الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الجولان لسوريا.. والقدس والضفة الغربية لإسرائيل

15 يونيو 2007 01:21
أحمد خضر: لم يكن العرض الذي قدمه رئيس وزراء إسرائيل ''إيهود أولمرت'' بشأن الانسحاب من الجولان مقابل فصم عرى التحالف بين سوريا إيران، وتخلي دمشق عن دعم حزب الله، وما ينعتونه بالمنظمات الإرهابية الأخرى مثل (حركة حماس) و(الجهاد الإسلامي) بالحدث الدراماتيكي، أو الانقلاب المفاجئ في السياسة الإسرائيلية، ذلك أن هضبة الجولان لم تكن تعني ومنذ اليوم الأول لاحتلالها سوى جبل من التراب للمساومة عليه من أجل إعلان شهادة الميلاد لإسرائيل في المنطقة تماماً كما حدث بالنسبة لصحراء سيناء، بل ومنذ اليوم الأول لاحتلالهما عام ،1967 أقر مجلس الوزراء الإسرائيلي استعداد إسرائيل للانسحاب من سيناء والجولان مقابل السلام مع العرب· أما ما يخص غزة والضفة الغربية فلهما شأن آخر، حيث ما زالت إسرائيل حتى اللحظة رغم كل الاتفاقات المبرمة مع الفلسطينيين غير مستعدة للتنازل عنهما، وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة لأنها تعتبر ''الضفة'' إسرائيل الغربية، والقدس عاصمتها الموحدة، أما غزة فهي سجن فلسطيني كبير تسيطر عليه براً وبحراً وجواً، بمعنى أن الضفة الغربية والقدس تحديداً تأخذان معنى القداسة بالنسبة للكيان الصهيوني، فيما الأراضي العربية الأخرى ينطبق عليهما مبدأ المساومة للحصول على تنازلات من هذا الطرف العربي أو ذاك بخصوص المياه والأمن والمشاريع الاستثمارية المشتركة· جيب رابين خلال المفاوضات التي أعقبت مؤتمر مدريد بين السوريين والإسرائيليين، كان ''رابين'' قد تعهد للأميركيين بالانسحاب من الجولان حتى حدود الرابع يونيو عام ،67 مقابل سلام شامل مع سوريا، وهذا التعهد الذي سمي (جيب رابين) كان سرياً لم يعلم به ''بيريز'' الذي كان وزير دفاعه، وتسلم رئاسة الوزراء بعد اغتياله على يد أحد المتطرفين اليهود، حيث كان جل هم ''شمعون بيريز'' ألا تطأ أقدام السوريين بحيرة ''طبريا'' والتي تزود إسرائيل بثلث استهلاكها من الماء· في تلك الفترة بعث ''بيريز'' رسالة إلى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد عن طريق مبعوث السلام الأميركي في الشرق الأوسط، تضمنت خمس نقاط تعبر عن احتياجات إسرائيل هي: أولاً: إن اتفاقية السلام مع سوريا يجب أن تسفر عن شمولية، فالتنازلات المتخذة حيال سوريا ينبغي أن تنتج سلاماً شاملاً ليس مع سوريا فحسب، بل ومع العالم العربي قاطبة· ثانياً: يجب أن تعزل اتفاقية السلام كل من يلجأ إلى استخدام العنف والإرهاب ضد إسرائيل وتشوه سمعته· ثالثاً: يجب أن تلازم اتفاقية السلام ترتيبات أمنية ذات صدقية، فالجمهور الإسرائيلي لا بد من أن يرى اتفاقية تجعل إسرائيل أكثر أمناً لا أقل أمنا· رابعاً: يجب أن يكون هناك استثمار واضح في السلام، كصندوق للاستثمارات الإقليمية، أو مظلة للتنمية، فالجولان على سبيل المثال يجب أن يصبح منطقة للتنمية الإقليمية المشتركة، تدليلاً بذلك على نية لا تخطئها العين في طلب السلام لا الحرب، واستجابة بذلك لحاجة سوريا إلى إعادة استيعاب العائدين السوريين إلى الجولان· خامساً: العملية التفاوضية لها شأن خطير، لذا يجب استنباط آليات عملية وجدية لصنع السلام، وهذا ما يستلزم بوضوح أداة من نمط مختلف· الأسد ورسالة بيريز راقت هذه الرسالة للأسد الأب، مظهراً من دون أي لَبس انفتاحه على هذه الأفكار، وأعلن الأسد (أن بيريز يسعى إلى حل المسائل الأمنية بوسائل غير أمنية، وهذا يعكس نواياه، وفوق ذلك رؤيته للمشهد ككل)· صاغ ''بيريز'' هذه الأفكار في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) تكون أميركا ضالعة فيه، وتشكل واقعاً استراتيجياً جديداً من خلال تشجيع الإصلاحات الاقتصادية، وتقديم استثمارات ومساعدات جديدة ضخمة، واتخاذ مبادرات جديدة حول التعليم وتعميم استخدام الحاسوب، والتنويه مجدداً بقيام تعاون تجاري ومالي في المنطقة قاطبة، في نظره سيكون السلام دالة على المصالح والرهانات المشتركة، وليس تكيفاً تكتيكياً مع ميزان القوى· ودون الاستطراد فإن فرصة للسلام بين سوريا وإسرائيل قد حدثت في تلك الفترة، لكنها ضاعت بسبب إصرار الجانب الإسرائيلي سواء الحكومة العمالية، أو حكومة الليكود التي أعقبتها على الاحتفاظ بخزان المياه في بحيرة طبريا، والأمن في الجولان، فيما سوريا تريد أن تصل الحدود الشرقية من البحيرة، وبما أن ''بيريز'' ما زال حياً يرزق، ولاعباً أساسيا في حكومة ''أولمرت'' فهو نائب رئيس الوزراء، والمرشح لتولي رئاسة إسرائيل، فإن آراء ''بيريز'' القديمة الجديدة نفسها هي المطروحة على الطاولة للتفاوض حول هضبة الجولان مع سوريا، حيث تأخذ إسرائيل 22 بالمائة من حاجتها من المياه من الهضبة السورية· قرى ومستوطنات هدم الإسرائيليون عام 67 مدينة القنيطرة ومئات القرى السورية في هضبة الجولان، وأبقوا على خمس قرى درزية هي مجدل شمس، بقعاتا، مسعدة، عين قنية، الغجر، في محاولة منهم لاستمالة سكان هذه القرى، الذين ثبتوا في الأرض، بعد أن استفادوا من تجربة الأجداد الذين قاموا بالجلاء عن البيوت في العهد الفرنسي إلى جبل الدروز أو ما يطلق عليه جبل العرب، لذا فإن ذكريات الماضي دفعتهم للصمود في قراهم وبيوتهم، أما بقية السكان فقد نزحوا إلى وطنهم الأم، وهم يعيشون منذ أربعين عاماً في دمشق وغيرها من المدن والقرى السورية، لكنهم يدركون أنهم سيعودون يوماً إلى قراهم المدمرة، وأراضيهم الزراعية، وقد فشلت مخططات الاحتلال في جعل دروز القرى التي أبقى عليها عملاء له، لكن إسرائيل أقامت العديد من المستوطنات من أجل استغلال خيرات الجولان من العنب والتفاح وبقية الفواكه والخضروات، وسوف تسأل طفلة إسرائيلية تلعب الجمباز في هذه المستوطنات زعماء إسرائيل عن المكان الآخر الذي تمارس فيه رياضتها المفضلة، وربما تحدث مظاهرات في الشارع الإسرائيلي قد تفضي إلى انتخابات مبكرة، والمعارضة الإسرائيلية أعلنت معارضتها لمشروع أولمرت، واتهمته أنه سيبيع الجولان للاحتفاظ بمنصبه، لكن هذا شأن إسرائيلي بحت، إنما من حيث المبدأ فإن إسرائيل على استعداد للانسحاب من الجولان لكن ضمن شروط يعتبر الابتعاد عن إيران، ورفع الغطاء عن المنظمات الفلسطينية واللبنانية (الإرهابية) مقدمة لشروط أخرى، وعلى رأس ذلك المياه والأمن، بمعنى أن الموافقة على الشروط الإسرائيلية التي طرحها ''أولمرت'' في العلن ما هي إلا بداية لمزيد من التنازلات، حيث إن إسرائيل تطالب بقوات سورية محدودة، ومحطات إنذار مبكر إسرائيلية في الجولان، ومن المعلوم أن دمشق تبعد عن الحدود مع فلسطين المحتلة 70 كم فقط، بمعنى أن إسرائيل تهدد السوريين في مصادر المياه وفي عاصمتهم، وبالتالي فإن سوريا بحاجة إلى قوات تمكنها من الدفاع عن عاصمتها، وهو ما سترفضه إسرائيل حال موافقتها على الانسحاب· لذا ما زالت إسرائيل تراوغ، وربما جاءت دعوة ''أولمرت'' للرئيس بشار الأسد في هذا الوقت تحديداً من أجل إنقاذ حكومته من السقوط المريع بعد الخزي الذي أصاب الجيش الإسرائيلي في العدوان على لبنان، والعدوان المستمر على الفلسطينيين، ربما كان الجانب الإسرائيلي يبيع السوريين جبلاً من الوهم، ذلك أنه بعد اهتزاز صورة إسرائيل ما زالت تتذرع بحجج واهية، إنها تريد المفاوضات حول الجولان، تريد من سوريا أن تدخل في إطار الدول المرضي عنها أميركياً، وهذا يعني الابتعاد عن إيران، وعدم التدخل في الشؤون العراقية والفلسطينية واللبنانية، وبعد ذلك تجلس على مائدة المفاوضات بسرعة شديدة أشبه ما تكون بطابع احتفالي لن تسفر عن شيء إلا إذا تنازلت دمشق عن الأمن والمياه ووقعت على سلام شامل كما حدد مجلس الوزراء الإسرائيلي بعد هزيمة العرب عام 67 مباشرة· قصيدة سليم الزعنون عندما سأل سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عن السبب الذي دفعه لكتابة قصيدة رثاء في الرئيس حافظ الأسد قال: (إنه لولا موقف الأسد في جنيف خلال اللقاء مع كلينتون ورفضه التنازل عن شبر واحد من الجولان لتحولت القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى قضية منسية، ولما قامت للدولة الفلسطينية قائمة)، وأضاف الزعنون: تم رسم الحدود بين مصر وإسرائيل وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد، ورسمت الحدود بين إسرائيل والأردن في وادي عربة، أما لبنان فإن الحدود بينه وبين إسرائيل واضحة، وهي حدود الهدنة عام ،1949 ولم تبق سوى سوريا والفلسطينيين، وفي حالة السلام بين سوريا وإسرائيل، فإن إقامة دولة فلسطينية سيكون في مهب الريح· ترى من يطالب بالقدس والدولة الفلسطينية القابلة للحياة، إذا انكفأ كل طرف من الأطراف وراء مصالحه الخاصة، خاصة أن المنظمات الفلسطينية قد فقدت الكثير من المصداقية الوطنية بسبب الصراع على الكراسي؟ (حركة حماس) وعلى لسان موسى أبومرزوق تعتبر أن الفرصة الحالية مواتية جداً لتحقيق السلام في المنطقة· ترى من كان يطالب بفلسطين التاريخية من النهر إلى البحر قبل سنة من الآن؟ لماذا زجت هذه الحركات الأصولية المتحجرة الفلسطينيين في صراعات دموية، طالما أن طرحها السياسي لا يختلف من قريب أو بعيد عن الطرح الذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام ،1988 وأعلنت عنه في مؤتمر الجزائر· هل يضمن بوش إذا عادت الجولان إلى سوريا دولة للفلسطينيين ضمن خارطة الطريق؟ بعض الفلسطينيين وبغض النظر عن النوايا بدأوا يطالبون بأن تعود القضية إلى الأمم المتحدة مثل سراييفو، وهو اجتهاد سياسي أتاحته التناحرات والصراعات الفصائلية التي شقت الساحة الفلسطينية، وجعلت من بعض الفلسطينيين أكثر انتماء وولاء لهذا التنظيم أو ذاك من انتمائهم للأرض والوطن· ثم ماذا تعني (حماس) أو (الجهاد الإسلامي) أو (حزب الله) أو (إيران) بالنسبة لسوريا إذا تم وضعها جميعاً في كفة واستعادة الجولان في كفة أخرى؟ الجميع يمارس التكتيك السياسي وفق مصالحه، والجميع يدرك أنه لا توجد صداقات دائمة ولاعداوات دائمة، بل مصالح دائمة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©