الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراق والبوسنة··· والمقارنة المغلوطة

17 يونيو 2007 23:21
من بين الأمور المزعجة بخصوص الجدل الدائر حول العراق السيلُ العارم من الاتهامات بالنفاق· فإذا كنتَ قد أيدت الحرب في البداية، ثم رأيت لاحقاً أنها لم تكن فكرة جيدة؛ أو عارضتها منذ البداية، ولكنك رأيت أنه سيكون من الخطأ الانسحاب، فإن شخصاً ما في مكان ما سيتهمك بالعدول عن رأيك، إن لم يلصق بك صفة النفاق مباشرة ودون كناية أو مجاز· ولعل النسخة الأكثر سخفاً من هذه الاتهامات هي تلك التي تقول إنك إذا أيدت حروباً أخرى من أجل أهداف إنسانية، مثل الحرب في البوسنة أو رواندا، ولكنك ترغب في الانسحاب من العراق، فإنك منافق· فعلى سبيل المثال، كتب عضو لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر والسيناتور السابق لولاية نيبراسكا، ''بوب كيريفي''، في صحيفة ''وول ستريت جورنال'' يقول: ''إن أكثر من يغيظني من المنتقدين أولئك الذين لا يقفون عادة إلى صف الديكتاتوريات، أو الذين يجادلون اليوم بأن التدخل العسكري في دارفور هو الوحيد الذي من شأنه منع جريمة الإبادة في دارفور، أو الذين جادلوا أمس بضرورة التدخل العسكري في البوسنة والصومال ورواندا لوقف العنف الطائفي الذي كان يمزق تلك البلدان''· والواقع أنه أمر صعب أن يضطر المرء إلى تفسير الفرق بين قرار يتخذه بالنظر إلى الأمام وقرار يتخذه بالنظر إلى الخلف (بالنسبة للقراء الذين لم يفهموا بعد قصدي، إليهم المثال التالي: قد يكون الذهاب إلى الشاطئ فكرة جيدة في البداية· ولكن عندما يعضك قرش، يتضح أنها كانت فكرة سيئة)· ولكن، هل عليَّ فعلاً أن أوضح لماذا لا ضير في تأييد بعض الحروب ومعارضة أخرى؟ ما دمت واحداً من المنتقدين الذين يبدو أنهم يزعجون ''جون كيري'' كثيراً، دعوني أحاول· لقد أيد العديد من الليبراليين التدخل العسكري الإنساني في أماكن مختلفة من العالم في عقد التسعينيات، وهم يؤيدونه اليوم صراحة في دارفور، ولكنهم لا يحتملونه في العراق· (شخصياً، أنا حائر بخصوص الموضوع، ولكنني أستطيع أن أدافع بسهولة عمن وقفوا موقفاً مؤيداً للانسحاب لأنني أتبناه كل أسبوعين تقريباً)· لقد تمثل تعليل التدخل في أن على الولايات المتحدة واجباً أخلاقياً لوقف القتل الجماعي· غير أنه من المرجح جداً أن يحدث قتل جماعي في العراق في حال انسحابنا· وبالتالي، فإن أولئك الذين أيدوا الحرب في مكان آخر ولكنهم يريدون الانسحاب من العراق اليوم منافقون· ومثلما عبر عن ذلك ''ماثيو كونتينيتي'' في أحد أعداد ''ويكلي ستاندارد'' الأخيرة، فـ''قد يبدو كما لو أنه يمكن عقد مقارنة بين البوسنة أمس والعراق اليوم، حيث تعد قوات التحالف هي لحائل الوحيد الذي يمنع الفصائل السياسية والطائفية المختلفة من تقتيل بعضها بعضاً''· الواقع أن هذه المقارنة لا يمكن تطبيقها على الإطلاق، ولذلك فهي مغلوطة، بهذا المعنى· ذلك أن الناس في البوسنة لم يكونوا، في الغالب الأعم، ''يقتلون بعضهم بعضاً''· فقد كان الصرب هم الذين يقتلون المسلمين البوسنة (ولاحقاً سكان كوسوفو)· وهو وضعٌ تستطيع فيه القوة العسكرية الأميركية بكل وضوح أن تحل المشكلة· فكل ما كان علينا فعله هو إنزال ما يكفي من العقاب بالمعتدي لحمله على التوقف عما يرتكبه من فظاعات· أما في العراق، فثمة بالفعل مجموعاتٌ عرقية تقتِّل بعضها بعضاً· إحداها الشيعةُ الذين يستعملون جهاز الدولة في المقام الأول· أما المجموعة الأخرى، فهي السُّنة الذين يلجأون لتكتيكات التمرد· والواقع أن النجاح هنا لن يقتضي إقناع أحد الأطراف بوقف اعتدائه، وإنما إقناع كِلا الطرفين بعقد السلام· غير أن الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة لا تبدي مؤشراً على رغبتها في تقديم التنازلات الضرورية لتحقيق السلام· هل من الممكن في حال بقينا هناك لما يكفي من الوقت أن يكف العراقيون عن الاقتتال ويبدأوا في التوافق؟ مما لاشك فيه أن هذا ممكن· غير أن السؤال بخصوص مدى إمكانية تحقق ذلك لا يمكن الإجابة عليه انطلاقاً من دروس البوسنة أو كوسوفو أو ما شابههما· يُتهم أولئك الصقور الليبراليون الذين انقلبوا على حرب العراق دائماً بالخوف أو بالتعصب الحزبي· إلا أنه ربما ثمة تعبير آخر ربما يكون أدق بكثير لوصف حالة تشكيل المواقف وفق الحقائق المتغيرة· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع
المصدر: خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©