الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التراكم الكمي والتحول النوعي

التراكم الكمي والتحول النوعي
13 ديسمبر 2012
يستدعي حال الشعر المعاصر في الخليج وشبه الجزيرة العربية العديد من الأسئلة والمحاور وعلامات الاستفهام حول الولادات الأولى والصعبة التي رافقته منذ خروجه الأول عن سيادة وهيمنة الشعر العمودي أو الكلاسيكي، ومنذ خروجه الثاني بعد ذلك عن اللزوميات الفنية والموضوعية لقصيدة التفعيلة، كي يعلن هذا الشعر الجديد والمختلف والمفاجئ، عن انتمائه الكامل للكثافة والدهشة والإيجاز، وعن انحيازه المطلق للإيقاع الخبيء والخافت والمتحصّن وراء اجتراحات لغوية وتخيلية وبنائية آسرة ومتحررة من فصاحة جامدة وأوزان صارمة وقواف مقيدة، روجت لها ودعمتها الأغراض الشعرية السائدة، وضرورات الثقافة الشفاهية والاحتفائية في بيئة ذات خصوصية وإرث ومرجعيات راكزة ومتجذّرة. إبراهيم الملا هذا الشعر الجديد الذي حمل اسما شرعيا هو: “قصيدة النثر” رغم كل الأطروحات المضادة ورغم كل الأحكام الإقصائية، قدم تجارب لامعة وأسماء مميزة، استطاعت أن تزاحم وأن تتفوق أحيانا على التجارب الشعرية المكرّسة في مراكز وعواصم الثقافة العربية مثل بيروت ودمشق والقاهرة وبغداد وغيرها، فباتت الحواجز بين المركز والهامش ـ إذا صحت المقارنة ـ أكثر تداخلا وتماهيا عندما استطاع عدد غير قليل من شعراء قصيدة النثر في الخليج، وبصورة أكثر وضوحا في البحرين والإمارات وسلطنة عمان والسعودية، أن يتخطوا هذا الحاجز الوهمي وأن يقدموا أعمالا ناضجة ومتقدمة جدا على مستوى الوعي الجمالي بالقصيدة الحديثة، وعلى مستوى الكتابة ذاتها، والتي لم تخل من خصوصية ذاتية عارمة ومتوهجة، نتيجة لقوة وقيمة التجربة الفردية وسط محيط شائك وحذر، لا يتقاطع ولا يتماثل أبدا مع محيط الشساعة والحرية والانفتاح والتراكم المعرفي في تلك العواصم الكبرى. مدارات القصيدة الجديدة قبل أيام نظّم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في مقره الرئيسي على ضفاف قناة القصباء بالشارقة وعلى مدار ثلاثة أيام، ملتقى مهما حمل عنوان “ملتقى الإمارات للإبداع الخليجي”، وخصص الملتقى دورته الحالية وهي الثالثة على التوالي لمناقشة جذور وآفاق وتحولات القصيدة الحديثة في الخليج من خلال مشاركة كوكبة من النقاد والباحثين والشعراء من دول الخليج الست، ولإضفاء العمق الجغرافي على هذا التجمع الثقافي المهم، استضاف اتحاد الكتاب عددا من شعراء ونقاد العراق واليمن، كي يمنحوا الندوات والجلسات النقاشية والأمسيات الشعرية بعدا ثقافيا أوسع وأشمل، وتم اختيار جمهورية الجزائر كضيف شرف للملتقى لتتصدر أولى جلسات الملتقى وبعنوان: “المشهد الشعري المعاصر في الجزائر ـ القصيدة الحداثية وبنية التحول”، للباحث طارق ثابت الذي أكد أن الشعر الجزائري يضم أصواتا متميزة لم تجد العناية لتصقل، وقال إن التجربة الشعرية الحداثية الجزائرية، تظل تجربة فتية مقارنة بنظيرتها في المشرق، لكنها ـ كما أوضح ـ أبدت تجاوبا حسنا على المستويين الفكري والفني، مستدركا بأن نضجها يظل رهن الجهود المكثفة والمتكاتفة الملقاة على عاتق النقاد والشعراء على حد سواء. ونوه الباحث إلى أن الشعر الجديد في الجزائر بحاجة ماسة إلى تكثيف الدراسات النقدية الجادة، حتى يمكن للشاعر أن يجوّد من أدواته ويتواصل أيضا مع النتاجات الشعرية المميزة في المشرق العربي، وتضمنت الورقة البحثية نماذج من القصيدة المعاصرة في الجزائر، وأهم المشكلين لمتنها ومميزات النص الشعري الجديد، المختلف كليا عن النص التقليدي سواء على مستوى البناء أو الفكرة. الجلسات النقاشية الأخرى استفاضت في قراءة وتفكيك وتحليل ثيمة الملتقى الأساسية المتعلقة بالبحث في جذور وآفاق القصيدة الجديدة في المنطقة، وحملت هذه الجلسات عناوين لافتة مثل: “التحولات والاستجابة في القصيدة الخليجية الحديثة”، و”الانفتاح على الأجناس والفنون الأخرى في قصيدة النثر الخليجية”، و”حداثة القصيدة في الخليج ـ بحث في الأصول والملامح والتطور التاريخي”، و”هواجس التغيير في الشعر الخليجي الجديد”، وهي عناوين دالّة ومشيرة بقوة إلى الأهمية التي اكتسبتها قصيدة النثر في الخليج خلال العقود الثلاثة الماضية، خصوصا مع ولادة مواهب شعرية فتية وشابة ما زالت تبحث وتنقب عن الطاقة الشعرية المكتنزة في قصيدة النثر وفي الأنساق اللغوية والتركيبية التي تجعل هذا الكائن الشعري الجديد أكثر تماسا مع الحداثة وما بعدها، من حيث تخليق وابتكار مسارات مدهشة تتفرع وتمتد وتتقاطع مع الحس الروائي والملحمي والأسطوري والبصري المحض وحتى التراثي، دون أن تخسر هذه القصيدة فورتها واندفاعها المتزن داخل هذه البنى والأنساق الكتابية المتداخلة والمستقلة في آن. العودة إلى الذات ففي مبحث نقدي بعنوان “القصيدة الجديدة في الإمارات” ضمن محور: (الاستجابة والتحولات في القصيدة الخليجية الجديدة)، يشير الدكتور الأردني المقيم في الإمارات أحمد الزعبي إلى مظاهر الحداثة في الشعر الإماراتي المعاصر من خلال تحليل الأبعاد الفنية والفلسفية والجمالية لمجموعة من الشعراء الإماراتيين كنجوم الغانم وحبيب الصايغ والهنوف محمد وخلود المعلا وكريم معتوق وعارف الخاجة وغيرهم، وأوضح الزعبي أن الشعر موقف من الوجود، لأن الشاعر يطرح تساؤلاته الفلسفية عن الذات والعالم والمصير والزمان، من خلال قضية أو ثيمة أو حالة يجسدها في قصيدته، فقد يجسد الشاعر ـ كما قال ـ حالة حب أو تلمّس ثنائية الموت والحياة أو الحرب والتضحية، ثم يبث في ثنايا القصيدة رؤاه الفكرية وموقفه الفلسفي من هذه الحالات والقضايا التي يطرحها. واستشهد الزعبي بتجربة الشاعر حبيب الصايغ الذي طرح تساؤلاته الوجودية ـ كما أوضح ـ في كثير من قصائده حسب المفهوم السارتري حينا، وحسب المفهوم البيكيتي حينا آخر، وقال بأن أغلب هذه التساؤلات متعلقة بوجود الإنسان ومصيره وجدوى أفعاله في ظل مصير مأساوي محتوم هو الموت. أما الباحث البحريني جعفر حسن فشارك بورقة حملت عنوان: “كتاب التحولات ـ القصيدة الحديثة في الخليج” أوضح فيها أن القصيدة الخليجية الحديثة لا تنفصل عن الحراك الاجتماعي، حيث تستجيب الآليات الفنية فيها للمتغيرات التي تحدث في الحياة الاجتماعية، والشاعر أيضا ـ كما أشار ـ مسؤول عن تراث الشعرية المنجز، ومسؤول أيضا عن تطوير هذا المنجز، وقال إن تحولات القصيدة في الخليج، باعتبارها تعميقا للهوية فإن مظاهرها تأكدت في قصيدتي التفعيلة والنثر، منذ أواخر الستينات تقريبا، حيث مالت قصيدة التفعيلة ـ كما قال ـ نحو تأكيد التزامها بالقضايا العامة بينما كانت قصيدة النثر تنحو باتجاه الموضوعات الملتصقة بالذات، فغابت عنها الهموم العامة العريضة، وقامت بالتعبير عن الذات المفردة واصطدامها بالعالم، في حركة واضحة نحو الانكفاء والعودة إلى التأملات الداخلية العميقة. وتناول الدكتور سالم خدادة من الكويت تطورات القصيدة الجديدة في الكويت وقال إن الشعر الحر بدأ في الكويت منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي على يد الشاعر علي السبتي ثم شاركه أحمد العدواني ومحمد الفايز وآخرون، وأضاف بأن وجود الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب كان له تأثيره الكبير على هؤلاء الشعراء، حيث يتلمس المتابع وجود ظلال وملامح ومفردات شعر السياب في القصيدة الكويتية الحرة أثناء انطلاقاتها الأولى. وحول (الخطاب الشعري في الخليج) يشير الدكتور إبراهيم أبو طالب من اليمن إلى أن هذا الخطاب ظل لفترة طويلة مهيمنا في إطار تعدد الخطابات الأدبية الأخرى، واستطرد قائلا أن المقياس هنا سيظل دائما في جانب تمكن الموهبة، وتفردها، وإدهاشات اللغة وتحليقات الخيال، وأضاف بأن أغلب الشعراء تصدوا إلى الأجناس الأدبية الأخرى التي تتوق للتجريب والمغامرة، لأن وراءها مواهب متدفقة لا تقنع بالثابت، ولا تركن إلى المستقر، فاجترحت مناطق البين بين في كثير من تجاربها، وقدم الباحث نموذجا لهذا المنحى الحداثي المستفيد من الفنون الأخرى من خلال استدلاله بتجربة الشاعرة البحرينية بروين حبيب، وقراءة هذه التجربة من جوانبها وإسقاطاتها الأسطورية والملحمية ورؤيتها الأنثوية والصوفية. وتحدث الناقد العراقي الدكتور حسن مجّاد عن تجليات القناع في القصيدة العراقية الحديثة، مشيرا إلى ثمة خط فاصل بين الشعري والدرامي بحسب قوانين النوع الأدبي في النظرية الأدبية باختلاف أسسها الفكرية وامتداد تحولاتها المنهجية من المعضلة الأفلاطونية إلى الحل الأرسطاليسي التي كونت نظريتي المثالية والمحاكاتية. ثم قدم الباحث مقاربة لتحولات التجربة الشعرية لدى جيل الريادة الشعرية في العراق، ووقف بشكل مكثف أمام مصطلح: “قصيدة القناع” بوصفها تعبيرا عن شعرية الحداثة الأوروبية عند إليوت وعزرا باوند وييتس في اختلاق المونولوج الدرامي وتوظيف الأساطير اليونانية في بناء القصيدة ودلالاتها. جدلية الثابت والمتغير وفي الجلسة الختامية للملتقى قدم الدكتور حمود الدغيشي من سلطنة عمان قراءة تحليلية للقصيدة العمانية الجديدة واستدل بها كنموذج لقراءة هواجس وآفاق القصيدة الخليجية الجديدة في إطارها العام، وأشار إلى أن اللغة الشعرية عند معظم شعراء قصيدة النثر العمانيين تحمل نسقا موسيقيا حالما وقال أن القصيدة العمانية الحديثة تؤرخ لمرحلة تشكل انعطافا في الواقع الثقافي العماني الراهن، فالناظر لهذا اللون الأدبي ـ كما أشار ـ يدرك مدى هيمنة لغة الخطاب المسترسلة في تصوير العجز الإنساني عند التصدي للواقع ومواجهته، مع عدم الادعاء بأن هذه القصيدة لا تتقاطع مع خطاب القصيدة العربية الحديثة. وأكد الدغيشي أن المدنية الحديثة بقيمها الجديدة خلقت أزمة صراع لدى الشاعر العماني الذي بات يستشعر درجات التغيير حوله، فكان أكثر معاناة وأكثر تألما من جرّاء الواقع الجديد. وفي المحور الخاص ببحث أصول وملامح التطور التاريخي في القصيدة الخليجية الحديثة قدمت الناقد السعودية الدكتورة ميساء الخواجة خلال هذه الجلسة الختامية قراءة في حداثة الشعر السعودي من خلال جدلية الثابت والمتغير، وقالت إن إحدى الإشكاليات التي رافقت الحداثة هي في موقفها من الماضي وتعاملها مع التراث، وأضافت بأن المواقف الثقافية الأساسية داخلها تراوحت بين استيعاب الاتجاهات الحديثة سواء في أنماطها الأسلوبية أو في ارتباطها الشديد بأفكار الثورة الاجتماعية والسياسية، وبين الاختيارات الواعية من الماضي أو من الثقافات الغربية كمصادر أو ـ على الأقل ـ كشظايا ضد العالم الحديث. ونوهت الخواجة إلى أن إشكالية الحداثيين في السعودية لم تكن قاصرة على المعركة بينهم وبين التقليديين، بل طالت الخلافات الحداثيين أنفسهم، وعللت سبب هذا الخلاف إلى أن جيل الثمانينيات نفسه لم يتبن مشروع الحداثة بشكل جوهري، بل إن بعضهم ـ كما أكدت الخواجة ـ وقف موقفا محافظا من الشكل الجديد الذي آلت إليه قصيدة النثر السعودية. وقدم القطري صالح غريب بحثا حول خصائص القصيدة المعاصرة وجوانب من ملامح تطورها، وقال إن حداثة الشعر العربي المعاصر هي ذات سمات وأصول تاريخية بحتة، ولكن معظم النقاد ـ كما أشار ـ يطلقون أسماء عديدة على القصيدة المعاصرة، كالشعر الحديث، والشعر الحرّ، وشعر التفعيلة، والشعر الجديد، والشعر الطلق، والشعر المنثور، والنثر الشعري، وقصيدة النثر، وقال إن كل هذه التسميات وغيرها ليست بصحيحة والسبب في ذلك أن معظم النقاد لم يقرأوا أدبنا العربي بترو وبعمق تاريخي، مشيرا إلى أن الحداثة المعاصرة في الشعر العربي إنما هي مستمدة من ثقافة أسلافنا منذ العصر الجاهلي، مرورا بالعصور التالية حتى زمننا الراهن. وعن شعراء قصيدة النثر قال غريب: “أنا لا أعدّهم حداثيين بقدر ما أعدهم ما بعد حداثيين، لأن كتاباتهم تتفق مع نظرية ما بعد الحداثة، أكثر من اتفاقها مع نظرية الحداثة في الأدب”. وأكد أن سبب إعلان ما بعد الحداثة لموت الحقيقة هو إيمانها بأن الإنسان نتاج بيئته وثقافته ولغته، وطالما أن العالم يعجّ بمختلف الثقافات واللغات والأديان، فكذلك الحقيقة تتعدد وتتشظى بتعدد الثقافات وتنوعها. مجموعة صالح الدحان «أنت شيوعي» أول مجموعة قصصية في اليمن رحيل «ديك الجن اليماني» علي المقري فقدت اليمن الكاتب والصحافي صالح الدحان الذي اشتهر في العقود الأخيرة بلقب شيخ الصحافيين اليمنيين عن 75 عاماً قضى معظمه في العمل الصحافي. بدأ الدحان الكتابة الأدبية مبكراً ولهذا جاءت مجموعته القصصية “أنت شيوعي” كأول مجموعة قصصية تصدر في اليمن عام 1957. والتي تتناول واقع اليمن في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. اشتهر بأعمدته الصحافية الملفتة لخفة عباراته ورشاقة جمله، وكان يكتب تحت اسم “ديك الجن اليماني”؛ وبالرغم من عمله الأدبي الوحيد المنشور إلاّ أنه بقي يترجم من الإنجليزية بعض الأعمال الأدبية، وسعى نحو تطوير الصحافة اليمنية من خلال الصحف التي عمل فيها وأسسها مثل: الطليعة، الشرارة، اليمن الجديد، 13 يونيو، 26 سبتمبر، والبورزان. كما شارك في تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ونقابة الصحفيين اليمنيين، وعُيّن عضوًا في المجلس الوطني، وهو أول برلمان يمني عام 1969. ويبدو أن الدحان عرف بلغته المشاكسة مبكراً إذ يصدّر مجموعته القصصية الأولى بإهداء إلى والده الذي علّمه كيفية العمل في المطاعم، بعد أن خرج من السجن إثر فشل الثورة اليمنية الأولى، فيقول: “إلى الذي علمني حمل الأطباق ومباشرة الزبائن، وعلّمني كيف اقرأ وكيف أكتب، علّمني الحياة!؛ إلى الذي تحمّل عذاب حجّة (سجن في اليمن) سنة ونصف عند قيام الحركة الشعبية في اليمن 1948، وفقد كل ما ملكت يداه في سبيل إيمانه بمبدئه. إلى الذي تنكّر له أصدقاؤه في وحشته القاسية عندما كان يرسف في الأغلال. إلى الذي خرج من السجن ليدخلني المدرسة...”. والمجموعة التي صدرت بخمسة وأربعين صفحة، وقدم لها محمد علي الأكوع، لم يتم طباعتها مرّة أخرى وصار من النادر الحصول عليها من قبل دارسي تطور القصة القصيرة في اليمن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©