الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سباعية الذاكرة العربية

سباعية الذاكرة العربية
21 ديسمبر 2011 22:07
يشكل الشعر العربي تراثاً إنسانياً كبيراً، كما ويُعد ثروة ذات قيمة عليا من الفكر الإنساني البديع، كونه نتاج عقول ناضجة رشيدة، ورؤى ومشاعر إنسانية صادقة، ولهذا بقي هذا الشعر العربي خالداً إلى يومنا هذا رغم توالي القرون المتعاقبة. وللشعر القديم دورٌ معروف لأنّه البنيّة الأساسيّة التي لا بُدّ من الرجوع إليها والاعتماد لكل دارس للأدب بعامّة وللشعر بخاصّة، بل لا بُدّ منه لكل من له صلة باللغة العربية: تعلُّماً أو تعليماً، أو كتابة أو إلقاء أو تعاملاً؛ فهو لازم للمتعلمين والمعلمين والكتاب والمحامين والإعلاميين: كاتبين أو مسموعين أو مرئيين. أما المعلقات الشعرية المشهورة في الأدب العربي القديم ـ العصر الجاهلي ـ فهناك آراء شتى قيلت في تسميتها بهذا الاسم منها: لأنّهم استحسنوها وكتبوها بماء الذهب وعلّقوها على الكعبة، وهذا ما ذهب إليه ابن عبد ربّه في العقد الفريد، وابن رشيق القيرواني وابن خلدون وغيرهم، يقول صاحب العقد الفريد: “وقد بلغ من كلف العرب به ـ يقصد الشعرـ وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيّرتها من الشعر القديم، فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة، وعلّقتها بين أستار الكعبة، فمنه يقال: مذهّبة امرئ القيس، ومذهّبة زهير، والمذهّبات سبع، وقد يقال: المعلّقات”. كذلك اختلف الدارسون حول تحديد زمن العصر الجاهلي أو كما يُطلق عليه آخرون عصر ما قبل الإسلام من فترة ظهور الإسلام، ومنهم الدكتور شوقي ضيف، والدكتور عفيف عبدالرحمن، والدكتور إبراهيم مصطفى وغيرهم، فقد استند عفيف إلى حقيقة تاريخية نقضت تحديد إبراهيم مصطفى، إذ أخذ برأي القائلين إنّ عُمر الجاهلية قرن ونصف، وحُجته أنّ “حرب البسوس” وهي حرب مشهورة دامت أربعين سنة، وحددت بدايتها ونهايتها بشكل ظني، على يدّ المنذر الثالث الذي عقد الصلح بين الحيّين: بكر وتغلب، وكان ذلك في حوالي 525م. وبغية الوقوف على “المُعلقات وعيون العصور” كما أسمى الدكتور سليمان الشطي كتابه الصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة (380)، عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، فقد تناول فيه القصائد السبع الطوال “المعلقات” وذلك عبر مرورها على عيون العصور المـتأملة لهذه النصوص الشعرية القديمة منذ أن اعتلت عرش الذاكرة العربية، فشغلت الناس منذ صدر الحضارة العربية حتى يومنا هذا. توزعت مفردات كتاب “المعلقات عيون العصور” من مقدمة، وتمهيد، وسبعة فصول. حيث بدأ المؤلف كتابه بالمقدمة ـ في البدء نقول ـ جاء فيها قوله: “مثل عسل منحدر من كل زهرة بريّة تتجمع حوله هجمة المتذوقين للشعر الجاهلي، هكذا كانت هذه القصائد السبع المشهورة بالمعلقات، هي قصائد متميزة، لا يشك أحدٌ في هذه الحقيقة. ولا يشك أحدٌ أيضاً في أنها لا تتفرد وحدها بالحُسْن، فكما أنّ في كلّ مجال حظوظاً تتقسم بن الناس والأشياء، فإنّ حظوظ هذه القصائد ارتفعت على قصائد أخرى تشاركها في المستوى، ولكن عنق حظها لم يرتفع إلى الأعلى، فقد كانت عبقرية المختار الأول...”. بين الاسم والعدد عقد سليمان الشطي الفصل الأول من كتابه للحديث عن “المعلقات بين الاسم والعدد”، ناقش فيها الآراء التي قيلت في حق هذه الكنز ألأدبي القديم ـ المعلقات الشعرية ـ لأنها من الأسماء المسكوت عنها زمناً، على الرغم من شهرة القصائد نفسها بين الناس. وعرض لإشارتين توفرت بين يديه، الأولى وردت في النسخة المنسوبة إلى أبي سعيد الضرير من رجال القرن الثاني والثلث الأول من القرن الثالث للهجرة، والنص الثاني أورده أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر (ت 280هـ). وبعد أن عرض تلكم الآراء وناقشها، ذكر أن اسم المعلقات ظلّ غائباً مستوراً في خزانة الزمن حتى جاء ابن النحاس (ت 338هـ) ليشرح هذه القصائد ـ المعلقات ـ ويشير إليها باسم القصائد السبع نافياً إشاعة أو قصة التعليق. بعدها قدم مؤلف الكتاب في هذا الفصل لذكر قصة تعليق المعلقات على أستار الكعبة المشرفة، وأقدم إشارة للتعليق جاءت على لسان ابن الكلبي. بعدها عرض لعدة آراء ومتكلمين حول اسم وعدد المعلقات كأبي العلاء المعري (ت 449هـ)، وابن رشيق القيرواني (ت 456هـ)، وابن شرف القيرواني (ت 460هـ)، وأبو البركات كمال الدين عبد الرحمن الأنباري ( ت 577هـ)، وياقوت الحموي (ت 626هـ)، والبغدادي (ت 1093هـ). ثم عرض لمناقشات المعاصرين للمعلقات نحو المستشرق الألماني ثيودور نولدكه، والفريد فون كريمر، ولمصطفى صادق الرافعي ومحمد خضر حسين وأحمد محمد الحوفي وشوقي ضيف وغيرهم. ثم تحدث عن المؤيدين لتعليق المعلقات على الكعبة مثل احمد حسن الزيات ومحمد هاشم عطية وبدوي طبانة ونجيب البهبيتي وختم الفصل الأول بوقفة لهز شجرة القضية وهي إذا القصائد السبع، وهي قصائد سبع محددة وأسماء أخرى. تحت عنوان “في البدء كانت الشروح” جاء الفصل الأول للكتاب حيث تناول فيه المؤلف لبواكير شروح القصائد السبع حيث استشهد بحكايات قديمة للبطليوسي ولعبيد راوية الأعشى. وذكر أنّ أبا سعيد الضرير، وأبو جابر هما أقدم مَن قدما نصّ مشروح عن المعلقات الذي عرض لهما بالتفصيل مع بيان طريقته في الشرح، أعقبه لذكر الشرح ـ المعلقات ـ في القرن الرابع الهجري لعدد من النقاد القدامى، مشيراً بعده لشروح المعلقات بعد القرن الرابع الهجري. ثم عرض في الفصل الثاني “نظرات تعليمية: شروح الدواوين” بدأها بالشروح التعليمية للمعلقات مشيرا إلى أن العلماء والمربين والمعلمين ومن يقوم مقامهم قد سعوا إلى تقريب هذا الشعر وتنقية معارفه الكثيرة والمتشعبة في إطار يتيح للمتعلم إدراك الأسس الأولية لهذا النص الشعري. وأشار إلى أن الكتاتيب كانت تعلم المبادئ من العربية وما يحيط بها من معارف. كما ذكر أن شروح الشعر الجاهلي قبل ظهور هذه الحاجة التعليمية تنحصر مهمتها في إيراد كل ما يتعلق بالنص من معلومات لغوية وتاريخية وبلاغية مع إيراد الخلافات حول رواية النص وتفسيره وفق كل رواية. ثم عرض للمنهج التعليم الفني عند الأعلم الشنتمري (410 ـ 476هـ)، ثم فصل بالشرح والشواهد للمنهج اللغوي التعليمي عند البطليوسي، وثالثاً لمعلمين مُلفقين هما التبريزي والجواليقي. نصّ المعلقات خصص الفصل الثالث للحديث عن “نصّ المعلقات بين يدي الثقافة اللغوية”، ويرى الشطي أن كل ناقد أو مجموعة من النقاد نظروا إلى القضية من زاوية مختلفة، فالناقد الإنجليزي (أ. أ. ريتشاردز) ركز على دلالة الألفاظ وتطورها. بينما أتضح المنهج اللغوي عند أصحاب المنهج الموضوعي الذين ركزوا على دراسة الأثر الفني ككائن مستقل تُدرس خصائصه بعيداً عن شخصية الأديب والعوارض الخارجية... مشيراً إلى أنّ الشروح العربية القديمة للشعر، اعتمدت أساساً على الفهم اللغوي للنصّ، هذا الفهم الذي تكون أبسط صوره شرح المفردات ثم تتعمق النظرة لتصل عند النقاد البلاغيين إلى مستوى عميق بالغ الجودة كما تمثلت في نظرية النظم عند عبدالقاهر الجرجاني. كما تناول بالتفصيل ولذكر شواهد لمناهج عدد من اللغويين العرب نحو: ابن الأنباري، المنهج اللغوي وثقافة النصّ، ولابن النحاس: المهج اللغوي الخاص. و”الزوزني: نظرات فنيّة” هو عنوان الفصل الرابع لكتاب “المُعلقات وعيون العصور”، توقف فيه الشطي عند شارح المعلقات السبع الزوزني، الذي صهر كلّ المعلومات المهمة والمتعلقة بالنص ـ القصائد السبع ـ وسكبها في شرحه الموجز لها، فكان خير من مثل الانتقاء والتوازن والقدرة على التعبير في هذه القصائد. كذلك ذكر لمصادر الزوزني وخصائص الشرح والحسّ الفني عند الشرح، والحسّ الفني في شرح المفردات، والحسّ الفني في شرح المعنى، وبيان الملاحظات البلاغية عنده. نظرات نقدية تراثية قسم المؤلف مادة “نظرات نقدية تراثية” للفصل الخامس لكتابه، للحديث عن جملة قضايا تتعلق بالنظرة النقدية التراثية للمعلقات، لأنّ أي رصد للنظرية النقدية العربية لا تكتمل حلقاته إلاّ من خلال النظر إلى ما فعله الباقلاني ومن تابعه في دراسة الإعجاز القرآني. حيث أشار في هذا الفصل شارحاً بالتفصيل والشواهد الشعرية لـ: نظرات شاردة: نصوص المعلقات والنقاد، وللباقلاني: ومعلقة امرئ القيس. وجاء سادس فصول الكتاب بعنوان “المعلقات ونظرات العصر الحديث معلمون ومتذوقون”، ذكر فيه مؤلفه، إنّ الشارحين دخلوا إلى دنيا القصائد السبع والشعر الجاهلي بوجه عام حاملين معهم تراثاً ضخماً من الدراسات والتعليقات والمناقشات التي أثْرَت الجوّ الأدبي ومدت ساحله إلى آفاق عريضة وعميقة المدى. وقد وجه اهتمامه في هذا الفصل إلى اتجاهين سادا دارسي مرحلة الأحياء التي عرض لهما بالشرح والتمثيل وهما: الشروح التعليمية، والنظرات الذوقية. وختم مؤلف الكتاب الدكتور سليمان الشطي فصول كتابه بالفصل السابع “المعلقات ونظرات العصر الحديث”، وكما أشار فيه إلى أنّ المعلقات تبقى نصّاً مفتوحاً غنياً تنجذب إليه عيون العصور المتعاقبة فيقودها إلى مغامرة الرؤية في أغوار يتلألأ في داخلها عُمق الإبداع. وتحدث فيه عن المنهج الجمالي الأسطوري، والمعلقات والعقل الجمعي وكمال أبو ديب، والرؤى المُقنعّة، وأخيراً الجهاز النظري.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©