الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب السودان: استقلال مهدد بالصراعات القبلية

جنوب السودان: استقلال مهدد بالصراعات القبلية
4 فبراير 2012
في بلدة ليكوانجول بجنوب السودان، لا شيء يبدو بمنأى عن الدمار الذي حل بالمنطقة، أو بعيداً عن الدماء التي أريقت، عدا ربما الذكريات التي يختزنها الأهالي ويستعيدونها بمرارة بالغة. فالأكواخ التي يقطنها السكان وتشكل جزءاً من المشهد العام للقرى بجنوب السودان أُحرقت عن آخرها، كما أن المركز الصحي الوحيد بالبلدة، ومعه المدرسة الوحيدة، أضرمت فيهما النيران، فيما قُتل وجُرح المئات من المواطنين وهرب الآلاف إلى الغابات المجاورة طلباً للنجاة. ومع أن الأمم المتحدة وحكومة جنوب السودان تتوافر على قوات مسلحة بالمنطقة، وكانت موجودة أثناء الهجوم على القرية، إلا أن شهود عيان أكدوا أن هذه القوات لم تحرك ساكناً لمساعدة الأهالي، فيما كان المواطنون يستصرخون القوات الدولية للتدخل وإنقاذهم من الموت المحقق. وعندما وصل المهاجمون القبليون إلى قرية قريبة من بلدة ليكوانجول، أطلقوا الرصاص على "نياديت آلان" البالغة من العمر 28 عاماً لتصاب بطلقين في رجلها وأخرى في وجهها، بينما جُزت أعناق اثنين من أبناء زوجها. وتستعيد "آلان" تلك اللحظات الرهيبة وهي في أحد المستشفيات قائلة: "عندما غادروا المكان بعد المجازر سمعتهم يرددون أغنية"! ويبدو أن جنوب السودان الذي احتفل باستقلاله وانفصاله عن السودان قبل ستة أشهر، يواجه آفة العنف المتصاعد على خلفية الصراعات القبلية المستفحلة. فبعد الانفصال، طفت إلى السطح الخلافات القديمة والصراعات القبلية والإثنية لتنفجر على شكل عنف أهوج، بعدما كانت مكبوتة طوال فترة الحرب الطويلة مع الخرطوم. ورغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لمساعدة جنوب السودان على الانفصال وإقامة دولة مستقرة موالية للغرب لتصبح أحد الأعمدة الأساسية في إفريقيا ضد الإرهاب والإسلام السياسي، يجد البلد الوليد نفسه في وضع صعب للغاية، وذلك بسبب العنف المتنامي على أساس قبلي والذي يهدد استقرار حكومة تواجه أصلاً تحديات جسيمة. وفي هذا السياق يقول هايلد جونسون، رئيس بعثة الأمم المتحدة بجنوب السودان، إن وقف العنف "يستدعي عملية عسكرية مهمة بالتعاون مع الحكومة التي سيكون عليها تحريك قوات كبيرة لتحقيق السلام". والحقيقة أن ولاية جونجلي التي شهدت أعمال العنف القبلية عانت طويلاً من الفقر والتوترات القبلية والإثنية، بالإضافة إلى تدفق كبير للأسلحة وتاريخ من الهجمات المتبادلة على قطعان الأبقار والغنم بين قبيلتي النوير والموريل. ففي العام الماضي وثقت الأمم المتحدة 208 هجمات أدت إلى نزوح 90 ألف شخص من منازلهم. لكن عمليات سفك الدماء الأخيرة تبقى الأكثر عنفاً وشراسة مقارنة بالماضي؛ إذ بينما كانت تقتصر الهجمات في السابق على قطعان الأبقار امتدت اليوم لتشمل قرى بأكملها وتكتسح مناطق واسعة مع ما صاحب ذلك من قتل وتدمير للبنية التحتية. وتعبر عن حجم الدمار الذي لحق بالمنطقة، "كاريل جانسين"، المنسقة الميدانية لمنظمة "أطباء بلا حدود" قائلة: "إن مركزنا الطبي يعج بالجرحى والمصابين من النساء والأطفال الذين فروا إلى بلدة بيبور طلباً للمساعدة". وترجع أعمال العنف إلى هجوم سابق نفذته مجموعة قبلية تنتمي إلى النوير في شهر ديسمبر الماضي على قبيلة الموريل، وهو ما دفع بهذه الأخيرة إلى حشد قواتها للانتقام والقيام بدوريات في ولاية جونجلي. وقبل أسبوعين لقي 47 شخصاً حتفهم بقرية دوك باديت، فيما أطلقت وكالات الإغاثة الدولية حملة إنسانية واسعة لمساعدة ضحايا الهجمات الذين وصل عددهم حسب تقديرات الأمم المتحدة نحو 120 ألف نسمة. وفي تطور خطير أعلنت ميلشيا تابعة للنوير تعرف باسم "الجيش الأبيض"، في 17 ديسمبر الماضي، أنها ستتولى حماية النوير وقطعانهم من هجمات الموريل، لعجز الحكومة عن القيام بمهامها وحماية المواطنين. وأضافت الميلشيا التي تمتلك ذراعاً إعلامية في الولايات المتحدة ومصادر قوية للتمويل، أنها تسعى للانتقام لمقتل 700 من القبيلة على أيد مقاتلي الموريل في أغسطس الماضي، أي بعد شهر واحد فقط على إعلان استقلال جنوب السودان. وفي مكالمة هاتفية مع "جاي بول تونج"، المتحدث باسم النوير الذي يعيش في مدينة سياتل الأميركية، قال إن مجموعته تمكنت من جمع 45 ألف دولار من مؤيدين لهم بالولايات المتحدة وكندا، لتلبية احتياجات المقاتلين من الغذاء والمساعدات "الإنسانية" الأخرى. وزادت المجموعة التي تطلق على نفسها "الجيش الأبيض" من حدة لهجتها في بيان أصادرت في 25 ديسمبر الماضي، معلنة أنها "ستمحي قبيلة الموريل من على وجه البسيطة". وفي اليوم التالي قام ستة آلاف من مقاتلي النوير بالهجوم على بلدة ليكوانجول وبارتكاب مجازر بحق خصومهم القبليين. وأثناء الهجوم قاموا بالسطو على الآلاف من رؤوس الأبقار، وردموا الآبار التي تمثل مصدر المياه الوحيد في البلدة. وفيما استهدفت جماعة من المقاتلين رجال الموريل، قام البعض الآخر بملاحقة النساء والأطفال الذين فروا إلى الأحراش المجاورة. وأثناء الهجوم فصلت "مايو مازي"، وهي أم لأربع بنات، عن اثنين منهما، ليخبرها الناس لاحقاً أنهما تعرضتا للاختطاف على أيدي المهاجمين. وتقول الأم: "لا أتوقع أن أرى ابنتي مجدداً، لكن على الأقل ظلت لدي اثنتان أخريان". ويقدر المسؤولون المحليون عدد القتلى في ذلك الهجوم بنحو 850 شخصاً في بلدة ليوكوانجول والقرى المجاورة، منهم 660 من النساء والأطفال، فيما تم اختطاف 150 من النساء والأطفال أيضاً. لكن بالإضافة إلى هذا الرقم، قُتل حسب تقديرات أخرى ما لا يقل عن 2250 شخصاً في المناطق المجاورة للقرية. وبالقرب من مقر الأمم المتحدة بالبلدة المنكوبة، يمكن شم رائحة الموت المنبعثة من بقايا الجثث المتفحمة وآثار الهجوم الدموي، ومن خلال الكتابة على الجدران التي كُتب على أحدها: "لقد فعلنا هذا بكم لأنكم فعلتم مثله بنا". ويتذكر "أشيرو مانيبون"، عندما بدأ الهجوم، أنه فر مع زوجاته وأبنائه الأربعة إلى الأحراش، لكنهم تعرضوا جميعاً للقتل ولم يبق منهم أحد سواه. وتوقع "مانيبون" الذي يبلغ من العمر 35 عاماً، أن تتحرك قوات الأمم المتحدة ومعها القوات الحكومية الموجودة في البلدة لإنقاذ الناس، إلا أنهم لم يطلقوا طلقة واحدة. وعلى امتداد المنطقة يشعر الأهالي بأنهم خُذلوا من قبل قواتهم العسكرية التابعة لحكومة جنوب السودان ومن قوات حفظ السلام الأممية المفوضة باستخدام القوة لحماية المدنيين إذا لزم الأمر. فرغم أن قوات الأمم المتحدة شرعت لأسابيع في رصد تحركات النوير في المنطقة وتتبع هجماتهم المتفرقة الساعية للانتقام واقترابهم من ليوكوانجول والمناطق المجاورة التي شهدت المجازر، إلا أن الاستجابة كانت دون المستوى بحيث لم تحرك القوات الأممية سوى 400 من أصل 3300 جندي في جنوب السودان. والمشكلة أنه في بعض المناطق التي تضم تشكيلات قبلية مختلفة مثل بلدة ليكوانجول التي يقطنها الموريل، تنعدم فيها الثقة بالحكومة، لاسيما أن العديد من المسؤولين بمن فيهم نائب الرئيس "رياك مشار"، ينتمون إلى النوير، كما أن رجال القبيلة نفسها يشكلون جزءاً مهماً من الجيش، ولا يعتقد الأهالي أنهم سيتدخلون لحمايتهم. وفي تبريره لما جرى، قال الكولونيل "فيليب أوجر"، المتحدث باسم جيش جنوب السودان، إن عدد الجنود الذين كانوا في ليكوانجول وقت الهجوم لا يتعدى 500 جندي، وأن التصدي لمقاتلي النوير الذين فاق عددهم ستة آلاف مقاتل، سيكون ضرباً من الانتحار، قائلاً: "السبب الرئيسي الذي حال دون تدخلنا هو عجزنا عن مواجهة المهاجمين الأكثر عدداً". سودرسان راجافان - جنوب السودان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©