الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دباغة الجلود.. إبداع مصري عمره ألف عام

دباغة الجلود.. إبداع مصري عمره ألف عام
11 ديسمبر 2012
“سور مجرى العيون” و”زقاق السلطان” و”الحارة الكبيرة” كلها أسماء لأماكن دباغة الجلود في منطقة مصر القديمة بقلب مدينة القاهرة، التي اشتهرت بهذه المهنة منذ ما يزيد على ألف سنة، وأصبحت في السنوات الأخيرة واحدة من أبرز الأماكن التي يحرص السياح على زيارتها للاستمتاع بمشاهدة حرفة يدوية لا تزال تمارس بالأساليب القديمة ذاتها. ورغم ما يعانيه الدباغون من مشكلات صحية تتعلق بطبيعة المهنة إلا أنهم ماضون على طريق الآباء والأجداد في ممارستها وصناعة الجلود منها. (القاهرة) - تضم منطقة المدابغ في منطقة مصر القديمة نحو خمسة آلاف عامل يتوزعون على 540 ورشة ومصنعا صغيرا، يعملون يوميا على استلام جلود الحيوانات بمجرد ذبحها وسلخها عن اللحم وتحويلها إلى منتجات من الجلد الطبيعي بين حقائب ومعاطف وأحذية وحافظة نقود وأحزمة. وهناك منتجات تتم صناعتها خصيصا وفقا لرغبات الزبائن حيث يحرص بعضهم على أن تحمل بعض المنتجات الجلدية رموزا تراثية وتاريخية من مراحل الحضارة الفرعونية والإسلامية والرومانية في مصر، ويتفنن الصناع بنقشها على الجلود لتحاكي ذلك الإرث التاريخي. مواسم الانتعاش حول مواسم انتعاش الدباغة، يشير مجاهد عبدالرحمن، الذي ورث مهنة الدباغة عن والده، ويعمل بها منذ كان طفلا في التاسعة من العمر، إلى أن عملية دباغة الجلود تتواصل على مدار العام حيث تعتمد غالبية المدابغ على ما يأتي من السلخانات والجزارين بعد ذبح الأبقار والجاموس، ولكن هناك موسما سنويا ينتظره أصحاب المدابغ وهو عيد الأضحى من كل عام حيث تكثر الذبائح ومعها تكثر جلود الحيوانات ما يهبط بأسعارها إلى النصف تقريبا لكثرة المعروض. ويوضح “في الأيام العادية نشتري جلد البقر والجاموس من السلخانة بأسعار جيدة ولكن تلك الأسعار تنخفض إلى النصف تقريبا في فترة عيد الأضحى ولمدة شهرين أو ثلاثة بعده لكثرة المعروض”. ويؤكد سعد أبوزيد أن الدباغة صعبة ولا يتقن أسرارها إلا من التحق بها في سن صغيرة، ولذا فغالبية العاملين بها توارثوها عن آبائهم وأجدادهم. وهي تحتاج إلى أن يتمتع العامل بالصبر وقوة الملاحظة وحسن التصرف في المواقف الصعبة من واقع الخبرات التي تعلمها واكتسبها ممن سبقوه وأسرار المهنة كثيرة، وكل “دباغ” حريص على ألا تخرج أسرار ورشته بعيدا عن أفراد أسرته، ولا يأتمن إلا أبناءه وأقاربه عليها فيعلمهم ويعهد لهم دوما بإنجاز الأعمال المختلفة من تنظيف الجلد ودباغته وتفصيله. ويقول أبوزيد إن الجلد يمر بمراحل في المدبغة تصل إلى 18 مرحلة حتى يكون جاهزا للصناعة، وتبدأ المراحل بعد عملية الذبح وفصل الجزار للجلد عن لحم الحيوان، وبمجرد أن يصل الجلد إلى المدبغة يوضع في الملح لمدة 10 أيام حتى لا يتعفن، ثم في دائرة حلزونية الشكل، ويتم وضع مواد كيميائية عليه وحجر جيري لمدة تتراوح من 10 إلى 12 ساعة حسب نوع الحيوان فالأبقار والجاموس والجمال تحتاج جلودها إلى ساعات أكثر من جلود الخراف والماعز. ويضيف “الاستعانة بالحجر الجيري مهمة لنزع شعر الحيوان من الجلد، وتنظيفه جيدا، ثم تبدأ مرحلة إزالة قطع اللحم والدهن الصغيرة العالقة في الجلد، ثم يغسل الجلد بماء نظيف، وتلي ذلك عملية ضرب الجلود بوضعها في حمام ماء مخلوط بمحاليل حمضية بمقادير مختلفة حسب طبيعة الجلد لإتمام تنظيفه نهائيا من أي شعر أو دهن، ثم عمليات الدباغة التي لا يتقنها إلى الصناع المهرة بما يملكون من خبرات فالمقادير هنا ووقت بقاء الجلود في المنقوع أمر بالغ الدقة، وأي تغيير يأتي بنتائج سلبية ويؤدي إلى فشل العملية وإتلاف الجلد”. طرق الدباغة حول طرق الدباغة، يشير سمير أيوب إلى أن هناك أربع طرق رئيسة للدباغة فهناك طريقة الدباغة النباتية التي تتم في أحواض كبيرة مملوءة بمحاليل الدباغة والتي تحضر من الماء ومادة التانين. وتستغرق من شهر إلى ثلاثة، ولكن الجلود السميكة قد تتطلب دباغتها سنة كاملة. وتتميز الجلود المدبوغة بأسلوب الدباغة النباتية بصلابتها ومقاومتها العالية للماء بالمقارنة بالجلود المدبوغة بالكروم. والجلود المعاملة بالدباغة النباتية يتم تشبيعها بمواد مثل الزيوت والدهون وهذا التشبيع يجعلها طاردة للماء وأكثر مقاومة لكل العوامل وتستخدم الجلود المدبوغة بالطريقة النباتية في تجليد الكتب وصناعه السيور الثقيلة للآلات وتستخدم الدباغة النباتية النقية في صناعة بعض الجلود الخاصة، مثل جلد الريحان المصنوع من جلود الأغنام وبعض جلود البقر والنعام ووحيد القرن وكلب البحر. ويقول أيوب “الطريقة الثانية في الدباغة هي الدباغة بالكروم وتجري باستخدام محلول دباغة من أملاح الكرومات حيث يتم أولا نقع الجلد في محلول من حمض الكبريتيك والملح، ويستمر لفترة ثم تزال الجلود وتغسل ويوضع الجلد في أسطوانات الدباغة المملوءة بالماء وكبريتات الكروم ما يكسب الجلد اللون الأزرق الفاتح أو الأسود، وتكون الجلود المدبوغة بالكروم أكثر مقاومة للحرارة والخدش وأكثر مرونة، وتستخدم الجلود المدبوغة في الكروم في صناعة الطبقة العلوية للأحذية والقفازات، والمحافظ والأمتعة وتنجيد المفروشات”. وهناك طريقة ثالثة في الدباغة، بحسبه، تعتمد على الخلط بين الطريقتين السابقتين وذلك لإنتاج جلود ذات خواص معينة مثل جلود الملابس الشديدة النعومة أو القفازات أو الطبقة العلوية للأحذية. والنوع الرابع من الدباغة يتم بالزيوت ويستخدم في جلد الشمواه المصنوع من جلود الماشية ويزال الصوف من جلد الماشية، ويتم بعد ذلك شق الجلد إلى طبقات، وتستخدم الطبقات القريبة من اللحم في صناعة الشمواه. ويشير صلاح الشافعي إلى أن تلك الطرق الأربع منتشرة في ورش سور مجرى العيون، ولكل ورشة ما يميزها في الدباغة وزبائنها الذين يقصدونها بالاسم والجلد بمجرد دباغته يجري تجفيفه عن طريق لصق الجلود على أسطح زجاجية أو رقائق معدنية، وقد تجفف الجلود أيضا بتثبيتها أو تدبيسها على ألواح خشبية كبيرة تحتوي على فتحات للتهوية، ثم الدخول في المرحلة الأخيرة الخاصة بالتشطيب؛ فيتم قصها وتصنيعها وفقا لمقاسات محددة وتوريدها إلى المحال والبازارات المختلفة. ويقول الشافعي إن ما يلاقيه مع بقية زملائه في حرفة الدباغة من صعوبات تكون بسبب المتاعب الصحية؛ فالمهنة تتم يدويا ويتعرض العاملون بها للاحتكاك المباشر مع الماء والمواد الكيميائية المستخدمة ما يجعلهم يستنشقون أبخرة تجلب لهم أمراضا تنفسية خطيرة، ناهيك عن معاناتهم في النزول إلى أحواض المياه في برد الشتاء، والمكوث بها لساعات في تنظيف الجلود وما يتعرضون له بسبب ذلك من سعال ونزلات برد. سور مجرى العيون ترجع نشأة سور مجرى العيون، التي تعتبر إحدى مناطق دباغة الجلود، إلى السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، الذي تولى الحكم من سنة 1169 إلى سنة 1193، وكان الهدف من بناء السور إمداد القلعة بالمياه مباشرة من نهر النيل كي لا يعاني الجنود الموجودون بها العطش، وكانت المنطقة في بادئ الأمر بعيدة عن الحيز السكني ما سمح للورش والمدابغ بالانتشار من حولها، ومع التوسع العمراني باتت تلك المدابغ في قلب الكتلة السكنية بالقاهرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©