الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

"مارد" التمويل الإسلامي يخرج من القمقم

"مارد" التمويل الإسلامي يخرج من القمقم
15 يونيو 2007 00:15
إعداد - محمد عبدالرحيم: ظل التمويل الإسلامي حتى وقت قريب بالنسبة لقطاع عريض من الأشخاص مجرد حديقة منعزلة ومتخصصة على خلفية الأعمال والأنشطة المصرفية العالمية، وعلى الرغم من أن مفهوم تفصيل الخدمات المالية على هوى المسلمين الملتزمين قد برز في الساحة الدولية منذ أكثر من ثلاثة عقود مضت فإن هذا النشاط ظل محصوراً في المصارف التجارية ويقتصر تركزه على مناطق بعينها مثل ماليزيا أو منطقة الشرق الأوسط· ويشهد التمويل الإسلامي في السنوات القلية الماضية نمواً متعاظماً مدفوعاً بشكل جزئي من تدفق السيولة المالية النفطية في الخليج والإعداد المتنامية للمسلمين الباحثين عن المزيد من المنتجات التي يقرها ويحللها الدين الحنيف· وكما يقول الشيخ حسين حسن المفكر الإسلامي في بنك دبي الإسلامي والوالد المؤسس لهذه الصناعة ''إن ما حدث يعتبر أمراً استثنائياً بكل المقاييس حيث لم يكن بإمكان أحد أن يصدق حدوث هذا النمو المتسارع قبل عقد أو عقدين من الزمان''· وكما ورد في صحيفة الفاينانشيال تايمز مؤخراً فإن التمويل الإسلامي لم يشهد ازدهاراً دراماتيكياً في حجمه في جميع أنحاء العالم فحسب بل أصبح أيضاً ميداناً ومنتدى لتطوير وأعمال بعض أكثر الاختراعات والابداعات المالية نشاطاً وفاعلية وقدرة على المواكبة· ولقد تمكنت هذه الصناعة من استقطاب مجموعة هائلة من المشتركين الجدد بمن فيهم المصدرون والمستثمرون من المسلمين وغير المسلمين في جميع أرجاء العالم وسلسلة أخرى من كبريات المؤسسات المالية الغربية· لكن هذا النمو الواضح في صناعة مازالت تتسم بالغموض والابهام بات يثير المخاوف بشأن ضرورة تطوير المزيد من اللوائح والقوانين التنظيمية والتوصل إلى أدوات اشرافية أفضل· يقدر اليكساندر ليز المدير الإداري لشركة أوليفر وايمان المتخصصة في مجال الاستشارات المالية إن هنالك موجودات بقيمة 300 مليار دولار تتم إدارتها وفقاً للمبادئ والتعاليم الإسلامية كما توجد أكثر من 280 مؤسسة - تتراوح ما بين البنوك التجارية والاستثمارية وصناديق التمويل الاستثماري - توفر المنتجات الإسلامية في جميع أنحاء العالم، وهنالك آخرون يضعون حجم الصناعة في مرتبة أعلى من ذلك بكثير إذ أن سلطة الخدمات المالية في بريطانيا على سبيل المثال قدرت مؤخراً حجم هذه الصناعة بنحو 500 مليار دولار بينما يقدر ستاندار آند بور الهيئة المتخصصة في تصنيف الموجودات أن سوق الصكوك وحده قد بلغت قيمته 70 مليار دولار وبات من شأنه أن يتجاوز سقف 160 مليار دولار بحلول نهاية العقد الجاري، حيث يقول ليز ''لقد شهد التمويل الإسلامي تطوراً استثنائياً من مجرد سوق متخصص معزول ليدخل في صلب الأعمال التجارية المصرفية الراسخة''· ورغم أن المصارف الإسلامية ما زالت تمثل واحدا في المائة فقط من الموجودات المصرفية العالمية فإن معظم المراقبين باتوا يرشحون استمرار تسارع وتيرة النمو في السنوات العديدة المقبلة حيث يقول نبيل شعيب رئيس خدمة أمانة العالمية ذراع التمويل الإسلامي في بنك اتش اس بي سي العالمي ''لقد شبت هذه الصناعة عن مرحلة الطفولة، ولكنها لم تصل بعد إلى نضوجها ومرحلة افراز كامل امكانياتها، ولكنها في خلال فترة ثماني أو عشر سنوات سوف تتمكن من الاستحواذ على نصف المدخرات في العالم الإسلامي والبالغ حجمها 1,6 تريليون دولار''· وهنالك العديد من العوامل الاقتصادية والسياسية التي ظلت تدفع عجلة هذا النمو إذ أن ما أصبح يعرف ''بالحرب ضد الارهاب بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد ساعد على تعزيز وترسيخ الشعور بالهوية الإسلامية في جميع أنحاء العالم الإسلامي وبشكل حفز العديدين للبحث عن سبل للاعراب عن قناعاتهم ومعتقداتهم الدينية· ثم تلا ذلك الارتفاع المتصاعد في أسعار النفط ليشعل ازدهاراً اقتصادياً غير مسبوق في منطقة الشرق الأوسط· وبلاشك فإن المطالب والاحتياجات الجديدة لإعادة تدوير هذه التدفقات النقدية الرأسمالية قد تمت مقابلتها بسلسلة من الابداعات والاختراعات المتخصصة في توفير المنتجات المالية الإسلامية وهي تقدم الحلول والمقادير اللازمة ولأول مرة لصناعة تمضي بقوة نحو التوسع والازدهار· فقبل سنوات قليلة مضت كانت الأعمال المصرفية الإسلامية مرتبطة ومتعلقة بأمثال بنك الراجحي في المملكة العربية السعودية المؤسسة التي حققت أرباحاً عالية بالاستفادة من التمويل المنخفض التكلفة - طالما أن معظم المودعين ظلوا سعداء بترك أموالهم في هذه البنوك دون توقع عائدات من حساباتهم المصرفية· ولكن وبمجرد أن أخذت هذه المصارف تشهد المزيد من التوسع ونجحت في اجتذاب الكثير من اللاعبين الجدد حتى أخذت سلسلة المنتجات المتوفرة للزبائن الإسلاميين تشهد انتشاراً فطرياً غير مسبوق· وبرغم التكلفة العالية للهندسة المالية المطلوبة لجعل الأدوات والأجهزة تتوافق بشكل كلي مع تعاليم الشريعة والقوانين والمبادئ الإسلامية فقد أشار الخبراء إلى أن الصناعة أصبحت تتسم بقدر عال من التنافسية وبخاصة في ظل عدم احتياج الزبائن على الإطلاق لدفع أسعار عالية مقابل المنتجات المالية الإسلامية· إذ يشير سايروس ارولان رئيس إدارة الأسواق الناشئة في بنك باركليز كابيتال إلى أن جميع الأدوات والوسائل التقليدية قد تمت إعادة صياغتها الآن وفقاً للطريقة الإسلامية· وهو الأمر الذي بات يعني أن التعاملات المالية لن يصبح بإمكانها أبداً أن تؤدي إلى تمويل الأنشطة المحرمة والممنوعة - بما في ذلك الاتجار في الخمور أو ممارسة القمار على سبيل المثال - وأنها يجب أن تعتمد كلياً على التعاملات المالية الحقيقية والواقعية المموسة مثل تبادل السلع· وكما يقول ارولان ''إن الأمر في مجمله بات يتعلق بالهيكلة كما أن الأشخاص أصبحوا الآن يتبنون مدخلاً يتسم بالمزيد من المرونة تجاه متطلبات وشروط الشريعة الإسلامية''· على أن هذه المرونة بالذات هي التي باتت تخلق نوعاً من الأرباك والاحباط في أوساط المتحمسين أنفسهم وتغذي موجه من الشكوك بشأن القطاع الإسلامي· لذا فقد ظل السؤال يتمحور حول مدى اعتبار انعكاس المنتجات الحالية وعائداتها في داخل الهندسة المالية التقليدية سوف يمثل أساساً وقاعدة مناسبة تنطلق منها هذه الصناعة· وكما يقول محمد نضال الشعار الأمين العام لمنظمة المحاسبة والمراجعة لمؤسسات التمويل الإسلامي التي تتخذ من البحرين مقراً لها ''إنها صناعة ناشئة لا تزال في مرحلة الطفولة وتشهد نمواً متسارع الوتيرة وهو أمر جيد وسيء في نفس الوقت· لذا يتوجب علينا الشروع والبدء في توفير الإبداع والاختراع من الداخل ونحن لا نرغب أبداً في محاكاة الصناعة التقليدية''· وعلى المستوى العملياتي على أرض الواقع وفي الوقت الذي تشهد فيه الصناعة المزيد من التقدم إلى الأمام بخطوات ثابتة فإن بعض البنوك وهيئات التصنيف والسلطات التنظيمية بدأت تساورها المخاوف من أن يمضي النمو في الصناعة بخطوات تتجاوز وتسبق اكتمال البنية التحتية التنظيمية والإشرافية والمحاسبية· وكذلك فقد ظل التمويل الإسلامي يكتسب معظم ديناميكيته وزخمه في منطقة الشرق الأوسط حيث تعاني المؤسسات في كثير من الأحيان من فقر وضعف الشفافية· وعلى كل، فإن تاريخ التمويل الحديث طالما انطوى على العديد من أمثلة الازدهار والتراجع التمويلي حيث اندفع الممولون بكثافة في أسواق جديدة لم تشهد الاستقرار والنضوج وبشكل تمخضت عنه العديد من الفضائح المالية اللاحقة عندما تبين أن هنالك العديد من الممارسات التجارية المخلة التي صاحبت هذه الحمى الاستثمارية· وفي الوقت الذي لم يشهد فيه التمويل الإسلامي أيا من الفضائح المالية الكبرى حتى الآن فإن الازدهار الذي تمضي به هذه الصناعة قد جاء في وقت تضخمت فيه فقاعة الائتمان في أسواق المال العالمية· إذ يقول أحد كبار المصرفيين في قطاع الاستثمار ''إننا نشهد الآن فقاعة ائتمانية حيث أصبح بإمكان الشخص أن يبيع أي شيء لشخص آخر بما في ذلك قطاع التمويل الإسلامي· لذا فقد أصبح من المؤكد أن يعمد الأشخاص إلى طرح أسئلة صعبة بشأن طبيعة الممارسات المالية في قطاع التمويل الإسلامي''· الصيرفة الإسلامية تسيطر على الساحة المصرفية السعودية عمد البنك الاهلي التجاري الأكبر من نوعه في المملكة العربية السعودية في عام 1991 إلى تحويل أحد فروعه الخاصة بأعمال التجزئة التقليدية ليصبح متخصصاً في الأنشطة المتوافقة مع الشريعة في خطوة تهدف لاختبار سوق التمويل الإسلامي· ولكن وبحلول العام 2004 تأكد بما لا يدع مجالاً للشك عطش الدولة المحافظة على المنتجات الإسلامية قبل أن يتخذ البنك قراراً بتحويل جميع فروع التجزئة البالغ عددها 260 فرعاً لكي تعمل بشكل حصري في العمليات الإسلامية· وكما ورد في صحيفة فاينانشيال تايمز فإن هذه الخطوة التي اكتملت في العام الماضي سلطت الضوء على الطلب الهائل على المنتجات الإسلامية في المملكة السعودية إلى درجة أن الخدمات المتفقة مع الشريعة أصبحت الآن تهيمن على السوق المصرفي للمستهلك· وربما تكون المملكة السعودية أكثر الدول الإسلامية المحافظة إلا أن قطاعها المصرفي ظلت تهيمن عليه البنوك التقليدية· وحتى وقت قريب لم تشهد الدولة مصرفاً يعمل بالكامل كبنك إسلامي سوى بنك الراجحي· على أن البنوك التقليدية نفسها استمرت توفر منافذ إسلامية قبل أن تنطلق الأعمال المصرفية المتوافقة مع الشريعة، خلال العقد الماضي· وبحلول نهاية العام 2000 بلغ اجمالي الائتمان المصرفي في القطاع الخاص 196 مليار ريال سعودي ذهب منها مبلغ 58,7 مليار ريال إلى الموجودات المتوافقة مع الشريعة· أما بحلول نهاية العام 2006 فإن هذه الأرقام شهدت نمواً متسارعاً إلى مستوى 277 مليار ريال في الموجودات الإسلامية كما يقول جاويد أحمد المدير العام لخدمة أمانة في البنك السعودي البريطاني، بل أن سوق التجزئة للاقراض قد شهد طفرة درامتيكية منذ نهاية حقبة التسعينيات بعد أن قفزت قروض الزبائن من مستوى 9 مليارات ريال في نهاية العام 1998 إلى حوالي 190 مليار ريال استخدم معظمها في الموجودات الإسلامية· ويعزو بعض المصرفيين هذا النمو الهائل إلى عدد من العوامل المشتركة بمن فيها الازدهار غير المسبوق في إيرادات النفط والنمو القوي في سوق الأسهم قبل عمليات التصحيح الدراماتيكية في العام الماضي والطلب المتنامي على القروض من الشباب الذي تزامن أيضا مع وفرة المنتجات الإسلامية المقدمة· وقبل سنوات قليلة كانت التسهيلات الرئيسية المتوفرة في قروض التجزئة تعمل عبر نظام عرف باسم ''المرابحة'' حيث يعمد البنك إلى شراء أحد الموجودات لصالح الزبون الذي يقوم بدوره بدفع أقساط على سعر للربح متفق عليه· وأدى هذا الأمر إلى استغلال النجاح الذي تحقق في سوق الأسهم والاندفاع في شراء السيارات بواسطة القروض قبل اللجوء إلى إعادة بيع هذه السيارات ببساطة من أجل الحصول على المبالغ النقدية، إلا أن السلطات شرعت الآن في تطوير مرافق وتسهيلات جديدة لهذه القروض· بيد أن التراجع اللاحق الذي شهدته أسواق الأسهم في المملكة واللوائح التنظيمية الجديدة للقروض قد أدت بحتمية إلى تباطؤ النمو في قروض التجزئة في العام الماضي· ولكن المصرفيين يتوقعون استمرار التوسع في القطاع مع نمو قوي في مجالات جديدة من بينها سوق تمويل المنازل بعد أن عكفت الجهات التنظيمية على وضع قانون جديد لمنتجات الرهن والذي سيتم صدوره في وقت لاحق من هذا العام· وإلى ذلك فقد شهدت المملكة السعودية نمواً متعاظماً فيما يعرف بـ ''الصكوك'' أو سوق السندات الإسلامية بعد أن باتت القوانين تسمح للشركات السعودية بإصدار الصكوك لأول مرة بعد إجازتها في العام الماضي· ومنذ ذلك الوقت تمكنت شركة سابك العملاقة في مجال البتروكيمياويات من اصدار أول صكوك مؤسساتي في الدولة بقيمة بلغت 800 مليون دولار قبل أن يتبعها الآخرون في هذا المجال·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©