الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر: الثورة ومدنية السياسة

4 فبراير 2012
ما وقع في مصر قبل عام كان ثورة، فالموجات الصاعقة من الناس التي هبطت إلى كل الميادين والمدن لم تكن سوى موجة ثورية أرادت تحقيق تغيير في حياة المصريين. الثورة في مصر واجهت نظاماً قديماً ومستعصياً، لديه مؤسسات راسخة. لقد أدت الثورة المصرية إلى سقوط أجزاء رئيسية من النظام الذي قاده الرئيس السابق، لكن أجزاء أخرى رئيسية لم تتغير ومازالت راسخة وتهدد نجاح التغيير. سقوط مبارك ونظام التوريث، لم يعنِ أن المصريين نجحوا في إسقاط التسلطية التي تتمثل أساساً بسلطة طالما تحكمت بالحياة السياسية في مصر. من ناحية أخرى، ورغم أهمية الجيش كمؤسسة وطنية مصرية، فإن أزمة الثقة بين هذه المؤسسة وقطاع كبير من الشبان الذين صنعوا الثورة لن تحل إلا إذا أبدى الجيش مرونة وسرعة في استعداده لتسليم السلطة لمصلحة حكم مدني يتمتع بصلاحيات حقيقية. وبينما سعى العسكريون للاحتفال بانتصار الثورة في الخامس والعشرين من هذا الشهر، يريد الثوريون من جانبهم استكمال الثورة. نحن أمام مشهد تصادم بين فلسفات مختلفة ورؤى مختلفة لما وقع منذ عام. قد يكون يوم 25 يناير في الذكرى السنوية الأولى للثورة فرصة لحشد هدفه تسليم السلطة للمدنيين. الثوريون المصريون الذين صنعوا ثورة يناير لم يسعوا لاستبدال سلطة مبارك بسلطة الجيش، بل سعوا من خلال ثورتهم لإقامة نظام ديمقراطي يحترم التنوع ويفتح المجال للتعبير العلني الحر في إطار بناء دستور جديد توافقي وخطة واضحة المعالم للتنمية الاقتصادية المتوازنة. هذا المشروع لا يمكن أن ينجح في ظل تحكم العسكريين وسيطرتهم على مفاتيح السياسة والقرار. وكما تدل أحداث المرحلة الانتقالية وسقوط الكثير من الضحايا والشهداء وانسحاب الدكتور محمد البرادعي من سباق الرئاسة، فإن المعركة في مصر مفتوحة على كل الاحتمالات. الجيل المصري الذي صنع الثورة يعي معنى استكمال التغيير في إطار رؤية جديدة لمصر. وبينما يسعى النظام السياسي وفق رؤيته لخنق وتصفية إرث الثورة والثوريين، يقاتل الثوريون حتى الرمق الأخير في محاولة لاستمالة الرأي العام المصري وإحداث تغيير جديد. في مصر تظاهرات دائمة في الأحياء والمدن، وهناك سعي لكسر احتكار الإعلام الذي يمارسه النظام الجديد من خلال تفعيلهم لإعلام شعبي يصل إلى كل الناس. ورغم ما مثَّلته انتخابات مجلس الشعب مؤخراً من حدث ديمقراطي فإن ثمة مشكلة في استمرار محاكمات المدنيين أمام المحاكم العسكرية. والواضح أن المصريين يخشون من تكرار سيناريو 1954 عندما وقع حراك في الشارع المصري بهدف تثبيت نظام ديمقراطي بعد انقلاب الضباط الأحرار. لكن ذلك الحراك قمع بقوة، بينما تحول انقلاب الضباط الأحرار مع الوقت إلى نظام سياسي جديد يحتكره الجيش. وتخشى مصر الآن من تكرار ذلك السيناريو القديم، ولهذا تستمر الثورة والاعتصامات وحملات المطالب وحالة المواجهة في الشارع مع المجلس العسكري. إن الجيش في مصر قوة كبيرة تتحكم بجزء كبير من الاقتصاد، يملك مصانع ومؤسسات وأجهزة، والجيش لا يقبل رقابة عليه، ولا يقبل بأن يعين مدني وزيراً للدفاع، أو أن يعين في الدفاع شخص من خارج المؤسسة أو غير مقبول لديها. ولا توجد حكومة في العالم يمكن أن تنجح في بناء ديمقراطية، بينما الجيش يتصرف باستقلالية عن السياسيين. النظام العسكري في مصر غير مهيأ بطبيعته وظيفياً وإدارياً وفكرياً للتعامل مع مشكلات المجتمع المصري المعقدة. وبينما قد يسعى الجيش في مصر الى أن يكون الرئيس المصري القادم قريباً من المؤسسة العسكرية، إلا أن هذا سيعني عدم نجاح الإصلاح في مصر، لهذا من الطبيعي أن ترفض القوى الثورية هذا الاحتمال. كان لسان حال النظام السابق في مصر أن وجوده ضمانة لعدم مجيء الإسلاميين المتطرفين إلى السلطة. لكن سقط النموذج السياسي القائم على الخوف والتخويف من الإسلام السياسي. وتبين أن بإمكان القوى الإسلامية أن تتطور وتتغير، وأن تتصالح في الوقت نفسه مع التنوع والتعايش. لقد انتقل الصراع، كما هو حاصل الآن في مصر، إلى صراع على الديمقراطية ولأجل الديمقراطية، فالشباب المصري الذي سقط في الميادين بعد الثورة يقدم حياته من أجل الديمقراطية وانتقال السلطة إلى المدنيين. إن التناقض اليوم في مصر ليس بين الإسلاميين والليبراليين، بل هو مع مخاطر استمرار النظام غير الديمقراطي وبقاء العسكريين في السلطة. ما يوحد قوى التغيير في مصر، سواء كانت مكونة من شبان ميدان التحرير أو من "الإخوان" والتيارات الأخرى، هو الحرص على بناء قواعد مصر الديمقراطية. وهذا بطبيعة الحال سيفرز إصراراً أكبر وأوضح بين المصريين على رئيس مدني مستقل. فالذين صنعوا الثورة لن يتنازلوا عن مبدأ الديمقراطية أولاً. كما أن أنصار التيار الديني الذي كانوا في السجون على مدى سنوات المعارضة يعرفون أنه لا مستقبل لمصر من دون نظام ديمقراطي حقيقي. الدفع بهذا الاتجاه قد يجد له فرصة كبيرة بعد مرور عام على الثورة المصرية. قد تختلف التكتيكات والأساليب، لكن الواضح أن مصر أمام بداية حشد كبير هدفه إنهاء الحكم العسكري من دون أن يعني هذا كسراً للجيش ولدوره الوطني. المصريون يريدون الظفر بمدنية السياسة. د. شفيق ناظم الغبرا - كاتب كويتي ينشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©