العواصم الثقافية

يقول البند الأول في ''موجهات الثقافة'' على الموقع الإلكتروني للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التي تختار العواصم الثقافية العربية إلى جانب وزراء الثقافة العرب: ''التأكيد على وحدة الثقافة العربية، والسعي إلى دعم العمل العربي الثقافي المشترك، وتوثيق الصلات بين الوزارات المعنية بالشؤون الثقافية في الوطن العربي، والتنسيق بين البرامج الثقافية التي تتولى هذه الوزارات تنفيذها، مع وضع خطة قومية لتحقيق التكامل بين السياسات الثقافية والإعلامية في الوطن العربي''· وبقية البنود لا تخرج عن هذا التصور· بين النظرية والتطبيق بون شاسع، وبين الواقع والحلم جدران عالية، هذا البون وتلك الجدران هي ما تعوق العمل الثقافي العربي، كما تعوق أي عمل عربي مشترك، والسبب يكمن في محاولة الفصل بين السياسي والثقافي، في الوقت الذي تؤكد فيه كل المعطيات على أن أي عمل لا بد من دعمه بقرار سياسي، أي بمباركة الحكومة والسلطة· وحين يتسم الواقع العربي بالتشرذم والاختلاف والتناحر والخصام، فإنه من المستحيل الوصول إلى صيغة قابلة للتطبيق على أرض الواقع· ولهذا يهرب المسؤولون عن الثقافة إلى تفريغ الثقافة من محتواها الفكري الحقيقي الذي يحدد الثوابت الوطنية، نحو النمط الاحتفالي الشكلي الإجرائي، الذي يوحي بأن كل شيء جميل ورائع ومبدع، بينما العمل الثقافي الحقيقي مناوشة دائمة لكل الممارسات التي تبعد الإنسان عن ثقافته وتحوله إلى إنسان آلي مبرمج يأكل ويعمل وينام ويضحك ويحزن حين يطلب منه ذلك، ويصادق على كل شيء دون اعتراض، إضافة إلى أن الثقافة فعل معارضة لكل أشكال تهميش الإنسان، فهي ليست فكرة في رأس صاحبها، وليست معلومة يرددها حافظها، وإنما سلوك يومي يسعى إلى الارتقاء بإنسانية الإنسان، ويمكن وضع خط عريض تحت الكلمتين الأخيرتين· العمل الثقافي العربي يسعى نحو التوافقية والإرضائية، ولهذا يوزع العواصم الثقافية على السنوات، ولا بد لكل عاصمة أن تأخذ دورها فتصبح عاصمة للثقافة العربية، حتى لو كانت هذه العاصمة ترضخ تحت قوانين تعسفية، أو حتى لو كانت محتلة، كالقدس· وهذا الاختيار التناوبي للعواصم العربية لتكون عواصم ثقافية يساوي بين المدن ذات الفضاءات المفتوحة، ولو بشكل نسبي، والعواصم المغلقة، وهنا يطل رأس السؤال: عن أي ثقافة يتحدثون؟ وهل يدركون توق الثقافة للهواء الطلق، وأهمية ذلك في مستوى الإبداع؟· إن هذه الآلية لا تحفز العمل الثقافي، ولا تحرض على الإبداع، والمطلوب تجذير التنسيق بين العواصم العربية والخروج بعمل ثقافي ضخم في كل عام، تشترك فيه كل العواصم، الغنية والفقيرة، إلى جانب الأنشطة المحلية· كما أن هناك حاجة ماسة وملحة أن توكل مهمة تنظيم الأنشطة إلى لجان محترفة في العمل الثقافي، تطمح إلى تسويق الثقافة وليس تسويق الذات، ناهيك عن المطلب الأول وهو رفع الأيادي عن فضاءات المبدع·