الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغاز الصخري... وأمن الطاقة الأوروبي

22 ديسمبر 2013 22:28
رسمت الحكومة البريطانية هذا الأسبوع خريطة لمناطق في إنجلترا وإسكتلندا وويلز يحتمل استخراج الغاز الصخري منها في أحدث حلقة من سلسلة جهود أوروبية لبدء ما يطلق عليه «العاصفة الصخرية» التي غيرت بشكل جذري خريطة الطاقة في الولايات المتحدة في نصف العقد الماضي. واستخراج المزيد من الغاز الطبيعي من الأرض لا يضر بالبريطانيين الذين يضيقون ذرعاً بأسعار الطاقة المرتفعة والانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وهذا بالضبط عكس ما حدث في الولايات المتحدة. فلا بريطانيا ولا أوروبا إجمالاً تستطيع أن تتبع خطى الولايات المتحدة، ولا في مقدورها أن تستغل الغاز الصخري لتجعل قطاع الطاقة أكثر نظافة وتعيد تنشيط قاعدة الصناعة. وهذا يعني لأوروبا أن تحقيق هدفها في طاقة أرخص وأنظف مع دعم أمن الطاقة ما زال بعيداً. ومن المقرر أن تنهي أوروبا خطتها للطاقة والمناخ لعام 2030 في وقت مبكر من العام المقبل، وحتى الآن، لم يتضح ما إذا كان الغاز الصخري جزءاً منها أو يجب أن يكون كذلك. والخطوات التي تتبعها بريطانيا لاستخراج الغاز الصخري مهمة لأن البلاد لديها تقريباً كل العناصر المطلوبة بالفعل لتفجر ثورة في هذا المجال: إطار عمل تنظيمي واضح وأسواق رأسمال قوية ومنتجون بارعون وبنية تحتية للنفط قائمة بالفعل وتكوين مُواتٍ محتمل لطبقات الأرض. وهذا بخلاف عدد من الدول الأوروبية الأخرى التي لديها نظرياً موارد وافرة من الغاز الصخري مثل بولندا أو أوكرانيا ولكنها بحاجة إلى تعديلات بالجملة في خريطتها التنظيمية واستثمارات هائلة في البنية التحتية. ويتطلب استخراج الغاز الصخري أيضاً الكثير من منشآت التنقيب وهو شيء آخر تفتقر إليه أوروبا وباقي العالم بشكل واضح مقارنة بالولايات المتحدة. وتذكرنا الخطوات التي تتبعها بريطانيا للبدء في استخراج الغاز الصخري بشكل صارخ بأن قاعدة الموارد الخام أقل أهمية على الأرجح من كل الأمور المملة الأخرى التي تجعل استخراج الغاز ممكناً. وتواجه بريطانيا بالطبع مثل دول أخرى في أوروبا الكثير من المعارضة المحلية والبيئية ضد التفجير الهيدروليكي للصخر تماماً كما هو الحال في بعض أنحاء الولايات المتحدة. ويقول «تيم بويرسما» وهو محلل لأمن الطاقة في مؤسسة بروكينجز «إذا كان هناك بلد يستطيع استخراج الغاز الصخري، فأنا أراهن على المملكة المتحدة ولكن المعارضة الشعبية كبيرة جداً وسيكون من الحكمة أن تمضي الحكومة ببطء». والشيق بشكل خاص فيما يتعلق بمسعى البريطانيين لاستخراج الغاز الصخري هو أنه يأتي مصحوباً بمشروع قانون جديد للطاقة يراد به تدشين استثمارات بقيمة 180 مليار دولار في مصادر نظيفة قليلة الكربون للحصول على الكهرباء على مدار العقد القادم. ومشروع القانون يتضمن دعماً مالياً للطاقة النووية والطاقة المتجددة لضمان استطاعة بريطانيا التي تلتهم الفحم الأميركي الرخيص لتوفير الكهرباء تحقيق هدفها في تقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن لماذا لا تعتمد بريطانيا فحسب على الغاز الصخري لتحقيق هذا؟ فقد خفضت الولايات المتحدة الانبعاثات في قطاع الطاقة إلى المستويات التي كانت عليها في بداية تسعينيات القرن الماضي، ويرجع هذا في جانب منه إلى أن قطاع الكهرباء بات يحرق الكثير من الغاز والقليل من الفحم كما ساعد الكساد الاقتصادي على تقليص الطلب على الكهرباء. ويلقي تقرير المملكة المتحدة الضوء على صعوبة استخراج الغاز الصخري. فحتى إذا عرفت بريطانيا مقدار ما لديها من غاز صخري وتكلفة استخراجه من الأرض، فلن يمنع الغاز الصخري البريطاني استخدام الفحم القذر على الأرجح كما وقع في الولايات المتحدة. وتشير الدراسة التي أجريت بتكليف من الحكومة إلى أن الغاز الصخري البريطاني سيحل على الأرجح محل الغاز المسال المستورد مرتفع السعر . وتوصل التقرير بناء على ذلك إلى أن استخراج الغاز الصخري البريطاني لن يكون له تأثير يذكر على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وهذا يوضح نقطة أساسية عن طبيعة ثورة الغاز الصخري الأميركية: فالغاز رخيص نسبياً في الولايات المتحدة ليس لأنه يُستخرج من بين الصخور ولكن لأن التكوينات الصخرية فيها الكثير جداً منه. فاستخراج الغاز بتحطيم الصخور من خلال مزيج عالي الضغط من المياه والمواد الكيماوية أكثر تكلفة من استخراجه من الحقول التي يتدفق منها الغاز بسلاسة. والولايات المتحدة تتمتع بغاز رخيص نسبياً ببساطة لأن عدداً كبيراً من المنتجين حفروا الكثير جداً من الآبار في فترة قصيرة للغاية. وفي هذا السياق قال بويرسما إن «الغاز الصخري يعني غازاً بديلاً لأوروبا وليس غازاً رخيصاً». وتتفاوت تقديرات تكلفة استخراج الغاز الصخري الأوروبي، ومن المرجح أن تكون التكلفة ضِعف استخراج الغاز الصخري في الولايات المتحدة. وهذا يعني أن الغاز الصخري لن يستطيع أن يطرد الفحم من نظام استهلاك الطاقة كما استطاع الغاز الرخيص أن يقوض جاذبية الفحم في الولايات المتحدة. وفي الحقيقة، فإن الفحم الذي اُستبعد من نظام الطاقة في أميركا تدفق على المملكة المتحدة على مدار العامين الماضيين. وفي الوقت الحالي، كما كان الحال في العقد الماضي، يتعلق الأمر تحديداً بالكيفية التي تستطيع بها أوروبا أن تروج لمصادر طاقة منخفضة الكربون لتقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مع خفض تكلفة الطاقة للحكومات والأسر والشركات المفتقرة للمال، وفي نفس الوقت تعزيز أمن الطاقة. وهذه الأهداف الثلاثة لا تأتلف أبداً بل هي في صراع غالباً. والبدء باستخراج الغاز الصخري لن يحل كل هذه المشكلات ولكنه سيجدد النقاش حول الخيارات المختلفة. كيث جونسون كاتب متخصص في قضايا الطاقة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©