الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

اللغــة العربيــة وقـضايــــا العصــر (1)

اللغــة العربيــة وقـضايــــا العصــر (1)
20 يونيو 2007 00:27
إذا أردنا أن نضع موضوع ''اللغة العربية وقضايا العصر'' موضع المساءلة، فإنني أحب أن أؤكد عدداً من الملاحظات هي نتيجة خبرتي في التدريس أولا، وفي التعامل مع الحياة الثقافية ثانياً· في البداية، ينبغي أن نفصل بين اللغة العربية ومن يتكلمها· اللغة العربية كيان حي مستقل متواصل، باق وسيظل باقياً لأنه مرتبط بالدين أولا، ومرتبط بالقومية ثانياً، ومن يخسر لغته سوف يخسر دينه ويخسر قوميته· وهي، إلى جانب أنها لغة الدين ولغة القومية وعلامة أساسية من علاماتها، فإنها أيضاً لغة الإبداع العربي الذي لا يزال باقياً مستمراً إلى ما يشاء الله· والسؤال الذي ظل يؤرقني، لسنوات، هو كيف نرفع اللغة العربية إلى مستوى العصر وتحدياته؟ وأقترح، في هذا السياق، طرح النقاط التالية: أولا، لابد من تحديث برامج التعليم تحديثاً جذرياً، لأن الخلل لا يزال قائماً في برامج التعليم إلى الآن· نحن نتحدث عن إصلاح، لكن هذا الإصلاح لم يكن، ولن يكون - فيما يبدو في القريب العاجل - إصلاحاً جذرياً يعالج المشكلة من جذورها؛ فبرامج التعليم لا تزال متخلفة بالقياس إلى برامج التعليم في العالم كله· أعرف مثلا أن تعلم اللغة الإنجليزية له درجات ومستويات، ويمكن أن يتم في شهر لمن لا يعرف اللغة الإنجليزية· ويمكن أن يتم في شهرين أو ثلاثة، وذلك بقدر هائل من المرونة والتقدم والمتابعة المستمرة لروح العصر ومتغيراته· نحن إلى الآن ليس عندنا برامج تعليمية حديثة متطورة تستجيب إلى حاجات الناس في تعلّم اللغة العربية، لا على مستوى المتحدثين من الأجانب الذين ينبغي أن يتعلموها أو يحتاجوا إلى تعلمها، ولا على مستوى أبناء الوطن العربي في امتداده وعلى اختلاف بلدانه· لابد من تغيير برامج التعليم تغييرا جذرياً· النقطة الثانية هي ضرورة المرونة في قبول المفردات والتراكيب الجديدة· كان القدماء يتحدثون عن الدخيل وعن الكلمات التي ترد إلى اللغة العربية من لغات أجنبية، وقبول هذا الدخيل علامة ثراء تبدأ من القرآن الكريم الذي ضم عدداً من المفردات الأجنبية ووضعها في سياق لغوي، وكان بذلك يؤسس لمبدأ ينبغي أن نمضي عليه إلى الآن، فنتقبل المفردات والتراكيب التي دخلت، والتي فرضت نفسها· ولا أدل على ذلك من أن المعاجم الأجنبية في الإنجليزية والفرنسية وغيرها من اللغات تتغير باستمرار· ومن يراجع أية طبعة من طبعات المعاجم العالمية الشهيرة في اللغة الإنجليزية مثلاً، أكسفورد أو وبستر أو غير ذلك من المعاجم، سوف يجد أن المعاجم يُعاد النظر فيها كل فترة زمنية، وتدخل فيها مفردات لم تكن موجودة من قبل، لأن اللغة الإنجليزية قد تقبَّلتها وأخذتها واستوعبتها بمرونة وليس بجمود أو رفض عصبي على نحو مطلق· أما النقطة الثالثة فتتصل بما قبلها، وتعني التحديث المستمر للمعاجم والحرص على تطويرها بما يجعلها سهلة الاستخدام وميسَّرة بالنسبة إلى من يحتاج إليها· النقطة الرابعة - وهي نقطة بالغة الحيوية - توسيع الترجمة، وأفق الترجمة في مجالاتها المتعددة، والارتقاء بها في كل مجال· ويمكن للترجمة أن تكون مصدراً من المصادر الثرية في إغناء اللغة العربية وفي مدِّها بتراكيب جديدة هي من نتاج العصر الذي يتغير، والذي لا يتوقف تطوره عند مرحلة بعينها· نحن الآن نعيش في عصر سريع الإيقاع في تغيره، وفي تقدمه العلمي، ولا سبيل إلى اللحاق بهذا العصر إلا بواسطة الترجمة· هذا هو الدرس الذي تعلمناه من المأمون ومن بيت الحكمة عندما تُرجمت العلوم القديمة للحضارات السابقة والعلوم الخاصة بالحضارات المعاصرة لهم، فكانت النتيجة اغتناء اللغة العربية وثراءها على نحو ورثناه نحن، ولكننا لم نحافظ على هذا الميراث العظيم، وإنما ضيعناه· واللافت للنظر أن كثيراً من المفردات التي استخدمها العرب يمكن أن تصلح مرادفاً لكثير من المفردات الجديدة· أذكر أنني كنت أتوقف عند كلمة onomatopoeia وهي تعني المحاكاة الصوتية للفظ بالمعني، وظللت أعاني في ترجمة هذه الكلمة إلى أن هداني أستاذي حسين نصار - جزاه الله خيراً - إلى أن أقرأ كتاب ''الخصائص'' لابن جنّي، فوجدت في هذا الكتاب مصطلحاً من أهم المصطلحات هو مصطلح التثاقب ، الذي شرحه ابن جنّي بوصفه مقابلا للكلمة الحديثةonomatopoeia . ولا أريد بهذا المثال سوى أن أقول إننا لم نقرأ تراثنا اللغوي بعد بالقدر الكافي، ولم نقرأ الترجمات القديمة بما يجعلنا نستفيد منها، وبما يجعلنا نضيف إليها ترجمات جديدة يمكن أن تتسع بآفاق اللغة وتثري تراكيبها· النقطة الأخرى هي ضرورة إشاعة الموروث الأدبي، وتأكيد حضوره الإبداعي في الأذهان، واستغلال وسائل الإعلام في ذلك· وما أكثر التقصير الذي تبديه وسائل الإعلام في مسألة اللغة العربية، وفي إشاعة تذوقها الجميل· كان الأستاذ فاروق شوشة يُقدم لسنوات عديدة برنامجه الجميل ''لغتنا الجميلة''، وكان الأستاذ طاهر أبو زيد - وهو من روّاد الإذاعة ومؤسسيها - يُقدم برامج مماثلة، أين هذه البرامج الآن؟ وصف العقاد اللغة العربية بأنها لغة شاعرة، لكن وسائل الإعلام المصرية والعربية لا تعترف فيما يبدو بشاعرية هذه اللغة ولا بجمالها، ولذلك فإنها تتجاهلها عادة في خريطتها الثقافية· ومن هنا تكثر البرامج الثقافية دون أن تحتوي على برامج لغوية خاصة ترتقي بذوق المستمع أو المشاهد لغوياً وتصل به إلى ما يمكن أن يكون بداية جيدة للتذوق اللغوي السليم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©