الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوحدة أساس مجد الأمم والاختلاف آفة تعجل بتدميرها

الوحدة أساس مجد الأمم والاختلاف آفة تعجل بتدميرها
22 ديسمبر 2011 19:58
مما لا شك فيه أن وحدة الأمة عماد لنهضتها، بها عزت وسادة في تاريخها وماضيها، ولن تبلغ المجد في حاضرها، إلا بتمسكها بالسير في هذا الطريق، طريق الوحدة والترابط، الأخوة والتماسك. ولا غرابة إن قلنا إن الشقاق والاختلاف الذي هو نقيض للوحدة آفة تعجل بدمار الأمة ومعول يقوض دعائمها، ومن ثم فإن القضاء على هذه الآفة، التفرق والشقاق، هو اللبنة الأساسية التي بها تسلم الأمة مما يهددها، ومن ثم يكون الطريق إلى تحقيق الوحدة فيها. ولكي يتحقق ذلك لا بد أن يراعي المسلم أموراً عدة أخص منها في هذا الموضع أمرين: الأول التزام الحكمة في معالجة أسباب الخلاف، وما ذلك إلا لأنه بقدر ما يوهب المرء من حكمة وسداد في الرأي بقدر ما يؤتى من التوفيق في معالجة الأمور. وقد علمنا الوحي المعصوم كيف نواجه الآراء المشتجرة، وكيف نناقشها في حرية واستفاضة بغلاف من الحكمة واللين حتى يتبين الحق لمن غابت عنه معالمه، وغمضت عليه دقائقه، ومن ثم كان قول الحق سبحانه في سورة سبأ، «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين». عودة إلى الصواب فأخذ العلماء من هذه الآية أن المسلم الحق هو الذي يمنح المخالف، فرصة يقف فيها مع نفسه، لعله يفيء إلى الحق ويعود إلى الصواب والرشد، وعللوا لذلك بأن الإنسان إذا ما عاجل من خالفه بالخطأ والضلال عند بداية الاختلاف معه، ربما يدفعه ذلك إلى العناد والمكابرة، وقد يصرفه ذلك عن تبصر الحق، الذي هو هدف الدعوة إلى الله. والمتتبع لآيات الله في كتابه، يجد أن الحكمة والتزامها مبدأ أساسي تمسك به أنبياء الله تعالى لدى مواجهتهم للمخالفين والمعاندين من أقوامهم. ومن ثم كان توجيه الحق سبحانه وتعالى لموسى وهارون عليهما السلام، أن يأخذا فرعون بالرفق واللين فيقول سبحانه«اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى». وهذا التوجيه من الله تعالى لموسى وهارون بالتزام الحكمة والرفق واللين ليس مع مخالف عادى، وإنما مع إنسان دفعه العناد إلى منازعة الله سبحانه في الألوهية والربوبية، ومن ثم أتى هارون الرشيد بأحد علماء عصره فقال له: عظني، فأغلظ له العالم في القول، فقال هارون: مهلاً لقد بعث الله من هو خير منك «موسى وهارون»، إلى من هو شر مني «فرعون»، فقال الله تعالى لهما«فقولا له قولاً لينا». النهج الإلهي وانطلاقاً من هذا النهج الإلهي الذي حف بالحكمة واللين في معالجة الأمور، كانت النظرة الرحبة السمحة إلى مسائل الخلاف من أئمة الإسلام، إذ عرف عنهم أن اختلاف الرأي والاتجاه لا يترك أثراً في نفس أحدهم، وما ذلك إلا لفرط حرصهم على ترسيخ دعائم المودة بين أفراد الأمة. ولك أن تعجب إذا ما عرفت أن الأدب والتوقير بين أئمة الإسلام لم يقف عند أعتاب حياتهم، بل حفظوا لبعضهم قدرهم وحقوقهم حتى بعد وفاتهم، فيذكر أصحاب التاريخ والسير أن الإمام الشافعي صلى الفجر في مسجد على مقربة من قبر الإمام أبي حنيفة فترك القنوت تأدباً مع أبي حنيفة وهو في قبره . ولعل هذا الأدب الرفيع، بين أئمة الأمة وأعلامها مرجعه، إلى ذلك الإرث الجليل، للعلم والأدب، والفهم لمسائل التشريع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول أحدهم «كنا نسافر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان منا الصائم ومنا المفطر، وكان منا المتم في صلاته، ومنا المقصر، فلم ينكر صائم على مفطر، ولا مفطر على صائم، ولم ينكر متم على مقصر، أو مقصر على متم». ثانياً: تنشئة المسلم على الإيمان بالتخصص، وعدم التجرؤ على الفتوى، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، إذ كثيراً ما تعرض عليه المسائل والقضايا، فلا يدلي برأيه فيها ملتزماً التوقف حتى يراجع الوحي المعصوم فيها، وبهذا يدلل صلى الله عليه وسلم على صدق نبوته، وأن ما يأتي به ليس من قبل ذاته أو من تلقاء نفسه. إنما هو تشريع العلي الحكيم، وهكذا فعل الثقات من علماء الأمة فها هو الإمام محمد عبده يسأله أحد الناس في فرنسا قائلاً: يا إمام ألم يقل كتابكم، «ما فرطنا في الكتاب من شيء»، فأخرج لي منه ما يدل على المقدار الذي يمكن أن يصنعه حاوية من دقيق، فاستدعى الإمام خبازاً، واستفسر منه عما استفهم عنه السائل، فقال السائل: ما سألتك إلا لتجيبني من كتابك، فقال له الإمام: يا هذا ما كان كتابنا قد قال ما فرطنا في الكتاب من شيء فقد قال أيضاً،«فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون». العلم والمعرفة إن التزام هذا النهج عند عدم العلم والمعرفة يزرع الثقة في نفس السائل تجاه المسؤول، ويدلل به المسؤول على احترامه لنفسه وذاته، كما أنه يسد باب الفرقة والبغضاء لأن التصدي للفتوى بغير علم قد يورث ضلالاً في الفكر، وتسيباً في الدين وقنوطاً من رحمة الله. كما أنه يؤدي إلى ضياع العديد من المصالح على أبناء الأمة وأفرادها، فالمؤمن الحق هو الذي يعلم أنه بفتواه موقع عن الله تعالى، ومن ثم يتهيب أن يلج ما لا علم له فيه، ولا طاقة له به، فيوقن أن أجرأ الناس على الفتوى أجرؤهم على النار، ويستحضر دائماً حال سلفنا الصالح في ذلك فالإمام مالك رضي الله عنه سئل في بضع وأربعين مسألة أفتى في واحدة واعتذر عن الباقي، وكان رضي الله عنه يقول أيضاً: من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب. ويقول الإمام ابن القيم: كان سعيد بن المسيب لا يكاد يفتي فتيا ولا يقول شيئاً إلا قال: اللهم سلمني وسلم مني، وسئل الإمام الشافعي عن مسألة فسكت فقيل: ألا تجيب؟ فقال: حتى أدري الفضل في السكوت أو في الجواب. وقال آخر أدركت مئة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها الأول إلى الثاني، والثاني إلى الثالث وهكذا حتى ترجع إلى الأول ويود كل واحد منهم لو أن أخاه قد كفاه الإجابة . وبعد إن مما ينبغي أن نعلمه لأبنائنا أن يقفوا عند حدود علمهم دون حرج أو ضيق، أن يقول أحدهم«لا أعلم»، أو لست أدري، عند عدم العلم والمعرفة، فرسولنا صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يقول لسائله «لا أعلم حتى أسأل جبريل»،وجبريل كثيراً ما كان يقول«لا أعلم حتى أسأل ربي» وفي ظل هذا الفهم. كان أحد أعلام السلف في العراق يسأل فيقول لا أدري فيقول له الحاضرون، في مجلسه ألا تستحي، وأنت فقيه العراق، أن تقول لا أعلم ولست أدري، فيقول لهم بلسان العالم، وحال الخائف من ربه، لكن الملائكة لم تستح من ربه حين قالت له سبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©