الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

100 عام من الحداثة الشعرية العربية

100 عام من الحداثة الشعرية العربية
2 فبراير 2011 19:30
صدر مؤخراً عن الدار العربية للعلوم “ناشرون” في بيروت، بالتعاون مع “دار الأمان” في الرباط، و”منشورات الاختلاف” في الجزائر، كتاب: “الشعر المنثور والتحديث الشعري” لمؤلفته الدكتورة والأكاديمية المغربية حورية الخمليشي، وهو جهد جبّار سلكت فيه الباحثة طُرق ذوي “الخبرة العميقة ـ حسب رأي الدكتور محمد مفتاح ـ فبدأت بتحديد المصطلحات والمفاهيم، لأنه لا يمكن أن يكون هناك بحث علمي رصين من دون التعرف إلى فضاء الموضوع، وتحديد أبعاده، وحصر امتداداته، وتوصيفه، وتسميته، ليصير ذا هوية وخواص وصور، ومن دون الاستناد إلى مفاهيم تحليلية تركيبية تكون معالم ترشد الباحث فالقارئ إلى الوجهة المبتغاة والأهداف المتوخاة” كما أن الأستاذة حورية لم تكن مقلدة “للسلف وللخلف ممن تناولوا الموضوع، لكنها كانت جريئة فناقشت وساجلت ثم اختارت ما رأته أنسب لتصورها، ولعل تسمية البحث بـ(الشعر المنثور والتحديث الشعري) ينبئ بمدى التوفيق الذي حالف الباحثة”. كما اعتبر الدكتور محمد مفتاح أنه “يمكن وصف رؤيا الباحثة بأنها نسقية، من حيث مراعاة تعدد المؤثرات والمكونات والعناصر ومن حيث رصد تفاعلها في البيئة الشعرية العربية، ومع المنجز العالمي، إنها نسقية منفتحة وليست منغلقة مكتفية بذاتها آيلة إلى الأضواء والانقراض”. وبرأي الدكتورة حورية الخمليشي فلم “يحظ موضوع الشعر المنثور في العالم العربي بما يستحقه من اهتمام النقاد والباحثين في الممارسات النقدية المعاصرة، باستثناء بعض المجلات المواكبة لظهور هذا الجنس الشعري ولحركة التحديث الشعري بصفة عامة. ويهدف هذا الكتاب إلى رصد تطور “الشعر المنثور” في العالم العربي ابتداء من 1905، وهي السنة التي نشر فيها “أمين الريحاني” أول قصيدة في الشعر المنثور. فالنموذج التحديثي للشعر المنثور، إعادة نظر في القصيدة، وكتابة مغايرة، وتسمية جديدة، يتطلبها الزمن الحديث من أجل بناء الخطاب الشعري الذي كان مواكباً للحداثة الشعرية العالمية، والإبدالات النصية الجديدة التي عرفتها القصيدة. وكان للتأثير الأوروبي والأميركي دور مباشر في تصارع الأشكال الشعرية التي عرفها العالم العربي وظهور أجناس شعرية جديدة بفعل حركة الترجمة كالشعر المنثور، وإن كان استخدام هذا المصطلح يثير الكثير من الاضطراب، والغموض، والتداخل في العالم العربي”. وقد وُوجهت المؤلفة بعدد من الأسئلة التي وُجب عليها أن تسبر أغوارها من قبيل: ما هو مفهوم الشعر المنثور في العالم العربي؟ وكيف “يمكن للنص أن يكون شعراً ونثراً في الآن نفسه؟ وما الذي طرأ على بنية الشعر حتى قرب من النثر؟ وما هي الحدود الفاصلة بين الشعر والنثر؟ وهل يتعلق الأمر بكتابة شعر بالنثر أم نثر بالشعر؟ ولماذا البحث عن قالب مختلف للشعر خارج الشعر؟ وهل الشعر المنثور خرق للحدود الأجناسيةّ؟ وما هي المميزات النثرية في الشعر العربي والتجليات الشعرية في النثر العربي؟ ولماذا حصل هذا التداخل بينهما؟ ولماذا سلمنا بشعرية النثر رغم تخليه عن الكثير من خصائص الشعر؟ وما هو الفرق بين الشعر المنثور في أوروبا وفي العالم العربي؟ وما هو وضعية الشعر المنثور في الآداب العالمية؟ وهل نجح النقاد في تصنيف الشعر المنثور كجنس مستقل بذاته؟ وكيف نصنف نصاً ما على أنه شعر منثور؟ ولماذا تعددت مصطلحاته؟ ولماذا اتصف بالغموض والخلط؟ وهل هو خلط مصطلحي أم خلط مفاهيمي؟ وهل الشعر المنثور نموذج التحديث الشعري في العالم العربي؟ ولماذا لم يفكر المغاربة بالشعر المنثور إلا في نهاية الأربعينيات؟ ولماذا العودة إلى الشعر المنثور في عصرنا؟ ألم يلعب الشعر المنثور دوراً في تقريب الشعر من النثر؟ ولماذا لا يتحدث النقاد عن الشعر المنثور؟ ولماذا رفض بعضهم هذا الشعر؟ ومن هم الشعراء المحدثون الذين كان لهم لواء السبق في هذا الشعر؟ ولماذا لم يعد مصطلح الشعر المنثور شائعاً ومتداولاً؟ فهل اختفت دلالته التي صيغ من أجلها؟ أم أن المتخصصين لم يعودوا بحاجة إلى هذا المصطلح؟. هذه الأسئلة في الحقيقة هي ما يحدد موجهات اختيار الموضوع، وهي أسئلة تصل بنا إلى أن الشعر المنثور كلون شعري ليس بديلاً للقصيدة العمودية، ولكنه جنس شعري أثبت حضوره الخاص، وشعريته بفعل الإبدالات النصية الجديدة التي عرفتها القصيدة، بفعل حركة التحديث الشعري”. وتؤكد الباحثة أن هذا الكتاب “لا يقتضي فقط التعريف بالشعر المنثور وخصائصه ومميزاته، فالشعر المنثور تعرفه كل الأمم الراقية. إلا أن مصطلح “الشعر المنثور” في العالم العربي يطرح إشكالات متعددة أهمها غياب الإطار النظري الذي يحدد مفهوم هذا الشعر، مما أدى إلى عدم توحيد المصطلح في الممارسة النصية الرومانسية، لذلك آثرنا تحديد مفهوم المصطلح عند أعلامه والوقوف على بعض نماذجه، وما طرحه هذا المصطلح من إشكال في الساحة النقدية، والظروف التاريخية التي هيأت لظهور هذا اللون من الشعر”. وترى حورية أن الشعر المنثور في العالم العربي “يستخدم في تسمية أجناس أدبية متعددة ولعل هذا راجع إلى مسالة الترجمة غير الدقيقة. وقد استعمل الشعراء العرب الأجناس الأدبية الأوروبية “كالشعر الحر” و “الشعر المرسل”، وهي أجناس ذات تعريفات محددة في الأدب الفرنسي والأدب الإنجليزي. أما في الشعر العربي فقد وظف الشعراء في تعريفها طائفة مختلفة من المصطلحات حتى أصبح المصطلح الواحد يطلق على تسمية أجناس أدبية مختلفة نتيجة عدم اهتمام العديد من الشعراء بكيفية توظيف هذه المصطلحات عند شعراء آخرين. وقد حاولت تتبع مصطلح الشعر المنثور عند أعلامه والرجوع إلى المصطلح في أصله الإنجليزي والفرنسي كما فهمه الشعراء العرب، إذ نجد أن مصطلح الشعر المنثور يستخدم في مقابل ما يسمى في الأدب الانجليزي بـ”بوبيتي بروس”، وكذلك في مقابل الشعر الحرب “فري فير” بالمفهوم الأميركي الإنجليزي. وهنا نتساءل لماذا لم يحتفظ العرب بالمصطلح الدخيل وعمد معظم الشعراء والنقاد إلى التعريب؟. هنا تطرح الدكتورة حورية السؤال: كيف نعثر على تسمية لجنس أدبي خارج سياق الثقافة العربية؟ ولماذا لم نحتفظ بالكلمة الأجنبية نفسها؟ وإذا أردنا الاحتفاظ بالكلمة نفسها ألا نصطدم بمسالة الثقافة العربية؟ لأن مشكلة المصطلح في اللغة العربية هي مسألة تتعلق بمشكلة السياق الثقافي، كما أن ترجمة المصطلح هو نقل للمعرفة وليس نقلاً للمصطلح في حد ذاته، ولماذا يعجز المصطلح في بعض الأحيان بعد جرده من سياقه الأصلي وتوظيفه في سياق جديد تحكمه ثقافة جديدة مختلفة. هكذا نجد أنفسنا أمام قضية ترجمة المصطلحات الحديثة التي نجد لها أبعاداً دلالية وإيديولوجية في لغاتها الأصلية، فمن الصعوبة بمكان تجريدها من هذه الدلالات وإخضاعها لدلالات جديدة في سياق الواقع اللغوي في الثقافة العربية، ولعل هذا ما جعل طه حسين يتمسك بمصطلح “النثر الفني” في فضاء عربي يتماشى مع اللغة والإيديولوجية السائدة. إن كل مصطلح يرتبط في نشأته بالشخص الذي استعمله أول مرة، ومصطلح الشعر المنثور ارتبط في نشأته الأولى بأمين الريحاني. لكن لماذا تخلى الشعراء عن ترجمة الريحاني “بالشعر المنثور” دون توضيح أسباب التخلي؟ أهو اختلاف في المدارس والاتجاهات؟ أم أن الترجمة الثانية كانت أكثر صواباً وضبطاً من الأولى؟ ولماذا لم يحتفظ الريحاني بالمصطلح الدخيل (اللفظ الأجنبي) وعمد إلى التعريب؟ وهل يضير اللغة العربية أن تستخدم بعض المصطلحات في صيغة التعريب كما فعل شعراؤنا؟ وفي هذه الحالة ألا نجد صعوبة في إيجاد ترجمة حرفية لهذه المصطلحات؟ وإذا ما قبلنا المصطلح كمصطلح دخيل إلى اللغة العربية ألا نجد أن هذه المصطلحات الشعرية الأجنبية قد يكون لها معنى محدد في لغتها، بينما لا نجد لها المعنى نفسه في لغتنا أو قد تؤدي إلى ضلال المعنى؟”. وتشير المؤلفة إلى أنها لا تريد من كتابها أن ينهج منهج الدراسة المقارنة، أو أن يكون تاريخاً للشعر المنثور في العالم العربي بقدر ما ينظر في خصائص هذا الشعر، ومقوماته، كجنس شعري، وإعادة النظر في تسميته وفي مسألة ترجمة المصطلحات الحديثة، لأن الترجمة غير الدقيقة تؤدي إلى الفهم الغامض لمعناه. وقد شغلنا في هذا العمل بعض الأسس النظرية للشعرية اللسانية كمفهوم “القيمة المهيمنة” لـ”جاكبسون” لتصنيف هذا الجنس الشعري وتعريفه. فقد لخص جاكبسون في كتابه “محاولات في اللسانيات العامة” الوظائف التي تقوم بها اللغة في ست وظائف: الوظيفة المرجعية (أو الإحالية)، الوظيفة التعبيرية (أو الانفعالية)، الوظيفة الطلبية، الوظيفة الشعرية، الوظيفة التنبيهية، الوظيفة اللغوية الواصفة. وحاولنا توظيف القيمة المهيمنة للنظر في مستوى فاعلية المقومات الشعرية التي ستتحدد من خلال العنصر الشعري المهيمن في الخطاب لتصنيف هذا الجنس الشعري وتوضيحه بالاشتغال على نصوص يهيمن فيها الشعر والنثر”. وقد حاولت المؤلفة في المحور الأول من الكتاب أن تحدد “مفهوم “الشعر والنثر” في اللغة والأدب وتوضيح الفرق بينهما وترجيح النقاد بعضهما على الآخر، والخصائص اللغوية لكل منهما مع طرح ما يحدثه استشكال مصطلح “الشعر المنثور” عند النقاد والأدباء في العالم العربي. فالحديث عن الشعر والنثر هو بداية الحديث عن مسألة الأجناس الأدبية، وفي مصطلح “الشعر المنثور” نجد تلازماً بين المنظوم والمنثور، مما استدعى البحث في حفريات هذا المصطلح”. أما المحور الثاني، فقد حاولت فيه الدكتورة حورية الخمليشي “الوقوف على أعلام الشعر المنثور كأمين الريحاني الذي ينعته النقاد بأبي الشعر المنثور، وأحمد زكي، وأبو شادي، وأحمد شوقي، وجبران خليل جبران، ومحمد الصباغ مع توظيف “القيمة المهيمنة” في عرض النماذج الإبداعية لهؤلاء الأدباء للنظر في مستوى فاعلية المقومات والمميزات الشعرية التي ستحدد من خلال العنصر الشعري المهيمن في الخطاب والذي يؤثر في العناصر الأخرى”، وذلك لتوضيح “هيمنة قيم جمالية كانت سائدة مرحلة انتشار الشعر المنثور”. كما توقفت الباحثة عند “ما يميز نصوص هذه المرحلة عن غيرها من النصوص وذلك بالاشتغال على نصوص يهيمن فيها الشعر والنثر، وقد تخضع لتصنيفات متعددة تحيل على الشعر المنثور كما ورد في تعريف الريحاني للشعر المنثور”. وفي المحور الثالث، سعت الباحثة لتقديم “تصور عام حول الحداثة الشعرية، ويضم تقسيماً رباعياً يوضح علاقة الشعر المنثور بحركة التحديث الشعري وبالحداثة الشعرية العالمية التي كانت سبباً مباشراً في ظهور هذا الجنس الشعري عند بعض النقاد، بالإضافة إلى إبراز سلطة النص المقدس وما كان له من تأثير على شعر هذه المرحلة، مع أخذ عينة من النصوص التي تحيل على الشعر المنثور لتوضيح الإبدالات النصية الجديدة في القصيدة العربية التي أصبحت تخضع لتصنيفات متعددة”. وخلصت الباحثة إلى أن غياب “الدراسات النظرية التي تهتم بالموضوع كانت سبباً في صعوبة الإحاطة بالجانب التوثيقي، لأن الموضوع كان موزعاً في مجلات أدبية معاصرة لهذه الحقبة كمجلة “أبوللو”، ومجلة “الأديب”، ومجلة “الرسالة”، ومجلة “الكاتب”. فتمكنا من خلالها من الاطلاع على آراء نقدية، ونصوص إبداعية لأقطاب الشعر المنثور تمثل هذا النموذج من الشعر كأمين الريحاني، وجبران خليل جبران، وأحمد أبو شادي، ومحمد الصباغ، وغيرهم من الشعراء. عدم وجود إطار نظري يحدد مفهوم “الشعر المنثور” أدى إلى التباس المصطلح وغموضه وتشعبه. فالشعر المنثور عند الريحاني ترجمة للمصطلح الفرنسي “فير ليبر”، والإنجليزي “فري فيرس”، وهو شعر يقوم على الإيقاع النثري أكثر من الإيقاع الوزني، ويجعل له الريحاني “وزناً جديداً مخصوصاً، وقد تجيء القصيدة فيه من أبحر عديدة متنوعة”. في حين أن رغبة الشاعر العربي في التخلص من الوزن كانت سبب ظهور هذا الشعر. كما أن تسمية الشعر المنثور مصطلح له خلفياته وأبعاده الدلالية والإيديولوجية في لغتنا. ولعل سبب تخلي معظم النقاد عن مصطلح الريحاني “الشعر المنثور”، باستعمال مصطلحات بديلة أدت إلى غموضه من جهة وإشكالية التلقي من جهة ثانية. استشكال مصطلح “الشعر المنثور” بسبب الترجمة غير الدقيقة، خاصة بعد أن صرح الريحاني بأنه يكتب الشعر المنثور على طريقة الشاعر الإنجليزي “وولت وايتمان”، بينما كتب هذا الأخير “الشعر الحر” وكان من رواده الأوائل، وهذا يثبت خطأ ترجمة الريحاني لمصطلح “الشعر المنثور”، وعدم نقله إلى اللغة العربية بكيفية سليمة، ولعله السبب الرئيس الذي أدى بمعظم النقاد والشعراء إلى تداول مصطلحات عديدة، تحيل على الشعر المنثور، فالقواميس العربية تكاد تخلو من مصطلح الشعر المنثور لكن مصطلح الشعر المرسل موجود بكثافة في معاجم اللغة الإنجليزية، ومصطلح الشعر الحر موجود كذلك بكثافة في معاجم اللغة الفرنسية”. كما تؤكد الباحثة أن الشعر المنثور جنس بديل “وليد حركة التحديث الشعري في العالم العربي تعرض للكثير من الانتقادات، خصوصاً بعد أن اصطدمت هذه التسمية بسياق الثقافة العربية مما اقتضى البحث في حفريات هذا المصطلح وقادنا هذا إلى البحث في التراث العربي القديم والحديث عن نصوص إبداعية، يهيمن فيها الشعر والنثر، وقد تحمل تسميات بديلة، للنظر في خاصيات الخطاب الشعري لهذه النصوص، وهيمنة قيم جمالية على أخرى، وهي نصوص يحمل معظمها مواصفات الشعر المنثور نفسه كما ورد عند الريحاني”. وتؤكد الباحثة أن مصطلح “الشعر المنثور” التصق “بحركة التحديث الشعري التي أعلن عنها كل من أمين الريحاني، وأحمد زكي أبو شادي، وجبران خليل جبران، وإبراهيم ناجي، وأبو القاسم الشابي، وحسن كامل الصيرفي، وعلي محمود طه، وخليل شيبوب، وغيرهم من الشعراء. وقد عرّف محمد حسن عواد الشعر المنثور بقوله: “الشعر المنثور شعر أصيل قائم في الآداب كلها، ومعروف معترف به في العربية لا يحتاج الأمر فيه إلى جدال، لأن الشعر في حقيقة أمره موجة أو سيال باطني يبحث فكرة كبيرة، أو فطرة مستهوية تتصل بعالم من عوالم الدنيا أو من عوالم النفس الإنسانية فهو حياة من حيوات النفس وليس صياغاً أو هندسة أو لعباً بالألفاظ. هذه الفلسفة نستطيع أن ندرك منها أن للشعر الحديث تاريخاً هائلاً منذ القدم. وليس هو جديد علينا كما يذهب بعض الكتاب إلى تسميته بالموضة الجديدة”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©