السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكنز المخجل

الكنز المخجل
13 ديسمبر 2012
مازارين بنجو مؤلفة هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “الجندي الصغير الطيّب” هي الابنة غير الشرعيّة للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، وقد أنجبها من عشيقته آن بنجو محافظة متحف “أورساي” الشهير. وقد عاشت مازارين سنوات طويلة في الخفاء، إذ لم يكن الرئيس الفرنسي يرغب في الكشف عن هذه الصفحة من حياته الخاصة أمام الرأي العام رغم ان زوجته دانيال ميتران كانت على علم بوجود امرأة أخرى في حياته، وتنامى الى مسامعها خبر وجود ابنة له منها، وقد تغاضت عن كل ذلك حبا في زوجها وحفاظا على لحمة العائلة، ففرانسوا ميتران معروف أنه زير نساء، وقد اكتشفت زوجته خيانته لها مبكرا مع نساء كثيرات، وهي تعترف في مذكراتها أنها تألمت من كثرة خيانة زوجها لها، وروت قصصا كثيرة عن غرامياته، حاولت أن تبعده عن النساء اللاتي كن حوله، ولكنها فشلت واستسلمت في النهاية الى الأمر الواقع، وواصلت حياتها معه كصديقة محبة وأم لأبنائه. وقد توفيت دانيال ميتران العام الماضي في السابعة والثمانين من العمر وحضرت مازارين جنازتها. ضمير المخاطب ولدت مازارين يوم 16 ديسمبر 1974 بمدينة “أفينيون” في وسط فرنسا، واعترف الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران بأبوته لها أمام كتّاب عدل يوم 25 يناير 1984 أي عندما بلغت العاشرة من عمرها، ولكنه لم يمنحها اسمه فبقيت باسم عائلة أمها “بنجو”، وهي اليوم في الثامنة والثلاثين من عمرها وتعمل أستاذة فلسفة بإحدى الجامعات في باريس، وقد سبق لها أن ألّفت عديد الكتب عن سيرتها الذاتيّة، كما أصدرت عدة روايات وهذا هو كتابها التاسع، وهي متزوجة من مخرج سينمائي مغربي الأصل مهاجر ويقيم في باريس، وأنجبت منه ثلاثة أطفال من بينهم عبد القادر، وهكذا يكون عبد القادر حفيد فرانسوا ميتران. لكن مازارين أطلقت أسماء ثانية على ابنائها كـ “استور” و”طارا”. وفي الكتاب تتحدث مازارين عن محمد زوجها وعن أبنائها وعن طلبتها. وسعت ابنة الرئيس الفرنسي الراحل أن تسرد في مختلف الكتب التي ألفتها قصة حياتها وما حف بها من أحداث، وهي تقول إن كتابها السابق ألّفته أثناء فترة حملها، وكان الحمل ـ وفق روايتها ـ أعطاها الدفع للكتابة، أمّا كتابها هذا فالدافع لكتابته هي الحملة الانتخابيّة الرئاسية الأخيرة التي ساهمت فيها والتي انتهت بفوز الاشتراكي فرانسوا هولاند. وهي تروي في يومياتها في هذا الكتاب الذي صدر يوم 15 اكتوبر 2012 مشاهداتها وملاحظاتها وتأملاتها طيلة الحملة الانتخابية. واختارت مازارين أن تحرر كتابها بضمير المخاطب، مؤكدة أنها وجدت صعوبة في الحديث والكتابة بضمير المتكلّم، معترفة بمعاناتها المريرة لعيشها فترة طويلة من طفولتها وشبابها في الخفاء، فالرئيس الأب أخفاها طويلا عن الإعلام، وكانت هي إلى حد تاريخ وفاته كأنها غير موجودة، وهذا أثّر في شخصيتها وطغى على تفكيرها، وهي تقول في هذا الكتاب انها كانت مدعوّة إلى الصمت وعدم الظهور في العلن وكأنّ وجودها ـ كما تقول ـ أمر “مخجل”، مضيفة: “إنّ ما يقع إخفاؤه عادة هو: إمّا أن يكون كنزا أو أمرا مخجلا وكنت هذا وذاك”. مشيرة أنها كانت كالجنديّ الطيّب المنضبط مدعوّة إلى المحافظة على السرّ: فقد كانت فعلا ملزمة أن تكتم سرّ والدها الرئيس، وكانت مطالبة بذلك من أجل “المصلحة العليا للدولة”، وكتبت أنه كان أمامها خياران: إمّا الثورة على وضعها والتمرد أو الصمت، وقد اختارت طيلة سنوات وحتى تاريخ وفاة والدها الصمت المطبق، لأنّها لو تمردت وثارت على وضعها فان ذلك يعني في حالتها كما قالت “انقلاب على الدولة!” فوالدها رئيس الجمهورية الفرنسية وهو متزوج وأب لابنين: جان كرستوف وجيلبير. ورغم أنه كان أمرا معلوما أنه زير نساء ولكن لا أحد ـ الا قلة قليلة من الاصفياء الثقاة ـ كانوا على علم بأن للرئيس فرانسوا ميتران ابنة من علاقة غير شرعية، ولكنهم كانوا ملزمين بقانون الصمت. العلم والإرث عاشت مازارين طفولتها ومراهقتها في شقّة أنيقة فسيحة في أحياء باريس الراقية، ولكنّها تصفها بأنها كانت “شقّة بلا روح” تبدو كملجأ تحت الحراسة الدائمة، بل هي تذهب إلى حدّ وصفها بأنها كانت كالسجن. وهي تسترجع في هذا الكتاب شذرات من حياتها في شقّة فاخرة لم تشعر فيها يوما بالدفء العائلي والحنان الأسري بل أحسّت مع أمها كمن يعيش في مقرّ “سفارة خارجيّة” ـ على حد تعبيرها ـ فكلّ شيء كان مرتبّا حتّى لا يعلم أحد بوجود ابنة غير شرعيّة للرئيس، ولا يجب ان تتسرب هذه المعلومة. وتشير مازارين الى أنّها اختارت دراسة الفلسفة في الجامعة لميلها لما تسميه: “النظري”، واليوم فإنها أصبحت مغرمة بالفلسفة المرتبطة بالواقع. وكتبت ان والدها غمرته سعادة كبيرة لما نجحت في مناظرة الدخول الى “مدرسة الترشيح العليا” وهي المدرسة التي لا يقدر على النجاح في امتحان الدخول اليها الا المتفوقين. كان فخورا بتفوقها العلمي. ومن جهة أخرى اشتكت ابنة الرئيس في كتابها هذا من الأذى الذي لحقها من بعض المصورين الصحفيين الذين كانوا يتصيدونها في كل مكان بعد ان ظهرت للملأ، ولم تخف مازارين استياءها في هذا الكتاب من الحملات الشرسة الحاقدة التي تعرّضت لها، فالبعض هاجمها وانتقدها باعتبارها كانت لفترة طويلة عبئا على المال العام لأن حراستها وحمايتها ـ عندما كان والدها رئيسا ـ كانت على نفقة الدولة، وبالتالي فهي تشكل عبئا بدون وجه حق على دافعي الضرائب أي المواطنين الفرنسيين، كما ذكرت أنها تعرضت لحملات إعلاميّة كثيرة، وأوردت على سبيل المثال مقالا نشر في مجلّة “باري ماتش” الأسبوعيّة واسعة الانتشار ادعت فيه محررته أنّ مازارين كانت تنتقل برفقة صديقها المغربي الأصل (الذي أصبح زوجها) على متن طائرة خاصّة من باريس إلى نيويورك، وهي تؤكد ان ما نشر عار من الصحة تماما وأن القصد كان هو التشعير والتشويه. كما أشارت إلى ان كتابها الأول الذي أصدرته وكان عمرها 23 عاما وهي في بداية مسيرتها ككاتبة، تعرض الى نقد لاذع لم يكن دائما موضوعيا، وهي تعترف بأنّه كتاب عادي إلا أنّ النقاد بالغوا في تجريحها انتقادا وقد تألمت لذلك ألما كبيرا، وقد أدركت أن هذه الحدة وهذه الكراهية وهذا الحقد، هي في الحقيقة موجهة عبرها الى ما تحمله من إرث والدها المعنوي، على حد ما جاء في الكتاب. مدح وذم وتقدّم المؤلفة صورة إيجابيّة عن أبيها فرانسوا ميتران، فهو طيّب رقيق ومتسامح عندما يكون معها في البيت، أمّا في الخارج فهو يصبح بالنسبة لها “شخص آخر” وليس أبا. وأشارت مازارين إلى أنها لا تقرأ الكميّة الكبيرة من الكتب التي كتبت عن أبيها الرئيس فرانسوا ميتران، مؤكدة بأنها مؤلفات لا تعكس الحقيقة وبها معلومات خاطئة وتحليلات غير موضوعيّة، وهي لم تجد حرجا في الإعلان بأنها تكره تلك الكتب. وتكيل مازارين الكثير من المديح لأمها وتقول عنها بأنها امرأة مثقفة، مستقيمة وقويّة الشخصيّة. وتؤكد المؤلفة من جهة أخرى في يومياتها أنه لا ميل لها لـ”السلطة” رغم متابعتها للسياسة، وقد كانت قاسيّة في الأحكام التي أطلقتها على الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، فهو ـ حسب تعبيرها ـ بذيء وغير مؤدب وخطير وليس له قناعات ويعتمد الشعبويّة، وهو لا يحترم أحدا ويخاطب الناس باحتقار، وفي المقابل كالت مازارين من المديح ما شاءت للرئيس الجديد فرانسوا هولاند وتصفه في كتابها بالرجل الهادئ الرصين علما بأن فرانسوا هولاند قد دعاها للحضور لقصر الإيليزيه يوم تنصيبه وكانت من بين كبار المدعوين للحفل الرسمي الذي تسلّم فيه مقاليد السلطة. وقد شاركت مازارين في الحملة الانتخابيّة العاصفة التي قادت هولاند إلى قصر الأليزيه وهي تذكر في كتابها يوم فوز والدها بالرئاسة يوم 10 مايو 1981 وكان عمرها 6 سنوات. لم تكن تدرك تمام الإدراك ما حصل فوالدها أصبح رئيسا للجمهوريّة الفرنسيّة وقد عاشت أمّها هذا الحدث بخوف لأنها ظنت أنّ علاقتها بعشيقها فرانسوا ميتران ستنتهي يوم أصبح رئيسا! ولكن العلاقة بينهما تواصلت في السر ولم يكشف أمر هذه العلاقة إلا يوم جنازة الرئيس، وقد اختارت المؤلفة مازارين بينجو في غلاف كتابها نشر صورة لها في الخامسة من العمر التقطتها لها أمها يوم تنصيب والدها رئيسا لفرنسا ولم تكن مدعوة ولم تحضر، في حين انه في حفل تنصيب الاشتراكي فرانسوا هولاند مشت على السجاد الأحمر ودخلت القصر من الباب الشرفي وحضرت الحفل في المكتب الذي أدار والدها منه فرنسا طيلة أربعة عشر عاماً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©