الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحولات العربية... وأفق «التسوية»

4 فبراير 2012
تنظر الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية التابعة لها إلى التغييرات الجارية الآن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بخشية وقلق كبيرين. وعلى رغم أن الطبيعة البشرية تقتضي عادة أن يخاف المرء من المجهول، إلا أن التطورات الأخيرة قد تكون أيضاً نافذة فرص لإعادة تشكيل المنطقة، بما قد يساعد على إيجاد تسوية لصراع الشرق الأوسط. ولا يعني ذلك القول، بطبيعة الحال، أن المخاطر التي قد تواجه إسرائيل وهمية، إذ يتعين عليها اليوم أن تتعامل مع نتائج سقوط أكبر حليف لها في المنطقة، وهو النظام المصري السابق، ومواجهة حكومة منتخبة جديدة تعتبر مواقفها حيال القضايا المتعلقة بإسرائيل غير واضحة على الأقل. وفي الوقت الذي تبدو فيه التحديات التي تواجه إسرائيل متكاثفة بشكل كبير، إلا أن النظام الإقليمي الجديد قد يوفر لها أيضاً فرصاً قد تستفيد منها إن هي تجاوبت مع استحقاقات عملية التسوية السلمية. والحال أن التحولات العربية والمشهد الجديد الذي ظهر في أعقابها أدت إلى عدد من التطورات، والتحولات في بنية السلطة في بعض بلدان المنطقة من خلال انتخابات حرة كتلك التي جرت في تونس مثلاً. ومع هذا يرى كثيرون في إسرائيل فوز حزب النهضة الإسلامي السياسي في تونس على أنه شكل سابقة لمصلحة قوى تكن مشاعر قوية معادية للغرب ولإسرائيل، حيث ينظرون إلى حزب النهضة على أنه حليف أيديولوجي لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر. وللتذكير فقد تكشفت الانتخابات في تونس عن فوز بالأغلبية لكل من الأحزاب الإسلامية الليبرالية والمعتدلة. صحيح أن حزب "النهضة" فاز بأربعين في المئة من الأصوات الانتخابية، ولكن كانت تلزمه الشراكة في السلطة مع بعض الأحزاب العلمانية وأحزاب الوسط اليساري. وبطبيعة الحال لا تشكل احتمالات أن تشهد تونس طفرة جديدة من مد التيارات الدينية في المجال العام تهديداً وجوديّاً لإسرائيل. أما بالنسبة لمصر، فقد نتج عن انتخاباتها فوز لـ"لإخوان المسلمين"، وجاء "حزب النور" السلفي في المركز الثاني. وعلى رغم أن هذا الحزب الأخير يمكن أن يثير بعض المخاوف، إلا أن هناك أيضاً، من وجهة نظري، أسباباً للحذر المتفائل، بعض الشيء. فجماعة "الإخوان" في عام 2012 ليست هي نفس الحزب قبل 10 أو 50 سنة مضت، فتوجهها عبر السنوات اتسم بنزوع براغماتي فيما يتعلق بالمساواة في النوع الاجتماعي وغيره من المبادئ، وأيضاً فيما يتعلق بالسلام مع إسرائيل. ولا أعتقد بوجود مصداقية لتلك التقارير الإعلامية القائلة إن جماعة "الإخوان" ستلغي معاهدة السلام الإسرائيلية- المصرية أو تطرحها للاستفتاء، لأن هذا الاحتمال بعيد ولا يبدو وارداً في الظرف الراهن. ومن المعروف أن الأحزاب تتعهد أحياناً بأمور كثيرة خلال حملاتها الانتخابية، إلا أن الاعتبارات الداخلية والخارجية تؤدي إلى تغيير الاستراتيجيات عندما تصل إلى الحكم. وإضافة إلى ذلك، فإن واحداً من أكبر الحوافز لضمان استمرار معاهدة السلام هو المعونة التي تبلغ حوالي ملياري دولار التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر كل سنة، وهي معونة مفيدة بشكل خاص بالنسبة للحكومة الجديدة. وبدلاً من النظر إلى انتقال السلطة من الجيش إلى حكومة مدنية على أنه تهديد محتمل لمعاهدة السلام، تستطيع إسرائيل بناء علاقة مع الحكومة الجديدة، وخاصة في مجال الأمن. ويمكن لاستمرار التنسيق الأمني بين إسرائيل ومصر أن يشكل قناة لتعاون إيجابي طويل الأمد بين البلدين. وفي المجال الأقرب، أتوقع أن تستغل إسرائيل الشكوك المحيطة بـ"حماس". فقد أدت الخلافات في الرأي حول تهدئة سياسات "حماس" بسبب عدم استقرار نظام الأسد إلى صراع على السلطة بين القيادة في دمشق، التي تدافع عن توجه أكثر اعتدالاً، والقيادة في غزة التي لا تفعل ذلك. وتشير التقارير إلى أن لمصر وقطر وتركيا دوراً رئيسيّاً في إقناع "حماس" بالتوجه لإنهاء المقاومة المسلحة ضد إسرائيل. وقد قدم خالد مشعل، الذي كان رئيس المكتب السياسي للحركة في سوريا وكان يشجع سياسة معتدلة فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، استقالته قبل بضعة أيام. ولكن ذلك لا يعني بالضرورة التنازل عن التوجه المعتدل، فالأرجح أن ثمة تياراً باقيّاً داخل المنظمة يدعم هذا التوجه. وبوجود موسى أبو مرزوق، نائب مشعل والمولود في غزة، خليفة محتملاً له، فإن توجه الاعتدال قد لا يكون في خطر، حيث يعتقد أنه هو أيضاً يدعم جهود التسوية بين "فتح" و"حماس" كما يدعم تيار الاعتدال. وكان أبو مرزوق من كبار المسؤولين في "حماس" منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي، وتعتبر مواقفه حيال الاحتلال عموماً براغماتية، كما ظهر من مقالات له نشرت في الصحافة الغربية. ومع هذا يمكن القول إن التحديات التي تواجه إسرائيل، في هذه البيئة الإقليمية غير المستقرة والدينامية، هائلة دون شك. ولكن الفرص تأتي مع التحديات عادة. وإذا استطاعت إسرائيل التعامل مع هذه التطورات بصورة تعيد الحيوية إلى عملية السلام، فقد تدفع التغيرات في المشهد السياسي الإقليمي إلى احتمال ظهور تطورات مواتية للاستقرار في الشرق الأوسط عامة وهو ما ستستفيد منه إسرائيل أيضاً بشكل خاص. ناتاليا سيمانوفسكي مديرة بحوث في عدد من بيوت الفكر في أميركا الشمالية والشرق الأوسط ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©