الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اختزال المعنى والعبارة

اختزال المعنى والعبارة
21 ديسمبر 2011 22:08
مع قصائد الشاعر السعودي عبدالعزيز الشريف في مجموعته التي صدرت مؤخرا “بين ماءين” ـ إصدارات نادي جدة الأدبي ـ نقرأ تلك الغربة الروحية التي فتحت له آفاق القصائد ومضت به ليتقصى ويتساءل ويخوض مجريات القول، تلك الغربة التي قد لا تظهر مباشرة في عبارات نصوصه لكنها جلية من خلال ما تحمله تلك النصوص من روح تواقة إلى الاكتشاف وجديدة بالسؤال، حتى والغموض يسكنها حينا، تلك الغربة التي يقودها نحو كل شيء يمر به فتكون الناقدة البصيرة العميقة وهي تتوغل في طرقات المدينة وفي عمق الأحلام، وفي مهب الحنين الدائم وبين شقوق الذاكرة بحزنها وفرحها وشجنها وغضبها، إذ لاتكف عين الشاعر عن مناقدة ماحوله، وعن رسم حدود لرؤاه حيث يلتقي الشاعر مع رؤيته في نص حديث في اشتغاله وأدواته، فالعبارة ليست تلك الجاهزة بل التي تختزل الكثير في صورتها الشعرية المكثفة ويشتغل عليها الشاعر حسب رؤيته للشعر في مدينته وهو يغرد “المدن لغة الغرباء وأنشودة المتعبين”، والصورة التي تدهشنا في قصيدة تشبع: “لكنه بعد منتصف الليل نام فوق اليقظة”، وهو يستغرق في سريالية الصورة الشعرية وجدتها وكل ما يعنيه هو التقاط تلك الصورة الجمالية حتى وهو يكتب عن لحظات معتمة قد تعتري روح الشاعر فيضيء بها ولها مساحات مخبوءة. الشريف في مجموعته شاعر غاضب وحزين وثائر ومتمرد لايتوقف عن الدخول بنا في عوالم تقرأ الواقع بعين حقيقية حتى لو أشتدت العبارة “ملعون لوح قبيلتنا.. وتراتيل الأعمى المتجسد يشهد وهو لا يبصر.. يبصم على جدار الشهوة بالشهوة”، ويتسع به الفضاء إلى واقعه العربي حيث الصورة أوسع، لكن الألم مشترك ففي رائحة الدم يقول: “قانا خذي قميص العربي اختبئ كخيط أجنحة النور انطلقي كنطفة الرحم”. وفي نهاية هذا النص يحتم موضوع النص على الشاعر تلك السوداوية حيث يقول: “الدماء تقلب رفة الرماد، تفتح وجه الظلام، حيث تسكن الرفات وقانا نهار نحمله كحلم أبيض، نصرخ الطلاء حول أعناقنا.. نئن.. نئن.. ولدنا لنموت”. وفي قصيدة تحت عنوان “الغرفة 1309” حيث الصباح أخرس والبياض كفجور الأسوار يقول: “ثم يمضي نحو جفاف ذبيح يطلق سواد العقم العربي” ويبقى الكلام رغبة جارفة يفك بها الشاعر كل العثرات كي يقول ويقول: “أشهد أن الكلام يزيد علي دورة النهار وأن الأزقة تعري نعشها تدخل موسمين كمدن النحاس ملتفة بالضياع”، ضياع القيم وشعور الشاعر بسقف أعلى لسماواته لكنه لا يمل ولا يكل كأنما هو في نضال فريد مع الأوثان التي تصنعها الحياة والمفاهيم الجامدة. وفي قصيدة صديقي حيث “ملامح الغرباء أغنية النواصي وماتيسر من ثرثرة مدينة عجفاء” كل هذا في لغة حديثة ونصوص قصيرة لقارئ يتحرى المتعة والدهشة وبين ماءين حيث المكان جغرافيا مفتوحة التأويل ويمكن ان تعتمل كمرآة تعكس ذواتنا جميعا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©