الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حاشية على الربيع الديمقراطي

23 ديسمبر 2011 21:17
لا شيء يمنع من البكاء والضحك في آن واحد، ها هنا تشخصت المعاني المتناقضة في مشهد عانقت فيه التراجيديا المعنى الأسوأ للكوميديا. هكذا دون مقدمات نقف هذه الأيام بين عامين لا كالأعوام، عام يمضي تاركاً بين طياتنا شجونا كثيرة يمتد معظمها لكي يتعلق برقبة العام المقبل، وأحداث خلدت ذكريات ووقائع خطت منعطفاً جديداً على امتداد الوطن العربي. سنة تكفي الباحث ليرتاح من تعب المتابعة اليومية للأحداث، ويرتب الأفكار ويعلق جميع الصور أمامه بغية فهم أدق وقراءة أمثل وتحليل أعمق، لما حدث في منطقة كانت لعقود أرضاً بوراً، ومضرباً للمثل في السكون والاستقرار المرادف للموت بلغة الطبيعة. فهمٌ يكشف أن ما خلقه الحدث الثوري على أرض الواقع تجاوز ثنائية النظام والمعارضة، فأفقد بعض الأنظمة مشروعيتها، كما تخطى المعارضة التي باتت وراءه. قراءة تعلن أن الحراك يفتح آفاقاً وعوالم جديدة دون الحاجة لرائد أو قائد أو زعيم، فالحدث لم يكن صنيع النخب أو الأحزاب بمختلف أيديولوجياتها، بل ثمرة من ثمار العولمة بحداثتها وهوياتها وأزمنتها المتسارعة. إنها ثورة تعد بنتاً شرعية للعصر، بشبكاته العنكبوتية وإعلامه الرقمي وصحافته المواطنة. تحليل يقود إلى أن ما قدمه الناشطون في الساحات والميادين نموذج متقدم في العمل السياسي الديمقراطي لا علاقة له بالنماذج العتيقة. فهذه التجربة توقفت عند المتناقضات وتوفقت في الجمع بينها، في إطار يستوعب الجميع دون استبعاد أي طرف، في مشاهد كنا نعدها حتى الأمس القريب من نسج الخيال. فالتصقت أذرع الأقباط بأكتاف المسلمين في ميدان التحرير بمصر. وخرجت تظاهرة في سوريا، البلد القومي العربي، تحت شعار "جمعه آزادي (الحرية)". وفي اليمن شكل التنازع القبلي أساساً لهوية جامعة بين الرجال والنساء. قراءة تفضي بنا إلى الإقرار بحقائق شبه يقينية، حول ما استوعبته الشعوب من الدرس الثوري الذي عرفته المنطقة على امتداد السنة: الأولى أن الشعوب تخوض معركة الاستقلال الثانية، للتخلص من الاستعمار الجديد، الذي جثم على صدرها فور رحيل الاستعمار الأول، أي أن كل هذه السنوات السالفة لم تكن سوى هدر سريالي للزمن. الثانية أفول شمس مختلف الشرعيات، الثورية، والقومية، والدينية، والعسكرية، والطائفية... أو ما يعرف بالمنظومات المنتمية لحقبة ما قبل الدولة الوطنية. الثالثة إيمان الشعوب بحكم الشرعية المؤسساتية المحكومة بآلية الديمقراطية الدينامية الرامية إلى تحقيق الحرية والعدالة كمقومات أساسية للمواطنة الحقة دون غيرها من الآليات. وعوداً على بدء للوقوف عند تفاصيل دقيقة، كانت بمثابة فسيفساء تشكل ماهية لوحة اسمها الحدث الثوري، الذي تجاوز صانعيه فصار نموذجاً بكراً بحاجة إلى تأطير نظري ومرجعية فلسفية تحدد بدقة هذه التجربة الأصيلة والمتفردة في التاريخ الإنساني. تجربة فرضت على مختلف القوى السياسية الفاعلة في هذه البلدان ضرورة مراجعة برامجها النظرية وتصوراتها لتكون أكثر نضجاً ومواكبة لمتطلبات المرحلة، فيما يتصل بالمواطنة والحريات والتنمية والحقوق. تجربة استطاعت أن تسمو بصانعيها فوق أمراض وعلل تنخر المجتمعات المقموعة، فالنفس الانتقامي من رموز الأنظمة الشمولية التي لم تحترم عقلا ولا ذوقاً ولا أحلام الشعوب في البحث عن حياة جديدة لم يكن حاضراً إلا في حالات قليلة جداً. بل اعتبرت هذه التجربة الكل أبناء وطن واحد يفصل بينهم فيما كانوا فيه يختصمون بالعدل والمساواة وشرعية المؤسسات. فنجاح وانتصار هذه التجربة المحلية الصنع يبدأ من هذه النقطة التي هي بداية الطريق. المحصلة مما سلف ذكره هي أن التغيير الذي انتظرته الشعوب منذ خروج الاستعمار قبل نصف قرن ونيف، والذي "هرمت" في سبيله كما عبر عن ذلك المواطن التونسي أبلغ تعبير، جاء من حيث لم ينتظره أحد. لكن المهمة لم تنته بعد والحدث لم يصنعه أشخاص معصومون، فالعديد من المؤشرات تنبه إلى أنه من الواجب تجاه الذات وتجاه الوطن، الانتقال إلى مبدأ الشك في كل شيء، حتى يتراءى العكس أمام أعين الجميع، إن أرادت الشعوب الحفاظ على هذه التجربة المتفردة. محمد طيفوري - كاتب مغربي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©