22 ديسمبر 2011 20:02
مرت الذكرى السابعة عشرة لرحيل صاحبة أجمل ابتسامة عرفتها السينما المصرية سامية جمال في هدوء شديد لا يتناسب وشهرتها الكبيرة التي حققتها ليس في مصر وحدها بل في العالم أجمع، حيث قدمت حفلات كثيرة في الولايات المتحدة وأوروبا واشتهرت بالجمال الأسمر الهادئ والأناقة سواء من خلال ملابسها العادية أو بدل الرقص التي كانت تظهر بها في استعراضاتها.
(القاهرة) - طورت الراحلة التي لقبت بـ «فراشة السينما» الرقص الشرقي، واستطاعت بمهارة فائقة أن تمزج بين الرقص الشرقي والرقصات الغربية، وقدمت حالة من الابهار للمتفرج من خلال الملابس والموسيقى والإضاءة والتابلوهات الراقصة التي تشكلها صغار الراقصات من خلفها.
ولدت زينب خليل إبراهيم محفوظ التي اشتهرت لاحقاً باسم سامية جمال في 22 فبراير 1924 في محافظة بني سويف بصعيد مصر «130 كيلو مترا» جنوب القاهرة لوالد كان يعمل ترزياً، وأم تنحدر من أصل مغربي، وعاشت طفولة بائسة في كنف زوجة الأب التي كانت تعاملها بقسوة بعد وفاة والدتها وهي في الثامنة من عمرها، وفي الثالثة عشرة توفى والدها أيضاً، وأقامت في بيت أختها التي كانت تعيش في حي الأزهر بالقاهرة، وتعلمت الخياطة لتساعد في مصروف البيت، ثم عاملة في مصنع للطباعة، ثم ممرضة في أحد المستشفيات، وخلال هذه الفترة تعرفت على جارة لها مفتونة بالسينما ولفتت نظرها الى ذلك العالم الجديد الذي يشبه الأحلام.
«الراقصة الحافية»
ولعبت الصدفة دوراً كبيراً معها حين شاركت ككومبارس عام 1939 في فيلمي «المعلم بحبح» و»العزيمة» ومن بعدهما «انتصار الشباب» و»ممنوع الحب» و»خفايا المدينة»، وأثناء تواجدها ذات مرة في كافتيريا »الجمال» التي كانت تتردد عليها تصادف وجود ابن صاحب الكافتيريا وسمع حديثها عن بديعة مصابني ورغبتها في أن تصبح راقصة فأبدى استعداده لتقديمها اليها، واحتضنتها بديعة وقدمتها في فرقتها وجعلت لها مرتباً شهرياً قدره ستة جنيهات. غير أنها فشلت في أول رقصة فردية، واستقبلها الجمهور بعبارات الاستهزاء والاستهجان، وعادت الى قواعدها في الصفوف الخلفية بين الكومبارس.
وأدركت وقتها أن الرقص علم ينبغي عليها أن تدرسه بقواعده وأصوله، فطلبت من مدرب الرقص في الفرقة إيزاك ديكسون أن يدربها، فدربها على رقصتين غربيتين وفيما بعد درست الرقص الغربي الحديث فالتحقت بمدرسة للرقص تعلمت فيها رقصات مثل «السامبا» و»الرومبا» و»الروك أندرول» و»التانجو» و»الفالس» وغيرها كما درست الباليه على يد مدربة أجنبية، وأصبحت متمكنة من الرقص البلدي والفرعوني والهندي، وضاعفت بديعة مرتبها الى 12 جنيهاً ثم تعاقدت على الرقص في ملهى بمدينة السويس بـ 20 جنيهاً ثم في كباريه »الكيت كات» وبعده ملهى «الدولز» بـ 40 جنيهاً واشتهرت في هذا الملهى بلقب «الراقصة الحافية» حيث كانت ترقص بحذاء فضي، وأثناء الرقص تمزقت فردة الحذاء فألقت بها بعيداً ثم خلعت الثانية، وأكملت الرقصة بين تصفيق الجمهور.
سقوط وبطولة
ولفتت خلال تلك الفترة أنظار السينمائيين، خصوصاً وأنها كانت لا تزال تقوم بأدوار الكومبارس، ووقعت عقداً للقيام بدور البطولة في فيلم «من فات قديمه» عام 1943، وسقط الفيلم سقوطاً مدوياً، وعادت مرة أخرى الى الصفوف الخلفية في أدوار الكومبارس الى أن أعاد الموسيقار محمد عبدالوهاب اكتشافها من جديد، بعد أن قدمها في رقصة على موسيقاه في فيلم من إنتاجه بعنوان «الحب الأول» وأثناء العرض الخاص للفيلم وقعت عقدين لفيلمي» البني آدم» من إنتاج وبطولة عزيزة أمير ومحمود ذوالفقار الذي أخرج الفيلم، و»تاكسي حنطور» من إنتاج محمد عبدالوهاب وبطولتها أمام محمد عبد المطلب.
وفي عام 1946 اتجه فريد الأطرش الى الإنتاج السينمائي، وبدأ يبحث عن راقصة تشاركه بطولة باكورة إنتاجه «حبيب العمر» فلم يجد أفضل من تلك الفتاة التي وقفت خلفه كومبارس في فيلمه الأول «انتصار الشباب» خصوصاً وأنها أصبحت مرموقة في عالم الرقص، وكان الفيلم بداية لسلسلة من الأفلام جمعت بينهما كثنائي ناجح في الغناء والرقص، وهي أفلام « أحبك انت» و»عفريتة هانم» و»آخر كدبة» و»تعال سلم» و»ماتقولش لحد» وقدّمت على أغنياته أشهر وأحلى رقصاتها التعبيرية مثل «الأسيرة» و»زمردة» و»كهرمانة» و»الجواري» و»توتة» و»سوق العبيد» و»النيل» و»الطبول» و»قمر الزمان» و»بساط الريح» كما رقصت على موسيقى أغنياته «حبيب العمر» و»يا زهرة في خيالي» و»قوليلي إيه أقولك».
الشاشة العالمية
وأصبحت في تلك الفترة ملكة من ملكات الإغراء على الشاشة ونجمة من نجمات الرقص الشرقي، وقدمت خلال مشوارها الفني الذي بلغ 32 عاماً 50 فيلماً منها «أمير الانتقام» و»ست الحسن» و «الصقر» و»نشالة هانم» و»انتقام الحبيب» و»رقصة الوداع» و»غرام المليونير» و»أحمر شفايف» و»الجنس اللطيف» و»شهرزاد» و»حبيبي الأسمر» و»الرجل الثاني» و»موعد مع المجهول» و»سكر هانم» و»النغم الحزين» و»عاد الحب» و»طريق الشيطان» و»الشيطان والخريف» و»ساعة الصفر»، وكونت ثنائياً ناجحاً في الأفلام الاستعراضية مع كثير من نجوم الغناء ومنهم عبدالمطلب وفريد وعبدالعزيز محمود ومحمد فوزي وماهر العطار، كما وقفت أمام كبار النجوم ومنهم أنور وجدي وحسين صدقي وكمال الشناوي ورشدي أباظة وفريد شوقي وعمر الشريف وشكري سرحان وأحمد مظهر. بالاضافة الى نجيب الريحاني الذي لعبت امامه بطولة فيلم «أحمر شفايف».
وحصرها المنتجون في شخصية الراقصة الغانية التي لا تعبر فيها الممثلة عن نفسها بتعبيرات الوجه ولكن بتعبيرات الجسد كله وحركاته الراقصة، وكان يمكن أن تغزو الشاشة العالمية، ويلمع نجمها فيها، بعد أن اشتركت برقصة وهي حافية القدمين على رمال صحراء الهرم لمدة ثلاث دقائق في الفيلم الأميركي «وادي الملوك» أمام روبرت تايلور واليانور باركر، كما مثلت دور البطولة في الفيلم الفرنسي «علي بابا والأربعين حرامي» وجسدت فيه شخصية «مرجانة» أمام النجم الكوميدي فرناندل، ولكن ارتباطاتها في مصر بعقود أفلام سينمائية حالت دون اكمال مشوارها.
زواج ورحيل
تزوجت سامية جمال في عام 1951 من شاب أميركي يعمل متعهد حفلات ويدعى «شبرد كينج» وبعد إشهار إسلامه سمى نفسه «عبدالله كينج»، وفي أواخر الخمسينيات تزوجت رشدي أباظة وانفصلت عنه في أواخر حياته، وفي أوائل السبعينيات اعتزلت الفن وعاشت وحيدة، ثم عادت مرة أخرى للرقص في منتصف الثمانينيات لظروفها المادية، ولكنها سرعان ماعاودت الاعتزال حتى وفاتها في الأول من ديسمبر 1994 بعد غيبوبة دامت ستة أيام في مستشفى مصر الدولي.