الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عابد إسماعيل: لا وظيفة رسولية للقصيدة

عابد إسماعيل: لا وظيفة رسولية للقصيدة
2 فبراير 2011 19:31
عابد إسماعيل شاعر سوري ينتمي إلى جيل التسعينيات، ويتفرد بأسلوب جديد في الكتابة الشعرية. يرى بعض النقاد في قصائده مسحة من الغرابة والتأثر بالثقافة الغربية، ويرى فيه البعض الآخر حساسية خاصة لا تبتعد عن تجربة الحداثة الشعرية العربية. قصيدته تتسم بالكآبة، وينز منها ألم إنساني يطبع عوالمه بألوان قاتمة، لكن هذه القتامة لا تأخذ أبعادها من الحميمية والوجدانيات، وإنما توحي حياديتها الباردة بانكفاء العقل وانطوائه على ذاته، وكأنه يجد في ذلك سعادته القصوى!. ولد عابد إسماعيل في اللاذقية عام 1965، درس الأدب الإنكليزي في الولايات المتحدة وحصل على درجة الدكتوراه في الشعر الأميركي الحديث، وهو يعمل حالياً مدرساً لمادة الشعر الإنكليزي في جامعة دمشق، إضافة إلى عمله في مجال الترجمة والنقد الأدبي. أصدر منذ عام 1998 خمس مجموعات شعرية هي: طوافُ الآفل، باتجاهِ متاهٍ آخر، لن أكلمَ العاصفة، ساعةُ رملْ، لمعُ سراب. كما ترجم إلى العربية أكثر من عشرين كتاباً لعدد من أبرز الشعراء والمفكرين والأدباء العالميين. ? أنت تعتبر الشعرَ جائزة الخاسر، وسلوى النائم بلا حلم، فما سبب كل هذا التشاؤم؟ ? إذا أردت أن تسميه تشاؤماً فليكن، لكني أعتقد أن الشعر مرتبط بالأسئلة الكبرى للوجود، والحياة رحلة قصيرة تقوم على فواصل ولحظات خسارة مستمرة، والخسارة التي أعنيها ليست بالتأكيد مادية، وإنما ملامسة للحظة فراق أو رحيل أو استنطاق لذاك الأثر الذي يتركه الراحلون خلفهم. وبهذا المعنى لا أتحدث عن الكآبة كمفهوم، وإنما كإيقاع خفي يبطن علاقتنا بالعالم الذي نعيش فيه. هناك شعراء يكتبون الفرح، وهناك من يكتبون التفاؤل ويدعون لتجاوز الراهن والبحث عن مستقبل أفضل، ولكن الأسئلة الوجودية في الشعر أهم، وهي ليست يقينية أو أيديولوجية في طبيعتها، وبالتالي فإن الحزن في قصيدتي ليس أيديولوجيا، وإنما حالة وجودية تفرض نفسها على صوت القصيدة. ? الإبداع، الأدب، الشعر، كلها محاولات فاشلة للانتصار على الموت والنسيان، ولكن هذا الفعل المضاد، ألا يفترض أن يبث روح الحياة والتفاؤل في النص؟. ? لا شك أن الفن يجب أن يحتفل بالحياة وبالهبة الربانية في هذا الكون بتناقضاته وتنوعه وألوانه، ولكن ليس من وظيفة الفن أن يتعمد بث الفرح برأيي. الشعر يكتب لكي نتأمل هذا العالم في لحظات حزنه وفرحه، وليس له وظيفة رسولية تحض أو تحث على التفاؤل أو التشاؤم. ? لكنك تأخذ الشعر في أغلب الأحيان إلى التشاؤم؟ ? لا أدري، أنت محق، ثمة كآبة تسري بين السطور، وإذا أردت أن توصفها كحالة تشاؤم، فهذا حق لك كقارئ، لكن كلمة تشاؤم ثقيلة، لأنها يقينية، وأنا أفضل القول إن هناك جواً من الكآبة يخيم على المناخ الشعري في أكثر من قصيدة لي. وأعتقد أننا عندما نسلط الضوء على الجانب المأساوي التراجيدي في حياتنا كبشر، ربما نريد أن نلفت الانتباه إلى الجانب المشرق أيضاً. جمال الوهم! ? إن متعة الحلم تكمن في الرغبة بتحقيقه، لكنك في مجموعتك “لمعُ سراب” تحتفي بالوهم غير القابل للتحقق، فكيف يمكن للسراب أن يكون جميلاً، أو شكلاً من أشكال الحرية ـ حسب تعبيرك ـ وهو يعادل المستحيل وضياع الأمل؟ ? الحلم ينتهي حين يتحقق في الواقع، أما في الفن فالمعادلة تختلف كلياً، لأنه يقوم على حالة من الاستشراف، والبحث عن المستحيل، فليس هناك إرادة وصول في لوحة فنية أو قصيدة، أي أنه ليس هناك معنى مكتمل وجاهز ومقفل، لكي نقول هنا مكمن الحقيقة. فالحلم في القصيدة هو انعكاس لرغبة السفر المستمر في رحلة البحث عن معنى. ولذلك نعود للقصائد العظيمة مرات كثيرة، لأنها تجيد التواري والاختفاء والتنكر ولا تلبي رغبتنا بالكامل، فهي تجيد التمسك بالحلم، والسراب في مجموعتي التي أشرت إليها لا يعني اليأس، ولا علاقة له بهذا الفقر العاطفي والذهني، إنما هو حالة الرغبة باللا وصول، وكأنني (عوليس) البحار الذي تغويه المسافات والآفاق المجهولة، فيسافر من مرفأ إلى آخر ويحتفي بالسراب. حيادية عاطفية ? تبدو قصائدك مفتقرة إلى الحميمية أو كما يسميها بعض النقاد الصميمية، فهل تخشى البوح؟ ? أعتقد أنك تلمح في سؤالك إلى مسألة الحيادية العاطفية، وهذا صحيح، لأن شعر الحداثة اليوم يقوم على خلق مسافتين، الأولى بين النص والمبدع، والثانية بين النص والقارئ، وهاتان المسافتان تحدث عنهما الشاعر الأميركي الشهير ت.س. إليوت حين اخترع مفهوم المعادل الموضوعي في القصيدة. فالشاعر الحديث يهرب من البوح والغوص في أعماق الذات (!) لأنه سمة رومانسية، ويبتعد عن الأنا التي تشظت وحوصرت، وأصبحت هي الآخر. فالشاعر لم يعد قادراً على التواصل مع ذاته لكي يبقى في دائرة البوح، وكان البديل هذه التقنية الجديدة بخلق هاتين المسافتين، لكي أقول للقارئ المعاصر إن مفهوم (الأنا) بأبعاده الرومانطيقية الميتافيزيقة لم يعد قائماً، وخصوصاً بعد بروز فلسفة الشك وفرويد واكتشافه اللا وعي وجدلية ماركس وغيرها من التطورات الفكرية المذهلة. ولهذا فأنا أبتعد عن البوح بمعناه الرومانسي التقليدي، وأكرس الحيادية بمعناها التحليلي النقدي كجزء من خطاب القصيدة العام. مسحة ضبابية ? يؤخذ عليك أحياناً إيغاُلك في الرمزية؟ ? لأنني أعتقد أن القصيدة لا يمكن لها أن تتنفس خارج الرموز والمجاز، وحتى الطباق والجناس وكل تلك الأدوات اللغوية والبلاغية التي لا تقوم من دونها، مع أنني أحترم قصيدة التفاصيل واليوميات، كما يحب البعض أن يسميها، وهي قصيدة ذاهبة إلى الشفافية والتقريرية والابتعاد عن البلاغة. إنما الأمر مذاهب وحساسيات، وأنا أجد نفسي في الرمز، وأعتبر الصورة الشعرية أساسية في القصيدة، فما يميز الشعر عن غيره من الأجناس الأدبية الأخرى، هو عنايته وولعه بالمجاز والبلاغة، وإذا استئصلناهما لا يبقى في القصيدة سوى الأفكار. ? ولكن ألا تخشى أن تحول هذه الرمزية بينك وبين القارئ؟ ? أنا لست مع الطلسمية ولست مع حالة القطيعة مع القارئ، وإنما أعمل جاهداً على أن أهرب من المباشرة والتقريرية، دون أن تبدو الصورة مفتعلة أو متكلفة. فالصورة الشعرية هي رقص بالكلمات، لكن ينبغي أن تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمعنى، بحيث لا يكون هناك فجوة بين الدال والمدلول. فأنا ضد الغموض غير المبرر، لكنني مع تلك المسحة الضبابية الآسرة التي تغوينا بالقراءة والبحث، بشرط ألا تقف حاجزاً أو عائقاً بين القارئ وبين النص. غبطة جمالية ? أنت من أنصار الفن للفن، وترى أن الشعر لعب مطلق، لا غاية ترجى منه سوى المتعة الجمالية الخالصة، فلماذا إذاً تحمل قصائدك كماً كبيراً من الهموم والآلام الذاتية والإنسانية؟ ? غاية الفن في العموم هي الغبطة الجمالية، وهذا ليس هدفاً هيناً. ثمة علوم ونشاطات كثيرة في حياتنا تبحث عن الفائدة، أما الفن فهو مرتبط بالمتعة الجمالية الخالصة، ومع ذلك فهو ليس لعباً مجانياً بالصور والرموز، والقصيدة ليست عبارة عن معادلات لغوية محضة، ولا بد لها من أن تتناول شؤوناً ذاتية وشؤوناً كونية أيضاً، ولا أجد تناقضاً على الإطلاق بين أن تكون القصيدة مسرحاً لصراع الأفكار والهواجس والمشاعر والذكريات، وأن تكون أيضاً أيقونة فنية قائمة بذاتها. ? ولكن المواطن العربي مثقل بقضايا كثيرة اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية، وكذلك الشعراء والأدباءُ العرب، فهل تعيش وحدك في برج عاجي؟ ? على الإطلاق. أعتقد أن أحاسيس الإنسان وانفعالاته واحدة، سواء كان فلاحاً أو عاملاً أو أستاذاً جامعياً، فهو يتذكر، ينسى، يكتئب، يبكي، يفرح، وهذا هو الفلك الذي تدور فيه قصائدي، ويدور فيه الشعر عموماً، وحين أتحدث عن حالة من الحزن أو الفرح، فأنا أطمح إلى ملامسة وتر خفي في نفس القارئ. ? عن أي قارئ تتحدث؟ ? حالة القراءة في عالمنا العربي مزرية، لكن الفن والأدب كان دائماً متقدماً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والعلمي، فالفن سباق واستشرافي. ? هل تكتب لقارئ لم يولد بعد؟ ? عندما أكتب لا أضع في ذهني قارئاً معيناً، كما لا أكتب لذاتي في الوقت نفسه. القصيدة تولد كتلة واحدة أو دفقة واحدة، وربما أضيف عليها أو أنقحها أو أحذف منها أحياناً، لكنها تبقى حالة جمالية كالموسيقا والأغنيات، أو كإلهام مباغت. أما عملية التواصل مع القارئ فتأتي لاحقاً. وأعتقد أن هذا السؤال (لمن نكتب) سيبقى مسألة في غاية الأهمية، وسوف يكون دائماً مثار جدل وسجال بين القراء والكتاب. ? هل تعتبر نفسك من شعراء ما بعد الحداثة؟ ? لا أعتبر نفسي سوى عاشق للشعر، حتى أنني أنظر إلى كلمة شاعر بكثير من الوجل والخشية والاحترام، فأن تكون شاعراً لا يعني أن لك مهنة، وإنما يعني أنك تريد أن تحمي النداء الداخلي في أعماقك، وأنا لا أستطيع أن أتنفس أو أحلم، أن أنسى أو أتذكر دون القصيدة والشعر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©