الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مانع سعيد العتيبة.. سلطة الشعر

مانع سعيد العتيبة.. سلطة الشعر
2 فبراير 2011 19:29
مراجعات في سير ونصوص مبدعين من الإمارات (1) لا يتكئ الجيل الأول من المبدعين الإماراتيين، في الشعر وفنون الكتابة عموماً، إلا على موهبته الطازجة الطالعة من عناصر التكوين الأولى للإنسان العربي في صحرائه المزدحمة بالرسالات والقيم، التي صاغت روحه وخياله. وحينما راح رموز من هذا الجيل يترجمون مواهبهم، بقصائد متوهجة ونصوص متمرسة، فإنهم لم يكونوا يعكفون على تشييد بنيانهم الإبداعي الخاص، بقدر ما كانوا يساهمون في صياغة صرح أدبي لوطن ناهض.. أصبح متكئاً لأجيال من المبدعين الإماراتيين، أتوا وسوف يأتون.. هنا إطلالة على سير ونصوص رموز من الجيل الإبداعي المؤسس. يعد الشاعر الإماراتي الدكتور مانع سعيد العتيبة أحد أهم الشخصيات العربية التي جمعت بين العمل الدبلوماسي والاهتمام الإبداعي، ففي الوقت الذي انشغل فيه بالعمل في مجال السياسة وفي قطاع البترول.. كانت شعلة الإبداع تعلو في فضاءات الشعر والنثر، كي يذكرنا بعمر أبي ريشة ونزار قباني وصلاح عبد الصبور والمكسيكي اوكتافيو باث وحيدر محمود في الأردن وغيرهم ممن جمعوا بين متاعب الدبلوماسية وامتيازاتها وفيوضات الحرف المبدع, لذلك فان الحديث عنه له مذاق ونكهة خاصة. ذلك لأننا نتناول مسيرة مبدع هو أشبه بموسوعة متحركة في الأدب والثقافة وعالم الكلمة والسياسة والاقتصاد. كما أننا أمام شاعر تيسرت له جميع وسائل التعلم والتثقف والاطلاع على تنويعات من الثقافات في الشرق والغرب، كل هذه المعطيات مضافا إليها خياله الواسع وتجربته الرصينة مكنته من تأكيد حضوره كمبدع عربي له تأثيره على حركة المشهد الثقافي العربي. وإذا كانت القصيدة العربية في ديوان الشعر العربي كثيرا ما خضعت للسلطة والمال، فان السلطة والمال عند العتيبة هما اللذان حملا القصيدة فوق اكتافهما وجعلاها تنعم بالتمرغ في الفراش الوثير. لقد حمل العتيبة العبء الوزاري وهو في الثالثة والعشرين من عمره ولمدة 30 عاما متصلة، والجميل إن ذلك لم يجعله طائرا مهاجرا من عالم الشعر والإبداع إلى عالم الذهب الأسود.. ولعل ذلك ما ساهم في تحويل عالم البترول والاقتصاد واجتماعات منظمة “أوبك” العالمية ومنظمة “اوابك” العربية إلى مناخ شعري استثنائي دفع إليه الشاعر الوزير بالقصيدة لكي تؤدي دورا تحسسيا إعلاميا تسجيليا تاريخيا. وقد ترجمت بعض قصائد العتيبة إلى اللغتين اليابانية والإنجليرية. ملحمة شعرية ربما يكون ديوان “المسيرة” وهو ملحمة شعرية للعتيبة من أهم دواوينه، وفيه يحكي من خلال الشعر معاناة شعب الإمارات قبل ظهور النفط ويسطر مراحل تاريخية عاشها أبناء المنطقة ابتداء بالمرحلة الأولى التي تمثل عصر اللؤلؤ، والتي أبرز من خلالها حياة الأسلاف ورحلاتهم المريرة المليئة بالمغامرة والتحدي بحثا عن الرزق في أعماق البحار.. ورسم من خلال تناوله لهذا الواقع صورا ولوحات شعرية رائعة جسد في فضاءاتها حالات إنسانية متوهجة.. كما صور من تلك المرحلة معاناة البدو في الانتقال تحت لهيب الشمس الحارقة من أبوظبي إلى حاضرة ليوا وواحات النخيل في مدينة العين على ظهور الجمال. وفي مسيرة العتيبة الشعرية قصائد عديدة في أحوال الأمة العربية المتصدعة، وفي القدس المغتصبة الأسيرة، كما كتب قصائد ممتازة عن زياراته لعدة بلدان وعواصم عربية مثل القاهـرة ودمشق وبيروت ومراكش وغيرها. ما بين أبوظبي والدوحة، وفي لقاءات مهمة لي مع العتيبة أحد أهم شعراء القصيدة العربية (العمودية) اكتشفت انه من اكثر المخلصين لها، فلم يغادرها إلى أشكال القصيدة الجديدة التي عكست تمردا واضحا عند أغلب شعراء الضاد. وعلى الرغم من أنه قضى سنوات دراسته الأولى في العراق خلال مرحلة الستينات التي شهدت أهم ثورة على الشعر العربي، ملتفتا أحيانا إلى قصيدة النبط نظرا لما لها من حضور واضح في منطقة الخليج العربي، واتجاهه نحو الكتابات النثرية متمثلا ذلك في كتابة روايته “كريمة” فإنه ومع كل ذلك ظل نديما لقصيدة العمود، لا يكاد يترك مضارب تفعيلاتها وجنون بحورها حتى يعود إليها شغوفا بها أيما شغف.. فهو يعتبر القصيدة بمثابة التزام وطني وقومي ورسالة للدفاع عن قضايا وهموم الإنسان العربي وتراثه ومكتسباته وحريته.. إن الزخم الشعري عند العتيبة والذي تمثل في إصدار اكثر من 60 ديوانا، خص الشعر النبطي باثنين وعشرين ديوانا منها، لا ينبع فقط من ثقافته الواسعة وامتلاكه لناصية لغة شعرية محكمة، وانما عكست تجربته الحية من خلال معايشته للراحل المغفور له باذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي يتفرد بتجربة إنسانية يكمن في جوهرها احترام الفرد والدعوة المستمرة إلى لم الشمل والتضامن والإخاء والمحبة بين الأشقاء العرب.. وإن ما أتيح للعتيبة في ظل هذا المناخ الحميم انعكس بجلاء في مساجلاته الشعرية مع الراحل. وفي ذلك قال خلال لقاء معه في أبوظبي: “اعتبر تلك المساجلات جزء مهما من تراث الوطن، فهي وسام كبير أضعه على صدري، وتوجيهاته تركزت في اعتبار الشعر رسالة عفيفة لا يجب أن تنزل إلى مهاوي الأمور المباشرة خاصة في قصائد الغزل أو تلك التي تتعرض إلى ذم الآخرين، وان يكون للشعر رسالة مترفعة عن الإيذاء أو التجريح، لقد أسهمت المساجلات الشعرية تلك في صقل تجربتي ومنحها صفة الالتزام والبحث الحقيقي في جوهر الأشياء”. موسيقى وأصوات تتميز القصيدة عند العتيبة بسلاستها ورقتها وصدق مشاعرها ووضوحها، إلى الحد الذي دفع ببعض الفنانين الكبار إلى غناء وتلحين بعض قصائده. ومن الملحنين الذين لحنوا قصائد العتيبة سيد مكاوي وبليغ حمدي ومحمد سلطان والسوري صفوان بهلوان، ومن الذين غنوا له ميادة الحناوي ووردة الجزائرية والفنان العراقي كاظم الساهر وغيرهم.. ذلك أن القصيدة عنده زاهدة في الغموض، كونها ليست مقتصرة على جمهور النخبة، بقدر ما تخاطب وجدان الجماهير تاركة لهم فرصة الاستمتاع بها، والانفعال بمناخاتها وصورها الشعرية، فهي قصائد تقال ولا تكتب فقط، ففي إطلالة على بعض قصائده تلمح ذلك الاشتباك الرهيف ما بين الذاتي والعام، كما تحضر فيها تلك الأنفاس من أغراض القصيدة العربية القديمة وبخاصة الأغراض التي يستدعي استحضارها، أحداثا تأخذ الشاعر إلى ممرات الألم العامرة برقة العاطفة على نحو ما يقول شعرا في مرثيته لابنته التي رحلت إلى العالم الآخر: بشاير ناداك قلبي أجيبي ولا تتركيني لصمت رهيب أنا جئت حتى أراك فقولي كما اعتدت بابا حبيبي حبيبي بشاير ردي ولو مرة وقولي احبك بابا وغيبي ويؤكد العتيبة في معرض حديثه على أن القصيدة النبطية ليست وليدة الساعة، فهي قديمة قدم منطقة الجزيرة العربية والى عصر ما قبل الإسلام وامتدت ما بين مد وجزر حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا المفهوم بالطبع يشمل الإمارات وغيرها على اعتبار أن التواصل بين دول الخليج العربي نابع من صلة الروابط ووحدة المكان/ الصحراء المترامية. وحول نظمه للقصيدة النبطية قال: “بدأت كتابة الشعر النبطي بعد أن توليت وزارة البترول والثروة المعدنية في الإمارات في بداية السبعينات، وان تجربتي استندت في تنوعها إلى قراءاتي الشعرية للشعراء العرب عبر العصور الأدبية المختلفة.. علاوة على الشعراء العرب في مطلع القرن الماضي أمثال: معروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي من العراق، وأمير الشعراء احمد شوقي في مصر، وغيرهم من الشعراء البارزين، وكلما سنحت لي فرصة قرأت لشعراء النبط أمثال الشاعر الإماراتي ابن ظاهر، إلى جانب قراءاتي السابقة للشعراء من أيام بني هلال، وأنا شخصيا اكن لكل شعراء النبط كل تقدير واحترام”. ما بين بنية القصيدة النبطية والقصيدة التقليدية ثمة قافية أو وزن شعري وفي هذا السياق يقول العتيبة: “إن كل القوافي نابعة من البيئة والتراث ضمن بحور شعرية تنفرد فيها القصيدة النبطية ببحرين هما: “الردح والونة” وهما بحران يساعدان على توظيف اللهجة المحلية الدارجة في إنتاج صورة شعرية نبطية يمكن ترديدها من قبل فئات مختلف الناس.. إن القوافي هي ذاتها في كل الأشعار، ولكن يستخدم فيها لزوم ما يلزم، وتأخذ القصيدة النبطية قافيتين تستثمر كل شطرة بيت قافية مستقلة تتميز فيها عن القصيدة الفصحى التي لا يتوافر لها مثل هذا التكنيك العروضي”. القصيدة النبطية اشتغال العتيبة بالقصيدة النبطية كان له مساحة طيبة من كتاب الدكتور عبد الرحمن عبد السلام محمود بعنوان “البحث في الجوهر ـ قراءة موضوعية للقصيدة القومية في شعر الدكتور مانع سعيد العتيبة” نقتطف منها: “إن العتيبة واحد من شعراء عديدين أتقنوا قول الشعر بنمطيه: النبطي والفصيح، غير انه تبين لنا، انه الشاعر الوحيد من هؤلاء، الذي جعل لكل واحد من الشعرين وظيفة حياتية موضوعية، فهو على الرغم من عنايته بإتقان القول والإبداع في النمطين والتحليق في المستوى القولي فيهما. إلا انه ـ إلى حد بعيد ـ قد قصر القول في بعض الموضوعات على نمط دون النمط الآخر كما فعل، على سبيل المثال حين جعل من اختصاص شعر الفصحى الموضوعات الفكرية والحياتية الكبيرة مثل قضايا البترول الخاصة بالمال وقضايا السياسة الداخلية والخارجية والقضايا القومية والإسلامية والقضايا الخاصة بعمله ومنصبه. في حين خلا شعره النبطي من هذه الموضوعات، وكثرت فيه القضايا الذاتية العاطفية التداولية، التي تتخذ الطابع الآني، والمتعلقة بالأحداث والحياة اليومية، إلى جانب العلاقات الشعرية المتبادلة مع الأصدقاء من الشعراء، وما سوى ذلك من القضايا والأمور الخفيفة.. وعلى الرغم من انحصار الشعر النبطي للشاعر في هذه المجالات واقتران ذلك بكثرة نتاجه، إلا أننا لم نلحظ وقوع الشاعر في التكرار والمراوحة، واجترار الذات، وهذا دليل على مقدرته الإبداعية من جهة، وعلى أن ما يقوله من قصائد إنما يكون استجابة فعلية لما يستجد من مواقف، وما يصاحب ذلك من عواطف ومشاعر، وما يجول في الخاطر ويتفاعل في الوجدان في كل مرة”. وفي محفل آخر تناول الدكتور غسان الحسن في كتابه “مانع العتيبة في شعره النبطي” أهم خصائص قصائده مركزا على الوحدة العضوية بقولة في ص 14: “التقليد البنائي في قصائد العتيبة النبطية هو تقليد محمود لأنه حافظ من خلاله على الشكل الفني للقصيدة العربية التي رسخت أطرها وجذورها في الذات العربية سواء الذات المنتجة ذات الشعراء أو الذات المتلقية ذات الجماهير، بل إن مثل هذا الأمر يدخل في نطاق الأصالة والمحافظة على الهوية القومية المتميزة للشعر العربي الذي هو جزء من الآداب والثقافة والشخصية العربية، وبالمقابل فقد ذهب الشاعر في بنائه لقصيدته إلى التحرر من قيود شعرية تقليدية كانت متبعة في الأزمنة القديمة في شعر العربية الفصحى والعصور المتوسطة وقبل الحديثة في الشعر النبطي وأعني بها عمود القصيدة الذي يوجب على الشاعر أن يبني عليه، أن يجعل لقصيدته مقدمة، قد لا تكون لها علاقة بموضوع القصيدة وقد تطول هذه المقدمة أو تقصر، ثم ينتقل إلى الموضوع الرئيس الذي أنشأت من اجله القصيدة ثم ينتهي من القصيدة بخاتمة لا علاقة لها بموضوع القصيدة”. التراث الأصل عرف عن العتيبة تمسكه الشديد بجمرة التراث المتوهجة، سواء في شعره الذي نظم جزءا كبيرا منه خارج وطنه أو في دواوينه التي كتبها داخل حدود الإمارات. فعلى الرغم من كثرة أسفاره وتطوافه حول العالم، حيث أنه اعتبر الطائرة بمثابة وطن ثان له، يأخذ الجزء الكبير من وقته وتفكيره واصفا ذلك في مطلع إحدى قصائده: وطائرتي غدت لي وطنا إليه بلهفة ألفي فمن صحراء باكستان أو غنتوتَ والجُرفِ إلى صحراء مغربنا أطير أمـرّ كالطيـف وأمـا موطني الغالي أمر عليه كالضيف وقال أيضا : احتاج هذا اليوم صدرك موطني لأريح رأسي فالعناء ثقيل ما فارقت ذكراك يوما خاطري أو حل في شوقي إليك خمول يا موطني أنت المقيم بخافقي ومرافق لي إذا يحين رحيل فالتراث عند العتيبة هو جزء لا يتجزأ من نسيج حياته وإبداعاته ويقول في ذلك: “اهتم بالتراث في حياتي الخاصة اهتماما يبدو من خلال “المكان” الذي أعيش به أو ذاك الذي ارتاده في أسفاري.. وأرى أن الإنسان إذا تخلى عن تراثه يصبح كالشجرة المعلقة في الهواء، لذلك أنا اقدر الجهود التي تبذل لإبراز تراثنا المحلي والعربي سواء من خلال القصيدة أو الإبداع الأدبي أو الجهد المتحفي والعلمي المتعلق بالدراسات والأبحاث في هذا المجال، فنحن أمة عربية ذات تراث عظيم وينبغي علينا في ضوء التطور وطغيان اصطلاح العولمة أن نعمل بجد للإفادة من مفردات تراثنا.. بل ونقله إلى العالم عبر الإبداع ومن خلال صورة حضارية مشرفة”. وفي هذا السياق يبدو تعلقه بمدينة أبوظبي وهي مسقط رأسه واضحا فيقول في قصيدته بعنوان “أبوظبي”: أبو ظبي ألبستها ثوب روحي وسجلتها فأضات حروف تنفستها كالهواء صبيا ولولا صباها دهتني الحتوف أبوظبي للقلب توأم شمس وليس لشمس الفؤاد كسوف فما طاب لي العيش إلا عليها لان فؤادي المحب الشغوف البحث في قصائد العتيبة يكشف عن انشغالات كبيرة بالمرأة، وما يعتري ذلك من مناخات العاطفة النبيلة، حيث تجتمع في صوره الشعرية ملامح من الهجر والوداع والصبر ومجالدة الألم والدموع، وما إلى ذلك مما يستلزم إبراز (حالات الحب الشرقية) ومع ذلك فإن نموذجا من تلك القصائد يمكن أن يكون دليلا مهما لما ذهب إليه : نعم إني حزين يا حبيبي فأيام اللقاء مضت سراعا وهاهي ساعة التوديع حلت وربان النوى نشر الشراعا لجأت إلى التجلد غير إني وجدت الصبر قد ولى وضاعا رفعت بيأس مهزوم ذراعي وأثقل حزن أعماقي الذراعا وتمتمت الشفاه ولست أدري أقلت إلى اللقاء! أم الوداعا؟ وفي هذا السياق يرى العتيبة “إن المرأة حاضرة في كل شيء في حياتنا. ورغم أن بعض النساء نقمة وبعضهن نعمة وأخريات ملهمات، إلا أن وجودهن هو الرمز الأمثل للتخيل والإبداع والتعبير. فقد اتخذت منها في قصيدتي (أم البنات) رمزا لمعالجة قضية اجتماعية.. المرأة تحاصر الرجل بغيرتها وشكوكها مما يؤثر على السلوك العام للرجل زوجا كان أم حبيبا.. وهنا لا بد للشاعر من أن يرصد ويعالج كل الصور الإنسانية الناجمة عن العلاقة الشائكة ما بين المرأة والرجل.. بالنسبة لدي لم تكن المرأة يوما مهمشة في شعري وقصائدي، فهي أم الرجال وأخت الرجال، وأي مجتمع يهمش المرأة هو مجتمع متخلف”. لقد عشق العتيبة المرأة وهام حبا بها فشكل الغزل في شعره إرثا شعريا كبيرا من ثروته الأدبية فهو الذي قال : أنا عاشق والعشق للشعراء كالماء للظمآن في الصحراء والشعر نبع الحب في أعماقهم والحب نور الله في الظلماء ولا يمكن لنا بالطبع أن نغفل اهتمام الشاعر بقضايا أمته العادلة، كاشفا بعين الدبلوماسي وعاطفة الشاعر عن حقائق التنافس على مقدرات الأمة، ومدركا في ذات الوقت هدف السلم المنشود : لأن المنادين بالسلم مرضى فلن يقبل السلم قلبي ويرضى وكيف أسالم أنياب أفعى إذا زعمت أنها لن تعضا يؤكد العتيبة على الدوام أن هناك فجوة ما بين النقد والإبداع الشعري، ويرى كشاعر أن الشعر في الساحة الأدبية لم ينل حظه من الاهتمام النقدي الموضوعي، على الرغم من أن الشعر جزء مهم من التراث الفكري العريق، وعزا ذلك إلى اختلاف العصر وسرعة إيقاعه حتى انك تجد الناس في عجالة من أمرهم دائما، فلا وقت للقراءة والتأمل والتحليل.. فكيف نجد إزاء ذلك نقدا موضوعيا جادا وهادئا؟؟ وهنا علينا الاعتراف أن هناك سطحية تطغى على المشهد الثقافي العربي بشكل عام فلا غرابة إذن أن يتأخر النقد بضع خطوات إلى الوراء عن ركب عربة الإبداع الشعري. “لست مؤيدا للشعر الحر ولا معارضا له”.. هكذا يعلق العتيبة في معرض رده على سؤال حول الحداثة الشعرية، وقصيدة النثر، وعناوين أخرى ما زالت تعاني من جدل بحثي ونقدي حولها. وأجاب حول هذه القضية بقوله: “أنا طريقي الحقيقي هو شعر التفعيلة الموزون المقفى.. أما الشعر الآخر بمختلف مسمياته فله أصحابه ومريدوه فلا أقف معه أو ضده، فساحة الإبداع واسعة والذي لديه دلو فليدل به. والقارئ في النهاية هو الميزان والحكم، فكم من شعراء لم تستطع قصائدهم القفز من خارج أدراج مكاتبهم، وكم من آخرين امتطوا صهوة الشعر والإبداع فوصلوا إلى مسامع الناس بالموهبة والإخلاص لفن القصيدة الحقيقية.. وفي نظري إن الشاعر الناجح هو الذي يطور تجربته باستمرار من خلال متابعة الإصدارات الشعرية الحديثة وتجارب الآخرين”. قصائد “بترولية” حول علاقة البترول بالشعر يقول العتيبة: “بداية كنت أظن أن البترول مادة غير شعرية، ولكن بعد فترة، وبروز أحداث ساخنة كثيرة في المنطقة اكتشفت أن البترول مادة خصبة للشعر ووجدت فيها متنفسا ومرونة لكي أنفذ من خلالها إلى الجهات العليا، وبذلك تمكنت من معالجة العديد من القضايا المتعلقة بالبترول من سياسة تسويق وإنتاج وأسعار وخلافه.. أما بداياتي مع قصائد البترول فقد كانت بقصيدة واحدة. فعندما كنت في لندن وفي اجتماع يتعلق بمناقشة قضايا بترولية، وقد احتدم النقاش حول العديد من المسائل المتعلقة بسقف الإنتاج والحصص والأسعار وامتد لثلاثة أسابيع عسيرة، ولدت خلالها أولى قصائدي ثم تبعتها قصائد أخرى وأحمد الله أن هذه القصائد وجدت تجاوبا إعلاميا وسياسيا”. أما المال فهو النفط وهو السياسة وهو القائل: خرج البترول نورا من بلادي للوجود وبدأنا عهدنا الزاهي وصرنا في صعود وطني عشت فحبي لك قد فاق الحدود أنت أغلى من حياتي أنت ارثي من عهود إن هذا غيض من فيض في رحلة وزير وشاعر وباحث في الاقتصاد والسياسة، نذر نفسه لعالم الكلمة وبين كل تلك المهام التي تجاذبته، ظل الأكثر انتماء لشكل القصيدة الأصيلة، متماسكا أمام موجة الحداثة، مخلصا لتقاليد الشعر العربي، منهمكا في فضاءاتها الرحبة، منحازا من خلالها إلى قضايا الإنسان والوطن.. ليبقى في الأول والأخير شاعرا وإنسانا قبل أن يكون من رجال السياسة والقرار. بين الاقتصاد والشعر ولد الدكتور الشاعر مانع سعيد العتيبة في أبوظبي في الخامس عشر من شهر مايو من عام 1946، وحصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة بغداد عام 1969، ومن ثم سافر إلى مصر ليحصل على شهادة الماجستير والدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1976. له عدة مؤلفات في مجال الاقتصاد منها: اقتصاديات أبوظبي قديما وحديثا، مؤلفات بترولية، مجلس التخطيط في أبوظبي، البترول واقتصاديات الإمارات العربية المتحدة. وله مجموعة مهمة من الدواوين منها على سبيل المثال لا الحصر: ليل طويل، أغنيات من بلادي، خواطر وذكريات، قصائد إلى الحبيب، دانات من الخليج، نسيم الشرق، الرسالة الأخيرة، وردة البستان، فتاة الحي، بوح النخيل. وقد ترجمت العديد من قصائد العتيبة الى عدة لغات، ومن ذلك ما ورد من ترجمة الى اللغتين السلوفاكية والانجليزية من خلال كتاب بعنوان “لآلئ وتمور” للشاعر والمترجم الاماراتي الدكتور شهاب غانم، وقد انجزه بالتعاون مع المجمع الثقافي بأبوظبي، وضم بين دفتيه أعمال لـ 11 شاعرا من الشعراء البارزين في الامارات من بينهم العتيبة الذي تسجل أعماله وكتاباته حضورا على المستوى المحلي والعربي والدولي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©