الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللاجئون الأفغان ورقعة الشطرنج الإقليمية

18 يونيو 2007 03:00
مجدداً تقف أفغانستان على عتبة أزمة جديدة لم تكن لتحسب ان فصولها ستترجم على أرض الواقع بهذه السرعة، خصوصاً أن لديها ما يكفي من المتاعب ويزيد· ففي قرار يبدو أن لا عودة عنه، أعلنت كل من إيران وباكستان أنها ستبدأ بطرد اللاجئين الأفغانيين الذين استقبلتهم منذ العام ،1979 وهي خطوة تشكل ضربة قاصمة للحكومة الأفغانية التي تفتقد المقوّمات الضرورية لاحتواء العدد الهائل من اللاجئين الأفغان الذين قرر البلدان إرجاعهم إلى بلدهم· وبالفعل، بدأت إيران بسحب سجادها العجمي من تحت أقدام اللاجئين الأفغان، ومنذ أواخر بريل من العام الحالي وحتى الآن ردّت بشكل عشوائي ما يزيد عن 85 ألف لاجئ أفغاني· ما سبب هذه الخطوة المفاجئة وما هي خلفياتها؟ هذا ما يناقشه التقرير التالي: تسبب غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان في العام 1979 وما لحقه من سنوات طويلة من الاحتراب الداخلي في ما بين المجموعات الأفغانية المسلحة، في لجوء أكثر من خمسة ملايين أفغاني إلى الدول المجاورة ينشدون القليل من السلام والدفء· كان على رأس الدول المضيفة إيران وباكستان اللتان تسببت موجات اللاجئين الوافدة إليهما بأعباء ثقيلة رتبها وجودهم عليهما· قرارات بحجة العنف والتوتر في تحرّك مفاجئ، هددت طهران وإسلام أباد بطرد هؤلاء اللاجئين من أراضيها، متذرعتين بأن الوجود الأفغاني يؤدي إلى تفاقم العنف والتوتر الأمني في البلدين، خصوصاً أن هناك أعداداً هائلة من اللاجئين الذين دخلوا بطرق غير شرعية هاتين الدولتين· من جهة أخرى، يرى بعض المراقبون أن القرار الإيراني قرار سياسي بامتياز ولا علاقة له بالوضع الاجتماعي أو الأمني الداخليين، وانه يأتي على خلفية المواجهات القائمة بين إيران والغرب· وأبرز مثال على ذلك الاتهامات التي ساقتها واشنطن ضد طهران باعتبارها الجهة المسؤولة عن توفير الأسلحة إلى المقاتلين الأفغان والعراقيين وبالتالي المسؤولة عن زعزعة الاستقرار الأمني في كل من كابول وبغداد· استناداً إلى الإحصاءات التي قدمتها المفوضية العليا للاجئين (UNHCR) فإن قرابة المليون لاجئ أفغاني يعيشون في إيران، فيما يتضاعف العدد في باكستان، مع تسجيل وجود عدد كبير من اللاجئين الذين دخلوا بطرق غير قانونية إلى البلدين، وبالتالي فإنّ أسماءهم غير مدرجة على لوائح الإحصاءات· الملاحظ أن قسماً قليلاً من هؤلاء اللاجئين تمكن من الانصهار في مجتمعات الدول المضيفة ووجد لنفسه نمطاً معيشياً مستقراً، فيما الأغلبية الساحقة منهم ترغب فعلاً بالعودة إلى البلاد، وهو أمر صعب خصوصاً وأن الحكومة الافغانية تفتقر إلى أبسط المقوّمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وبالتالي فإنها لا تملك القدرات على تأمين أقل احتياجات اللاجئين العائدين، ومنها حاجتهم إلى المسكن والمأكل والمشرب والرعاية الصحية· وأصدق مثال على ذلك، هو أن قسماً كبيراً من اللاجئين الذين عادوا إلى أفغانستان لا يزالون ومنذ سنوات ست يقطنون في خيم مؤقتة نصبت لهم، ويفتقرون لأبسط الخدمات الأساسية كالكهرباء والصرف الصحي وفرص العمل التي بالكاد يجدها سائر المواطنين· وكان من تداعيات رجوع هذا العدد الضخم ان معظم العائدين يسكنون في المدن الأفغانية الكبرى مثل كابول التي ارتفع عدد سكانها خلال السنوات الست الأخيرة من مليونين إلى أربعة ملايين نسمة، وهو أمر أدى إلى كثافة سكانية هائلة، والأمر عينه ينطبق على أكبر المدن الأخرى، لاسيما انه إلى جانب عودة اللاجئين تم نزوح عشرات المزارعين من قراهم إلى المدن آملين أن يتمكنوا من تأمين حياة جيدة لأبنائهم· يرمونهم على الحدود تحاول الحكومة الأفغانية بالتعاون مع المفوضية العليا للاجئين أن تفاوض السلطات الإيرانية والباكستانية لاستقدام اللاجئين إليها، ولكن على دفعات تستطيع أن توفر لها الحد الأدنى من الحياة اللائقة، وذلك ببساطة لأن أفغانستان لا تملك القدرات لاستيعابهم دفعة واحدة· ولكن يبدو أن المفاوضات لا تسير على ما يرام، فمنذ أواخر ابريل الماضي عمدت طهران إلى طرد 85 ألف لاجئ أفغاني، رامية بهم جنوب حدودها في الجهة الأفغانية، في حين أن اسلام آباد أعلنت على الملأ أنها ستستخدم القوة والضغوط الاقتصادية كحل أخير لحمل الآلاف من اللاجئين الأفغان على مغادرة أراضيها· إضافة إلى ما تقدم، فإنّ هناك أربعة مخيّمات للاجئين الأفغان قرّرت باكستان إغلاقها بشكل كلي في العام ،2009 ولتحقيق ذلك ستعمد الحكومة إلى تخيير اللاجئين بين العودة إلى ديارهم أو الانتقال إلى مخيمات أخرى ''أقل رفاهية''، على أن يتم إغلاقها هي الأخرى في أوقات لاحقة· وأما من الطرف الإيراني، فيتم طرد اللاجئين الأفغان يومياً خارج الحدود، إذ يقولون انه يتم أخذهم بشكل تعسفي من منازلهم أو السوق مباشرة إلى الحدود دون أن يتمكنوا من توضيب أغراضهم أو حتى من مرافقة عائلاتهم، فيتم التفريق بينهم وبين عائلاتهم، وهو أمر أثار اعتراضات في صفوف الأفغانيين ولدى المنظمات الإنسانية التي تشير إلى أنه من حق طهران المطالبة بإخراج اللاجئين من أراضيها ولكن من مسؤوليتها الأخلاقية أيضاً عدم الإضرار بهم وبعائلاتهم· وتشير المنظمات إلى أن من شأن هذا الطرد التعسفي أن يولد حقداً لدى الأفغانيين الذين سيعودون إلى ديارهم، حيث لا تتوافر لهم أي من مقومات الحياة اللائقة، وبالتالي سيصبحون عرضة للانحراف أو للاستغلال وخصوصاً أن 82 في المائة من اللاجئين الأفغان في باكستان -معظمهم تحت سن الـ28- يرفضون العودة إلى بلادهم التي تعصف بها الحرب· يأس وأفيون ··· أفغانستان تطالب بيأس الدول الغربية لمساعدتها لأنها بالفعل غير قادرة على فتح أبوابها لأبنائها اللاجئين في باكستان وإيران·· فإلى جانب الاضطراب الأمني الذي تعانيه، فإن أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية متردّية جداً، لاسيما في ظل تجارة الأفيون التي تسيطر عائداتها على مجمل معدل الدخل القومي والتي تتزايد عاماً بعد عام· فتجارة وزراعة الأفيون تمثلان القطاع الأكبر في الاقتصاد الأفغاني بحيث أن عائداتها السنوية مرتفعة جداً· لذلك فإن توفير بديل عنها يحتاج وقتاً طويلاً، من هنا كانت أفغانستان تطالب ببعض الوقت لكي ترتب أوراقها الداخلية قبل استقبال العائدين من أبنائها، خصوصاً أن الاضطراب الأمني يعزز تجارة الأفيون ويفتح لها أبواباً واسعة للتمدّد· وللمثال، فإنّ أفغانستان تورد نحو 87 في المائة من الأفيون العالمي الذي يتحوّل إلى هيروين، وان معظم هذه التجارة اللاشرعية تسيطر عليها المجموعات العرقية وتستفيد من عائداتها لتمويل مقاتليها ولتأمين الأسلحة والذخائر· وفي هذا السياق، فقد أعربت أفغانستان عن تخوّفها من لجوء أبنائها العائدين إلى الانخراط في حركة ''طالبان'' التي ستغريهم للانظمام إلى صفوفها بواسطة المال، وبالتالي ستدفعهم إلى دائرة العنف، لاسيما أنّ ليس لديهم بدائل أخرى يتجهون نحوها، فلا توجد فرص عمل أو مساعدات اجتماعية تساعدهم على تخطي فقرهم المدقع أو أي جهة يستندون إليها، وبالتالي فإنّ الكثيرين سيجدون الملاذ لدى ''طالبان'' وسينضمون إلى أفرادها وذلك أمام ناظري الحكومة الأفغانية التي ليس بيدها حيلة· والجدير ذكره، أن باكستان تعاني على حدودها من زعماء حركة ''طالبان'' الذين يتخذون من شمال وزيرستان ومن بلوشستان مركزاً آمناً لهم ولتجارتهم اللاشرعية· ومن هنا، فإنّ باكستان تتخوّف من ازدياد معدل الجريمة والإدمان في أراضيها بسبب هؤلاء وهي لذلك تحاول التخلص من أكبر عدد ممكن من الأفغانيين على أراضيها· الأزمة تشتد، وأفغانستان وحيدة تريد استقبال أبنائها لكنها لا تملك المقومات لذلك، فهل من مجيب لنداء المساعدة؟
المصدر: أورينت برس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©