيرته الاستقلالية التي كلفت مليون شهيد في الجزائر ثم تمت مصادرتها من قبل الحزب الواحد، أو الزعيم الأوحد الذي قضى على كل أشكال الديموقراطية، وبدد الموارد الوطنية بعد أن اعتبرها ملكية خاصة، وسيطر على مقاليد الحكم حتى الوفاة مخلفا أبناءه وأحفاده في السلطة لعقود طويلة. واعتبر الدكتورة العبدالله وفي مداخلتها “الربيع العربي وعوامل التغيير ـ العامل الاتصالي” أن “الثورات التي اندلعت في العديد من الدول العربية كان للإعلام دور بارز وكبير في صناعتها، فنحن نمر بمرحلة تاريخية مهمة جداً، وهي مرحلة التغيير، وان الأبرز في هذا التغيير هو دور الإعلام، وان الإعلام في المنطقة العربية ما عاد يقوم بدور الناقل للأحداث وإنما يقوم بصنع القرار التأثير في الرأي العام. لقد غيرت شبكة الإنترنت الطريقة التي نحصل بها على المعلومات، سواء كصحفيين أو كمتلقين للأخبار وأحدثت ثورةً في مفهوم حرية التعبير بطرق عديدة:. ورأت أن تكنولوجيات الشبكة التي تشكل الجهاز العصبي للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقاوم عادةً السيطرة المركزية وتعزز التحركات والأفكار غير المركزية... التكنولوجيا بحد ذاتها ملحدة. بكل بساطة هي تضخم أثر علم الاجتماع في مجتمع ما. إذا أراد المجتمع الديمقراطية، تسهل التكنولوجيا ذلك، وإذا أراد غير ذلك تسهل له أيضاً ذلك. وإن نجحت في إسقاط سلطة، فليس هناك من ضمانة بأنها ستنجح بإنتاج سلطة جديدة. ولا تشكل السياسة الأمريكية بتحفيز النفاذ إلى تقنيات الاتصال كأداة لتمكين البشر رهاناً على التكنولوجيا، بل رهاناً على الطموحات التقدمية للأشخاص المستفيدين من التكنولوجيا. أما الخوجة فتحدث عن “الربيع العربي وعوامل التغيير ـ العامل السياسي” وقال: يقترب الربيع العربي من عامه الأول، وهو لايزال في حراكه المتنامي. يتمدد ليشمل المنطقة، وربما يتجاوزها الى مدى أرحب إذا دعت الحاجة وساعدت الظروف، حيث تُنتقص الحرية، وتنتهك حقوق الإنسان، ويحرم من التمثيل السياسي الصحيح ومن حقه في واردات الأرض التي يعيش عليها. فهل حقق الربيع العربي طموحات الناس التاريخية في الحرية والعيش الكريم؟ ... واجاب الخوجة: إنه زمن التساؤلات فالحراك الثوري في العالم العربي لايزال قيد التشكيل ولا أعتقد بأن أحدنا يمتلك من الإجابات ما يشفي غليل السائل غير أن الاعتقاد الأقرب الى الواقع أن جدار النظام التقليدي العربي قد انهار وانهارت معه عقدة الخوف داخل الإنسان العربي وأن المستقبل مفتوح على الاحتمالات وأن المواطن العربي لا يحتاج لدروس في الحرية والديمقراطية كما يعتقد الغرب فقد سطر دروساً وقدم ولا يزال تجارب حية تحتذى. راستنتج المجذوب: ان الانتفاضات الثورية الراهنة قد اعادت إلينا الأمل من جديد، بالرغم من محاولات الإجهاض والإحباط، وأمتنا ما زالت أمة حية قادرة على النهوض والمقاومة، وبأن عصرا جديدا، قد بدأ في الوطن العربي يشبه الى حد بعيد ما حدث في اوروبا الشرقية في العام 1989، عندما انتفضت شعوبها ضد أنظمتها التي كانت خاضعة لنفوذ الاتحاد السوفياتي. وتطرق عبد الغني عماد في مداخلته الى البعد الاجتماعي، للثورات العربية ورأى الثورات الشعبية العربية لم تولد من فراغ، وهي ليست نبتاً شيطانياً أو مؤامرة كما يدعي الحاكم. انها الإنفجار النوعي المترتب على الفشل الكمي المتراكم بفعل سياسات الأنظمة على المستوى التنموي و التربوي والسياسي، وأنه من ابرز خصائص هذه الثورات انها أعادت للرأي العام حضوره و مكانته وأعادت للشارع و الساحات والميادين فاعليتها، معيدة بذالك انتاج “المجال العام العربي... وختم بالقول: بين شقوق وخطوط الواقع المتردي دخلت مجتمعاتنا في مشهد مأزوم، وإصابتها الهزيمة من الداخل قبل أن تواجه ضغط الخارج، ولم يكن عسيرا على جيل الثورة أن يكتشف تلك العلاقة الجدلية بين ثالوث البؤس والشقاء العربي المتمثل بـ”الاستبداد والتخلف والهزيمة” وما بينهما من ترابط عضوي وتبادل وتلاحم في الوظيفة والنتائج. فهذا الثالوث الشقي تتغذى عناصره من بعضها البعض. وتستقوي إحداها بالاخرى لتشكل السد المانع لاي تغيير نحو نقيضها ولو بالإصلاح التدريجي. لذلك كان لا بد من الثورة لإاسقاط أنظمة الاستبداد والتخلف والهزيمة. فعاليات سعودية وضمن نشاطات الجناح السعودي في معرض الكتاب لهذا العام، ألقى عثمان الصيني محاضرة بعنوان “اتجاهات القراءة الحرة في المملكة العربية السعودية”، استهلها بالإشارة الى أن شعار “أمة لا تقرأ” جذاب وبلاغي ويؤدي وظيفة افراغ الشحن العاطفي والكبت النفسي بالندب او تقريع الذات، لكنه يصاب بالارتباك حين تظهر مجموعة من المعطيات التي تنقض المقولة كالإقبال الكبير على معارض الكتب الدولية في العالم العربي ان عدم وجود دراسات أو أرقام دقيقة واضحة لا يثبت أن مجتمعنا لا يقرأ كما لا ينفي في الوقت نفسه أن مجتمعنا نمت رغبته القرائية وتعددت اتجاهاته ان من حيث العلوم والفنون أو كمية المادة المقروءة أو من حيث القراءة الورقية الالكترونية... ورأى أنه من الصعب أن تقوم مشاريع تهتم بالقراءة الحرة وتحفيزها دون معرفة اتجاهات القراء وتفضيلاتهم ومعوقات القراءة من واقع الدراسات المسحية والارقام وليس العبارات الإنشائية والعاطفية، كما أنه من الهدر العلمي أن تقود هناك دراسات وأبحاث واستطلاعات ثم لا تنطلق منها مشروعات جدية وحقيقية للقراءة. واشار الى الدراسة الوطنية التي قامت بها وحدة الدراسات والبحوث في المجلة العربية حول اتجاهات القراءة الحرة في المملكة العربية السعودية كمدخل موضوعي لدعمها ونشرها، وقد بينت عن عدد من النتائج المهمة، منها: 78.39 % من اجمالي المجتمع السعودي يمارسون القراءة الحرة مقابل 21.61 % لا يمارسونها، ليست هناك فروقات ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث في ممارسة القراءة الحرة، يقضي 68% من السعوديين اكثر من 10 دقائق في قراءة المطبوعات الورقية (صحف، مجلات، كتب، قصص روايات) بينما يقضي 75% أكثر من 10 دقائق في قراءة النصوص الالكترونية، تبدأ النسبة الاكبر من أفراد المجتمع السعودي ممارسة القراءة الحرة في سن العاشرة، وتبدأ نسبة قليلة منهم القراءة الحرة في سن العشرين. وفي الدراسة ايضا، تحتل الأخبار (سياسة، اقتصاد، أحداث جارية) صدارة الترتيب في تفضيلات السعوديين القرائية يليها الترفيه والفكاهة فالأزياء والزينة، وتحتل الألغاز والاحاجي الترتيب الرابع تليها الروايات والقصص ثم يأتي الشعر الشعبي في المرتبة السادسة، يبلغ متوسط الانفاق لدى المواطن السعودي على شراء الكتب غير الدراسية أو الصحف والمجلات في العام 378،8 ريالا وينفق الذكور أكثر من النساء بنسبة 9% من المتوسط. وختم محاضرته بالقول: هناك الكثير من التحولات التي يجب أن توضع في الاعتبار ونحن نتعامل مع هذه الظاهرة، ومن أهمها انتشار القراءة الالكترونية وزيادة مصادر المعرفة وانتشارها وسرعة التواصل والانتقال سواء لمضمون ما يقرأ أو الحصول على هذا المضمون بسهولة ويسر، كذلك، التحول في السياق المجتمعي والثقافي المرتبط بالقراءة الحرة. ومن الضروري أن يتضمن التعامل مع مستقبل القراءة الحرة محورين مهمين أولهما: اعداد القارىء بحيث يتمكن الشخص من هذه المهارة. والآخر: نشر عادة القراءة الحرة وتعزيز ممارستها بين أفراد المجتمع السعودي، ومن المهم أن يكون هناك تكامل وتناغم في التعامل مع المحورين. وفي جناح المملكة العربية السعودية، أقيمت محاضرة حول “واقعية السرد في الرواية السعودية المعاصرة” تحدث فيها حمد القاضي، والدكتورعبد الرحمن الوهابي الذي استهل محاضرته بالاشارة الى أنه يمكن ملاحظة تطور الرواية السعودية خلال العقدين الاخيرين وليس ذلك بسبب كونها ظاهرة أدبية اجتماعية فقط، تتطور وتتحرك مع المجتمع بل لحضور متغيرات سياقية أثرت عليها كماً وكيفاً وتكاد تصبح الجنس الادبي الأكثر بروزا على الساحة. وأضاف: يمكن ان يناقش هذا ضمن استراتيجية السرد الذي يبحث في المتغيرات السردية من خلال مفهوم الأدب وطبيعته وتطمح هذه الورقة في ان تعرض مسيرة السرد في الرواية المعاصرة معنية بالعشر سنوات الأخيرة. ونظرا لان الشكل الروائي يعد الثنائية التي تقوم عليها الرواية مع الثيمات فان الرؤية الاستشرافية الاستقرائية تشير فرضيتها الى حضور متغير قائم على الوصف الى حضور تيار الواقعية الملامس للحراك المحلي بصورة تمتاز عن المنتج المتقدم للرواية السعودية من نشأتها في عام 1932 مع رواية “التوأمان” حتى مرحلة الثمانيات الميلادية التي ظهر فيه التجريب كانعكاس لمفهوم الحداثة حينها مع تيار الأدب الإسلامي المتزامن لها، وكان ظهور المضامين التقليدية من تاريخية ورومانسية وواقعية وغيرها، بصورة لا تخالف التوجه الاجتماعي العام. ورأى أن الرواية المعاصرة المعنية تغير خطابها الثيمي للحديث مباشرة عن المسكوت عنه ثيميا محاكاة للواقع وان كانت على المستوى التقني تشهد تطورا ولكنها تظل في مجال المحاكاة. ومن خلال مجموعة هذه المظاهر الفرضية المنطلق منها فسوف اعرض ذلك ثلاثة محاور، الأول يعرض ثنائية النقد والواقعية، والمحور الثاني يهتم بالشكل الروائي وأسلوبه، والمحور يعنى باستراتيجية السرد وحراك الواقع. كذلك ألقت الدكتورة أروى خميس محاضرة بعنوان “تجربتي مع قصص الأطفال”، عرضت فيها تجربتها الخاصة في الكتابة الطفل كنموذج لتجربة سعودية وقسمتها الى ثلاث مراحل: المرحلة الاولى تتناول فيها الكتابة للطفل كتجربة والأسباب التي دفعتها لاختيار الكتابة للطفل ومناقشة الأدوات اللازمة التي يحتاجها الكاتب لخوض مثل هذه التجربة. أما المرحلة الثانية فتناقش التحديات التي يواجهها ادب الطفل العربي في هذه المرحلة مثل المزاوجة بين التراث الغنى وبين الاسلوب العصري واعتبار كتاب الطفل مشروع فني وثقافي متكامل مع عرض بعض التجارب السعودية في هذا المجال ومثل محاولة مقاومة مد الادب المترجم والاجنبى بالاضافة الى اشكالية تناقض جاذبية الكتاب الورقي في عالم الطفل، وصولا الى المرحلة الثالثة المتمحورة حول تحديد موقع أدب الاطفال السعودي في وسط خريطة أدب الطفل العالمي مع تقديم بعض الافكار لتفعيل الحراك الادبي والثقافي في هذا المجال. البريد الفلسطيني ونظمت مؤسسة الدراسات الفلسطينية ندوة مناقشة كتاب “تاريخ فلسطين في طوابع البريد” لـ نادر خير الدين ابو الجبين، بمشاركة الفنان التشكيلي محمد الشاعر، ونادر خيري الدين ابو الجبين وأدارها الدكتور محمد علي الخالدي، الدكتور بيان نويهض الحوت الذي اشار الى أن الكتاب يحتوي على خمسة اجزاء يتناول الجزء الاول منها – فقط – طوابع فلسطين بدءا من العهد العثماني في القرن التاسع عشر حتى عهد السلطة الوطنية مرورا بمرحلة منظمة التحرير والتنظيمات والاتحادات في الشتات. ويحتل هذا الجزء الاساسي وعنوانه “البريد في فلسطين” أكثر من ثلث مساحة الكتاب. وتبرز “الميزة الاولى” للكتاب، بحسب نويهض فهو بالاضافة الى شموليته للمرحلة التاريخية والمواضيع والمناسبات كما نجد في الكتب المماثلة عن طوابع البلدان الاخرى يتمتع بابراز خصوصية فلسطين تاريخا ونضالا وقضية، أما الميزة الثانية فهي تتجلى في براعة الباحث في تعامله مع الطابع، فالطابع بين يديه كان السيد والحكم في تصنيف الدول العربية قربا أو بعدا عن فلسطين ابتدأ بـ”دول المواجهة”، مرورا بـ”دول المساندة”، اما سائر الدول العربية فلها عنوانان جامعان: “دول العمق العربي الأسيوي” و”دول العمق العربي الافريقي”. واعتبر أن “الميزة الثالثة” تظهر في القواسم المشتركة بين طوابع الدول بشكل عام، ودول المواجهة بشكل خاص فهذه القواسم لا تفارق العين والذاكرة استناداً الى ما رافقها من تبويب وشروحات واسلوب في العرض، أما “الميزة الرابعة” للكتاب فهي تكمن في المادة التاريخية التي لم تظهر في دراسات ومؤلفات سابقة ولا حتى في الوثائق المتعلقة بفلسطين، لكنها هنا تظهر واضحة في الطوابع، مع حرص المؤلف على شرح الخلفيات التاريخية في مقدمات الفصول. ورأى أن “الميزة الخامسة” تكمن في الالتزام بالتسلسل التاريخي مع مراعاة التشتت الجغرافي فمن خلال طوابع فلسطين (1948 ـ 1193) وهي تشمل طوابع قطاع غزة تحت الحماية المصرية والضفة الغربية، في حين أن “الميزة السادسة” تظهر من خلالها مكانة الطوابع في عملية التاريخ فهي المؤرخ الصامت ذلك ان هذه الطوابع برسومها ورموزها وكلماتها المعدودة تروي ما لا يرويه المؤرخون. واعتبر الفنان الشاعر ان أن الطابع البريدي فن تشكيلي بامتياز، منذ نشأته الاولى وتطوره... فالطابع البريدي إنجاز في تشكيله في تصاميمه وتأليفه وعناصر تكوينه وخطوطه ورموزه وحتى اطاره وزخرفته التي تضبط محتواه وتؤطره ضمن رؤية بصرية محددة تهدف الى جمالية المشهد من ناحية وتوصيل رسالة مباشرة من جهة اخرى هي اقرب ما يكون الى فن “الملصق الاعلامي الهادف”. وقال: “ان غياب التوثيق لذاكرة هذا الشعب من كافة أوجه الثقافة، وبشكل مدروس وموثق، من مسرح وسينما وفنون وتشكيل، وكأننا شعب بلا ذاكرة بلا تراث بلا حضارة. في هذا الجو يطل علينا ابو الجبين من خلال مجلده “تاريخ فلسطين في طوابع البريد” ليذكرنا بالواقع المؤلم الذي نعيش فيه وينير لنا الطريق من خلال هذا الطابع الصغير بحجمه العظيم بمدلولاته وجمالية ألوانه ومحتوياته وكأني بهذا الطابع بؤبؤة العين التي ارى فيها فلسطين بأحلى صورها”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©