السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات تنبض بالحنين وروح المكان

حكايات تنبض بالحنين وروح المكان
21 ديسمبر 2011 22:08
احتضن مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الثامنة التي أقيمت في مدينة جميرا وفي مول الإمارات، عددا من الإسهامات الفيلمية الإماراتية التي قدمتها مواهب سينمائية محلية لتوثق من خلال هذه الأفلام حكايات وصورا تنبض بأصداء وألوان وتفاصيل المكان، في محاولة متجددة من أجل ترجمة التطور الذي طرأ على هذه الأفلام تقنيا وموضوعيا ومن خلال أنماط تعبيرية مختلفة مثل الأعمال التسجيلية والأخرى الروائية القصيرة، والتي انتبهت جيدا لحضورها وتأثيرها في مستقبل السينما المحلية، وكذلك لقيمة ما تقدمه في مهرجان كبير مثل مهرجان دبي السينمائي والذي بات يستقطب أسماء وتجارب سينمائية عريقة ومتقدمة في هذا الحقل البصري الشاسع والمتشعب والعميق أيضا في أطروحاته وغاياته الثقافية والإنسانية والجمالية. الأفلام الإماراتية التي استقبلها المهرجان تنافست ضمن مسابقة أطلق عليها المهرجان (مسابقة المهر الإماراتي) استنادا إلى شعار المهرجان الذي يحمل صور مهر مندفع نحو واقع سينمائي جديد مبشر في المنطقة، ومسابقة المهر الإماراتي وحسب تصريح لمسعود أمر الله آل علي المدير الفني للمهرجان هي مسابقة تؤكد على عهد المهرجان بدعم وتطوير الجهود السينمائية المحلية التي باتت تكبر وتتطور مع تطور المهرجان نفسه، وأكد أمر الله أن الجهد المبذول في مهرجان دبي هو في الأصل وبالدرجة الأولى مكرس لخدمة الواقع السينمائي المحلي، وأضاف أمر الله: “إن الصوت الذي يخرج من الصالات الداكنة يجب أن يحمل نكهة إماراتية واضحة، وأن المتلقي يجب أن يضعها في سياقها الصحيح قياسا بعمر التجربة القصيرة، وكثافة المحتوى المتباين من أفكار ومواضيع خارجة بحب وصدق من جغرافية هذا المكان”. ووصلت الأفلام المشاركة في مسابقة المهر الإماراتي إلى 13 فيلما توزعت بين الوثائقي الطويل والروائي القصير وتنوعت مدارسها ومناهجها وأدوات صنعها، وهذه الأفلام هي: “أمل” للمخرجة والشاعرة نجوم الغانم، و”آخر ديسمبر” للمخرج حمد الحمادي، و”الفاكهة المحرمة” لسارة العقروبي، و”أطفال” لمحمد فكري، و”عبير” لطلال المحمود، و”بصيرة” للمخرجين: ناصراليعقوبي وأحمد زين، و”الدخيل” لماجد المنصوري، و”لندن بعيون امرأة محجبة” لمريم السركال، و”آخر أمل” لإبراهيم المرزوقي، و”اللون المفقود” لراوية عبدالله، و”لحظة” لمحمد المري، و”موت بطيء” لجمال سالم، وأخيرا “رائحة الجنة” للمخرج محمد سويدان. وهنا عرض لنماذج من هذه الأفلام والتي حاول مخرجوها أن يستنطقوا رؤاهم البصرية من خلالها ويقدموا حكاياتهم بلسان الكاميرا التي حركوها بدافع فني يعبر عن قيمة ومغزى الحدث المرصود، ويحفزهم في ذات الوقت على إطلاق مواهبهم في فسحة بصرية تستحق ما يوازيها من جهد ومكابدة واشتغال. ففي الفيلم الوثائقي “بصيرة” الممتد زمنه إلى أربعين دقيقة ارتحل المخرجان أحمد زين وناصر اليعقوبي نحو بصيرة البحار الأعمى الذي اخترق كل الحواجز الممكنة وتحول إلى أشهر بحار وصائد للأسماك في إمارة رأس الخيمة، حيث يقودنا الفيلم وبواقعية ملاصقة تماما للمغامرة الكبيرة والمحفوفة بالمخاطر التي يعيشها هذا البحار في رحلاته المتواترة إلى عمق البحر، والذي يبدو أن هناك شغف عميق وحب آسر يجمعه بهذا الأزرق الكبير، وعندما ترتحل الكاميرا مع البحر إلى مجهوله ومفاجآته نكتشف ونلامس تلك التفاصيل الصغيرة التي تعبر عن شخصية إنسانية شفافة ومرحة رغم معاناتها الطويلة مع الإعاقة، وتقترب الكاميرا كثيرا من الانشغالات الذهنية والجسدية لهذا البحار العتيد، الذي يرفض الراحة والجلوس في البيت حتى لا يفوته هدير المياه وملمس الخيوط وارتعاش السمكة التي يصطادها بيديه، حالة وموقف وقصة كان يجب توثيقها، لأنها تعبر عن عشق أزلي بين أهل الإمارات وبين البحر الذي صادقوه وأضاءت أرواحهم من زيت محبته البعيدة، والقابعة في عمق الذاكرة وفي منتهاها. وفي فيلم “آخر أمل” وهو فيلم روائي قصير للمخرج إبراهيم المرزوقي يروي لنا المخرج من خلال كاميرا محايدة وضاجة بصمتها، حكاية شاب يبحث عن خلاص لروحه المعذبة، ويحاول أن يقدم جسده كأضحية لمرارات وخسارات كثيرة احتشدت فيه ودفعته لخيار اليأس المطلق، وفي بيئة جبلية قاسية وقرب ساحل مهجور تتبعثر خيالات هذا الشاب وتتحطم دون أن ينطق بكلمة، لأن ما يحمله في داخله من أسى يكفي لتعطيل كل الحواس الباقية فيه، وبين فكرتي الموت والحياة، تخبرنا الكاميرا في نهاية هذا الفيلم القصير أن ثمة أملا يتأرجح على خيط خفي ولكن المشكلة تظل ماثلة في اتخاذ القرار الصائب وسط دوامات هائلة من الألم والانكسار وفقدان المقاومة الداخلية لضغوط خارجية قاسية ولا تعرف الرحمة. في فيلمها الروائي القصير “الفاكهة المحرمة” تتناول المخرجة سارة العقروبي حدود الحرية الشخصية للمرأة وجزاء وعواقب الإفراط في هذه الحرية وسط مجتمع محافظ ومحاط بتقاليد موروثة لا يمكن تخطيها وكسرها من خلال نزوة عابرة، أو طيش زائل، ترافق الكاميرا هنا شابة مراهقة تهرب خلسة من منزلها وتذهب لتجمعات ليلية مختلطة وموبوءة بالشرور والعواطف المتطرفة، وعندما تمضغ الفتاة الفاكهة المحرمة في هذا التجمعات، ينتهي بها المطاف إلى دائرة مغلقة من الوهم والحرية المعطوبة والقائمة على زيف اجتماعي وشرخ داخلي عميق ومزمن. أما المخرج حمد الحمادي فقدم في فيلمه الروائي القصير “آخر ديسمبر” حكاية مؤلمة ومؤثرة حول رجل لا يستطيع مغادرة ذاكرته الحميمة، وأماكن الطفولة المستعادة، ويظل أسيرا لخيالاته البعيدة، ورافضا لهجمة الحداثة العمرانية بكل جبروتها وإملاءاتها، وفي ذات الوقت نرى ابنته العانس وهي تعتني به أو بما تبقى من اتزانه العقلي كي تعيش هي الأخرى معاناة من نوع مختلف، ولكن ما يجمع الاثنين ويضعهما في دائرة مشتركة هو: “النقص”، فالبنت تعاني من نقص اجتماعي لم تختره طوعا، وما ينقص الأب هو التكيف مع ظروف ومستجدات الزمان والمكان معا، واستطاع المخرج حمد الحمادي من خلال فيلمه المعبر هذا أن ينقل لنا الحالة الداخلية المتأزمة للشخوص، وأن يوظف الأمكنة الآيلة للنسيان لتكون سندا وترجمانا لهكذا قصص إنسانية خافية ومتوارية في مكمنها البعيد والمحتشد بالتيه والكتمان والعذابات الجائرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©