الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمن الخليج... أبعاد التقارب الأميركي الإيراني

24 ديسمبر 2013 00:27
إذا فتحت صفحات التاريخ ستجد أن المدرسة الواقعية أكثر وأقوى مدرسة فسرت سلوك الدول وأصحاب القرار، فمن منظورها أن الدول كالبشر، لأنهم هم اللبنة الأساسية للتفاعل والحراك ثم تغيير الواقع الملموس، حيث تسعى الدول إلى الحفاظ على إقليمها وأمنها والحصول على المزيد من القوة (بمفهومها المادي) العسكري والاقتصادي والصناعي والمعرفي أيضاً، من خلال سياساتها الخارجية والداخلية، ومن أطر المنظمات والتحالفات الدولية، وهي (أي الدول) مدفوعة بذلك من حالة الخوف والشك والطموح والتنافس والطمع في بيئة العلاقات الدولية، وتستند تلك الرؤية إلى أن طبيعة البشر طبيعة أنانية محبة للسلطة وتمضي نحو مصالحها بشكل مطلق وبتعبير براجماتي يتخطى الأخلاق. ومن المنظور الواقعي نستطيع فهم الأحداث الجارية في الخليج من التقارب الغربي مع إيران، ومحاولة واشنطن تقليص دورها الخارجي أو إحداث تغيير في سياساتها تجاه الشرق الأوسط. لذا سوف نحلل أبعاد أمن الخليج من مدخل عالمي، ويتجسد في الصراع الروسي الأميركي، ثم انعكاس ذلك على منطقة الخليج بشكل خاص ثم أدوار جديدة للدول الإقليمية التي ظهرت كدول مؤثرة في أمن المنطقة. المحور الأول: أمن الخليج على المستوى العالمي: يندرج هذاالمحور من منطلق الصراع الروسي الأميركي، ثم التغير في إدارة الصراع الأميركي مع روسيا في منطقة الخليج والشرق الأوسط، والذي يعد أحد أهم أسباب تراجع الدور الأميركي في المنطقة، وسوف نطرح أسباباً أخرى لتراجع الدور الأميركي في المنطقة. أولاً: الصراع الروسي- الأميركي: عندما انتهت الحرب الباردة بين الاتحادالسوفييتي والولايات المتحدة أصبحت فرضية أن النظام الدولي يعيش تحت نظام أحادي القطبية، وكثر ترديد هذه الفرضية مصحوباً بأن النظرية الواقعية ماتت على إثر أن فترة التسعينات من القرن المنصرم غابت عنها قوى تحاول خلق توازن مع الولايات المتحدة، حيث تضع النظرية الواقعية قاعدة أساسية لها تقوم على استحالة أن يسود العالم قوة واحدة، بل عندما تبرز قوة عالمية تحاول التربع على هرم القوة العالمي تقود طبعاً (تلك الحالة) إلى خلق دول أو دولة تسعى إلى تحقيق توازن مع تلك الحالة المتفردة بعرش النظام الدولي. حقيقةً، الولايات المتحدة كانت تخشى أن تبقى في نظام عالمي يعكس أحادية القطبية، فقد طرحت الكثير من المخاوف من هذا النظام، حيث كانت واشنطن في طوال فترة التسعينيات من القرن الماضي وبعد تحرير الكويت حتى 2001 ترى نفسها أمام تصورين، الأول: أن تؤكد بأن النظام العالمي أحادي القطبية من خلال دورها في حفظ السلام والأمن الدوليين، والذي بدوره يجعلها تزداد تدخلا في العالم وتزداد استهلاكا لقواها (العسكرية والاقتصادية والصناعية). أما التصور الثاني: فيقوم على أساس لا بد لواشنطن أن تتقاسم الأدوار العالمية والدولية مع دول كبرى مثل الصين والهند وروسيا والاتحاد الأوروبي مع الحفاظ على الدور الريادي لواشنطن، وكان هذا الدور سيجعل المنافسين لواشنطن يستهلكون قواهم العسكرية والاقتصادية والصناعية في حفظ الأمن والسلم الدوليين. وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 قد جعلت الولايات المتحدة تأخذ التصور الأول الذي يعكس قوتها في النظام العالمي، فأقامت الحرب على الإرهاب وأسقطت حكومة «طالبان» واحتلت العراق وتصدت لما عرف بمحور الشر، وسعت إلى ولادة الشرق الأوسط الجديد الذي كانت واشنطن تحلم به بعد احتلالها العراق، وتحديداً عبر نموذج عراقي ديمقراطي يصلح للأنظمة الأخرى أن تحذو حذوه. لكن احتلال العراق أصبح عبئاً عسكرياً وأمنياً لواشنطن بسبب النفوذ الشيعي لإيران وأيضاً بسبب الثقافة العراقية السائدة التي لم تكن كما ظنت واشنطن واعتقدت بأن العراق سيكون نموذجاً جديداً في المنطقة يحتذى به. أضف إلى ذلك، كانت واشنطن تظن بأنه يمكن تحييد انبعاث القوة الروسية عبر المنظومة الليبرالية الغربية وتوسع الاتحاد الاوروبي والحلف الأطلسي، لكن موسكو كانت مستفيدة من الخسائر الأميركية المادية والبشرية، لأنها جزء من استنزاف القوة الأميركية، ويزداد الصراع بين موسكو وواشنطن تعقيداً بسبب دور طهران، فموسكو منذ قدوم الرجل القوي بوتين، أصبحت تصارع النفوذالأميركي بنفس الطريقة التي لعبتها واشنطن أمام الاستعمار التقليدي الفرنسي والبريطاني، وهو تحريك فاعلين إقليميين ضد الدول العظمى. فموسكو وراء القوة الإيرانية أمام واشنطن من خلال التكنولوجيا النووية وسعيها الآن إلى تخفيف العقوبات عليها، لكن لماذا موسكو تدعم إيران؟ لأنها تملك فكر المذهب الشيعي الذي يلزم أصحابه العبور للدول، لأنه أي الفكر المذهبي الشيعي، يحمل على عاتقه نشر الرسالة الدينية، ويعتقد أن أهل السُنة في ضلال من الدين،وأصبح بذلك حاملاً الوصاية على الدين، متبعاً فكره بالطموح التوسعي في منطقة الخليج والشام واليمن حاملاً عداءً قوياً لواشنطن، كما أن لطهران فلك مع حزب «البعث» السوري و«حزب الله» و«حماس» وغيرهم كالحوثيين اليوم. ومع هذه الحلقة الصراعية بين واشنطن وموسكو هناك ملفات وحلقات جغرافية وجيواستراتيجية متعددة، لكن الشرق الأوسط أقوى تلك المناطق لأهمية مواردهِ وأسواقهِ وموقعهِ وضعف دولهِ في التحالفات الإقليمية التي تحول دون تدخل أو تعاظم دور الأطراف الخارجية. ويمكن التسليم بالصراع بين القوى العظمى (روسيا-الولايات المتحدة) فموسكو لن تكون دولة كبرى بل عظمى يساندها في ذلك حجمها الجغرافي وقوتها العسكرية والصناعية ومواردها الطبيعية، وبعدها التاريخي، وإرادتها في الرجوع إلى هرم النظام العالمي لتزاحم الولايات المتحدة الدور العالمي، لذا من المهم فهم أن موسكو وواشنطن لهما سلوك إمبريالي بمعنى سلوك خاص لدول عظمى، حيث اسُتبدل التوسع الجغرافي للإمبراطوريات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بالتوسع في تحقيق المصالح والصراع على الموارد الطبيعية والنفوذ السياسي والايديولوجي والأمني والمواقع الجيواستراتيجية وحفظ أمن دول ومناطق متعددة في العالم. ثانياً: تغير إدارة الصراع مع روسيا: جماعات تكن لهم الولاء في دول مجلس التعاون بما تدفع لهم من زكاة الخمس. فالتقارب الجاري بين واشنطن وطهران يقود إلى ثلاثة تصورات محتملة: الأول: حدوث اتفاق أميركي إيراني جزئي، يحقق رفع العقوبات عن طهران بشكل تدريجي وجزئي، وتتوقف عمليات عدم الاستقرار في العراق ولبنان واليمن ولو بصورة تفاهم سياسي بين الأطراف المتصارعة في بلدانهم، وتطمئن واشنطن للملف النووي الإيراني عبر انكشاف الملف لها، كما أن موسكو تسعى الآن إلى رفع العقوبات عن إيران لكي يقوى حليفها. التصور الثاني: أن يقود الاتفاق إلى ما طرحهُ تريتا بارسي، أستاذ العلاقات الدولية، بأن هناك تحالفاً أميركياً فارسياً إسرائيلياً قادماً، وأن العلاقة بين المثلث الإسرائيلي- الإيراني- الأميركي، تقوم على المصالح والتنافس الإقليمي والجيو-استراتيجي وليس على الأيديولوجيا والخطابات والشعارات التعبوية الحماسية، ويستند في هذا الطرح إلى وجود مصالح مشتركة بينهم في المنطقة على حساب الدول العربية، وأيضاً بأن هناك أصلاً اتصالات بينهم قوية، وتبدو إيران غير عقلانية في خطاباتها وشعارتها الشعبية القُطرية والعابرة للقومية، أما علاقاتها المباشرة مع الغرب والدول العظمى والكبرى تكون ذات خطاب وسلوك عقلاني لدرجة كبيرة، أي يغلب الوجه الفارسي على الوجه المذهبي لها. التصور الثالث: يقوم على حدوث التصور الثاني، وهنا موسكو والصين لا بد لهما من تعطيل هذا الاتفاق أو خلق محور مضاد له، كما خلقت من إيران قوة عبر دعمها التكنولوجي والعسكري والسياسي. ثالثا: أسباب تراجع الدور الأميركي: وهي أسباب يروج لها إعلاميا بأنها السبب الرئيسي في تراجع الدور الأميركي، فإنها وإنْ صدقت هذه الأسباب، أو أصابت الحقيقة، فهي بمثابة إعلان بأن الولايات المتحدة أصبحت دولة كبرى كالصين وليست عظمى، وهي التالية: 1- ثورة الطاقة في أميركا، حيث بدأ إنتاج الولايات المتحدة من النفط في التزايد بشكل حاد، ففي عام 2020 ستكون الولايات المتحدة قادرة على إنتاج 10 ملايين برميل يوميا، وهو حجم إنتاج ضخم، ولن تكون أميركا في حاجة للمحروقات الواردة من الشرق الأوسط. وهذا غير منطقي لأن الولايات المتحدة ستخسر دورها كضامن عالمي لنفاذ النفط إلى العالم وهو دور كبير لدولة عظمى. 2- خسارة واشنطن لحلفائها من رؤساء الدول العربية الذين أسقطوا، وهذا أيضاً سبب آخر ليس بصحيح، فمن يتعامل مع واشنطن يعلم دورها الصناعي والعسكري والاقتصادي والأمني وحتى العلمي، وحقيقة أن واشنطن قوية لدورها وحجمها العالمي رغم أهمية مسألة التحالفات معها عبر قادة وصناع القرار السياسي في مختلف الدول. 3- تنامي قوة إسرائيل واستقلاليتها، وحيث إن إسرائيل أصبحت قوية وأكثر استقلالاً من أي وقت مضى. 4- استخدام القوة الناعمة والدبلوماسية، فالقوة الناعمة تأتي من اللغة والثقافة والسينما والعلوم والمعارف والتجارة والإنتاج الأميركي المتعدد والمختلف، كما أن الدبلوماسية والقوانين والأعراف لها دورها في العلاقات الدولية، لكن هذه القوة محدودة رغم أهميتها، والولايات المتحدة تستخدمها مع قوتها المادية العسكرية والاقتصادية والصناعية، أي أنه وجه آخر للقوة الأميركية. المحور الثاني: أدوار إقليمية في التحالفات الدول الإقليمية هي دول تشترك في إقليم محدد جغرافيا تتوافر فيه علاقات واتصالات متعددة ومختلفه بين دولهِ، ويشترط في المنظومة الإقليمية عدم وجود دول عظمى فيه، لأن بمجرد وجودها يجعلها منظومة دولية وليست إقليمية. فمثلا، احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة جعل من المنظومة الإقليمية الخليجية دولية، لأن الولايات المتحدة أصبحت موجودة في الخليج عبر احتلاله لدوله في المنظومة الإقليمية، حيث أضحت الأدوار الإقليمية ضعيفة إلى حد كبير جداً. ومن هذا المنطلق، فإنه بمجرد تقليص الدور الأميركي في الشرق الأوسط والخليج، تصبح هناك حاجة ماسة تشبه تلك الحاجة نظرية ملء الفراغ في علم الفيزياء، للأدوار الإقليمية في حفظ الأمن والسلم في الإقليم إما بالتعاون أو التعاون المصحوب بالردع المتبادل بين الأطراف الإقليمية. لا شك يعترينا، بأن أمن الخليج يعتبر الركيزة الأهم في استقرار الشرق الأوسط، ليس فقط لما له من موارد طبيعية وقوة اقتصاد مع البعد التاريخي والديني، بل لأن الصراع فيه يؤثر بصورة كبيرة على استقرار المنطقة، فإيران الممتد نفوذها من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن وفلسطين هي دولة خليجية. فبغض النظر عن النتيجة في التقارب الإيراني الأميركي هل ستتحول إيران من مناضل روسي ضد النفوذ الأميركي إلى شرطي أميركي للخليج من جديد، أو أن التقارب سيفشل، أو يكون جزئياً ذا فوائد للطرفين، فلابد أن يكون لإيران رادع خليجي في المنطقة. فوجود هذا الرادع لها يُقَومُ سلوكها الإقليمي، بل يجعل التعاون في المنطقة في أحسن صورة، حيث هناك الموارد الطبيعية في مياه الخليج والعلاقات التجارية، والحاجة الماسة للتنمية واستقرار المجتمعات في الخليج. والردع له صور عدة، إما دولة أو دول من الخليج تتجه لخلق تحالف لردع القوة الإيرانية، ليس من خلال القوة العسكرية فقط، بل يجب منع حصول إيران على نفوذ في اليمن عبر الحوثيين، ويجب دعم العلمانية العراقية كفرز لعقد اجتماعي جديد لتشكيل الإطار السياسي والاجتماعي في العراق، أما وضع الصراع في سوريا، فيجب العمل على وقف آلة الحرب لوصوله لأردى درجة يتصورها العقل في الوضع الإنساني، ثم البحث عن انتقال سياسي ترضاه أطياف الشعب السوري، هنا تحديداً ستجد ايران أن حلفاءها في سوريا سقطوا، فلن يقبل الشعب تلك الفئات في الإطار السياسي العام. فأقوى حالات الردع هو الردع المباشر من قبل دولة أو دول، ولكن تفكيك القوة الإيرانية المذهبية نوع من ردع تنامي القوة الفارسية والشيعية. وفي ظل غياب تشكيل حلف عسكري لمجلس التعاون قادر على ردع إيران، فإن ردع إيران ممكن مع دولة أو دول من الخليج تتحالف مع أطراف من الشرق الأوسط مثل باكستان وتركيا ودول آسيا الوسطى، فتركيا لابد أن ترد بتلقائية البعد التاريخي وبعد فاعلية الدور في الشرق الأوسط على القوة الفارسية، وهي ستكون مستعدة ومستفيدة من تحالف خليجي تركي وربما باكستاني أيضاً يستطيع كبح وردع النفوذ والقوة الإيرانية، وإن كان لمثل هذا الحلف تنسيق مع دول خارج منطقة الشرق الأوسط. ومن وجهة نظري فإن الأطراف الإقليمية كتركيا ربما تفضل الاحتفاظ بالعلاقات مع كل الأطراف إيران والعراق ودول مجلس التعاون لمصالحها الاقتصادية والتجارية والأمنية، وهنا نعود لأهمية بروز الردع من دول مجلس التعاون الخليجي مع أطراف دولية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©