الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة العراق: إلى وفاق أم تفجر؟

أزمة العراق: إلى وفاق أم تفجر؟
23 ديسمبر 2011 21:16
لا تخرج الحصيلة الدامية للتفجيرات الأخيرة التي هزت العاصمة العراقية بغداد عن المعتاد مقارنة بالسنوات التسع من الحرب في البلاد، فحسب هيئة الإذاعة البريطانية، "بي بي سي"، فقد وصل عدد القتلى إلى 68 شخصاً سقطوا في 16 تفجيراً استهدفت مناطق مختلفة من العاصمة قبل يومين. ومع احتمال تزايد عدد الضحايا بالنظر إلى العدد الكبير من الجرحى الذين أصيبوا بجراح خطيرة وأدخلوا المستشفيات، فإن يوم 22 ديسمبر قد يكون أحد أسوأ أيام عام 2011 بالنسبة للعراق والعراقيين. لكن مع ذلك، يبهت هذا الرقم قياساً إلى العدد الكبير من الضحايا الذين كانوا يسقطون يومياً في أوج الحرب العراقية، والذين كان يقدر عددهم بالمئات في اليوم الواحد. ورغم التحسن الطفيف في الوضع الأمني العراقي، مع إرسال الولايات المتحدة أعداداً إضافية من قواتها في عام 2007 ضمن خطة الزيادة على أمل أن يعطي ذلك فسحة من الوقت للمصالحة السياسية بين العراقيين، فقد ظلت السياسة العراقية منذ تلك الفترة تقودها الصراعات الطائفية والإثنية مع دخول السياسيين في معادلات صفرية سعياً وراء السلطة والنفوذ. لذا ليس غريباً في ظل الأجواء السياسية المحتقنة وغياب المصالحة الحقيقية، أن ترتفع وتيرة العنف مجدداً خلال السنة الجارية، حيث شهد العراق في 15 أغسطس الماضي أكثر من 30 هجوماً سقط فيها 70 شخصاً، وهو ما يدفعنا لعدم الاستغراب كثيراً من التفجيرات الأخيرة باعتبارها جزءاً من سيرورة العنف في العراق وليست حادثة منعزلة. ولا ننسى أيضاً أنه في شهر يوليو الماضي كتب المفتش الأميركي العام لجهود إعادة الإعمار في العراق محذراً من أن العراق "ما زال مكاناً خطراً للعمل، وهو أقل أمناً في تقديري مما كان عليه قبل 12 شهراً"، مشيراً إلى أن عمليات استهداف القضاة واغتيال عناصر الأمن ما زالت شائعة والوضع سائر نحو التدهور. ومنذ إطلاق تلك التحذيرات لم نشهد تحسناً في الوضع العام، كما أن المخاوف من سعي رئيس الوزراء نوري المالكي وحلفائه إلى بسط سيطرتهم على السلطة والاستفراد بها، تحققت بالفعل على أرض الواقع، وذلك بعد أيام فقط على خروج آخر جندي أميركي من العراق. وفي خضم هذا الصراع السياسي المدمر أصدر المالكي مذكرة اعتقال في حق نائب الرئيس العراقي، السياسي السني طارق الهاشمي، الذي فر إلى إقليم كردستان المتمتع بشبه حكم ذاتي. وقد وجه اتهامٌ إلى الهاشمي بأنه كان يدير فرق اغتيال، لكن مهما كانت تلك التهم ومدى صحتها فإن القليل فقط من العراقيين يمكن فصلهم بالفعل عن العنف الطائفي الذي اجتاح العراق في مرحلة من المراحل. لذا يأتي توقيت هذا التصعيد ومحاولة إلقاء القبض على سياسي سني بارز، ليبعث برسالة واضحة مفادها أن ما يجري في العراق هو سيطرة سياسية وليس المصالحة التي أرادها البعض. وفي ردها على هذه التطورات سحبت كتلة "العراقية" ذات التكوين السني في أغلبه مشرعيها من البرلمان العراقي احتجاجاً على القرارات الأخيرة لنوري المالكي، فيما بدأ هذا الأخير في إجراءات سحب الثقة من نائبه صالح المطلك، وهو سني كذلك، مهدداً في الوقت نفسه بإقالة جميع خصومه السياسيين من الوزارة وملء الحكومة بالموالين له من الشيعة. وكل ذلك يزيد من احتمالات انزلاق العراق مجدداً في الحرب الأهلية. لكن رغم نذر الحرب والتأزم، لا يمكن قول إن الأمر صار حتمياً في العراق، فما شهدته المدن العراقية والأحياء المختلفة في بغداد من فرز طائفي بين السنة والشيعة قد يدفع الفرقاء العراقيين إلى التفكير مرتين قبل إطلاق الحرب مرة أخرى، خاصة بعدما سقط أكثر من 100 ألف عراقي على مدى السنوات الماضية. وفيما تبقى ندوب المرحلة السابقة غائرة في الوعي العراقي، فإنها ستشكل أيضاً دافعاً لعدم تكرار ما جرى خلال الحرب الأهلية. فالعديد من العراقيين الذين كانوا يافعين في 2003، أصبحوا اليوم بالغين وربما لهم أسر وأبناء، وهم بالقطع لا يرغبون في إعادة مسلسل القتل والتهجير على أساس طائفي كالذي عاشه العراق في ذروة الاقتتال. لكن في المقابل قد يؤدي الخوف من تجدد العنف إلى مزيد من التخندق والانعزال، حيث تنتشر مزاعم مفادها أن حي الأعظمية ذي الأغلبية السنية في بغداد، بدأ في إقامة متاريس على مدخله ويطلب تعزيزات من محافظة الأنبار السنية. هذا بالإضافة إلى حوادث عنف متفرقة شهدتها مناطق مختلقة من العراق في الفترة الأخيرة. هذا التخوف دفع برهم صالح، رئيس وزراء إقليم كردستان الذي تحول اليوم إلى دور الحكَم في الصراعات العراقية، إلى التعليق في حسابه على موقع "تويتر"، قائلاً بأن ما يحدث في العراق هو كارثة حقيقية، محملاً المسؤولية للقيادة وداعياً العراقيين إلى الوحدة. والملفت أن الأكراد الذين ناضلوا طويلاً في عهد صدام حسين للحصول على حد أدنى من الحكم الذاتي، باتوا اليوم يدعون إلى مزيد من الوحدة الوطنية ونبذ الخلافات. أما فيما يتعلق بالعمليات الأخيرة في بغداد، فإن أصابع الاتهام ربما تشير، رغم عدم اكتمال التحقيقات، وبالنظر إلى هوية المناطق المستهدفة، إلى أن المنفذين قد يكونون من السنة، وربما يتعلق الأمر بعناصر "القاعدة" التي سعت إلى استغلال الوضع عقب الانسحاب الأميركي لرفع وتيرة العنف، وقد يتعلق بجهات أخرى تريد تعزيز وضعها الطائفي. والمشكلة أن العنف الطائفي وانعدام الثقة بين مكونات المجتمع المختلفة، تخلق ديناميتها الخاصة لاستمرار الوضع في التردي، بحيث من غير المرجح أن يُبلغ عراقي على جاره الذي يخزن الأسلحة في مرآبه إذا كان يعتبر الشرطة والأجهزة الأمنية هي عدوه الحقيقي وليس الإرهاب. فأين الولايات المتحدة من كل ذلك؟ مع الأسف تقف أميركا متفرجة على ما يجري دون القدرة على التحرك بعدما قررت من تلقاء نفسها الانسحاب من العراق وفق الاتفاقية الأمنية الموقعة مع القادة العراقيين ورفضهم تمديد بقاء القوات الأميركية. ورغم محاولات نائب الرئيس جوزيف بادين التدخل بعد التفجيرات الأخيرة، وذلك بحثِّه للمالكي على الجلوس إلى طاولة الحوار مع شركائه في السلطة، إلا أنه من غير المرجح أن يصغي المالكي لما يقوله بايدن بعدما زالت ورقة الضغط لدى الولايات المتحدة متمثلة في قواتها المنسحبة. دان مورفي عضو هيئة تحرير «كريستيان ساينس مونيتور» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©