الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الالتزامات الفرنسية في القارة الأفريقية

24 ديسمبر 2013 08:34
بعد أن قرأت أنباء عن التدخل الفرنسي في الخامس من ديسمبر الجاري في جمهورية أفريقيا الوسطى، سألت طالبة إيطالية معلمها الفرنسي عما إذا كانت فرنسا في حالة حرب. وقد نفى المعلم ذلك، وقال إن ما يحدث هو أن فرنسا تتدخل في أفريقيا فقط في حالة حدوث اضطرابات. وقد يكون هذا هو أوجز دروس التاريخ، ولكنه يلقي الضوء على ما يعلمه سواد الفرنسيين عن تدخل بلادهم في مستعمراتها الأفريقية السابقة. فقد دأبت فرنسا على التدخل في أفريقيا منذ ستينيات القرن الماضي في غمرة جدل ومزاعم بأنها ما زالت ترى نفسها «شرطي» أفريقيا، وأحياناً بسبب إحساسها بالواجب الإنساني أو ببساطة لأنها القوة المستعدة والقادرة على التحرك على الأرض. وهذه هي الحال في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث نشرت فرنسا 1600 جندي في وقت مبكر هذا الشهر بموجب تفويض من الأمم المتحدة للمساعدة في إنهاء صراع اندلع بعد أن أطاح متمردون بالرئيس في انقلاب في مارس. وتدهورت الأمور سريعاً ليدخل ذلك البلد الأفريقي في عنف طائفي بين الغالبية المسيحية والمسلمين، وقتل نحو 600 شخص في أقل من أسبوعين. ومع استمرار الجنود الفرنسيين في أداء عملهم الصعب في نزع سلاح الميلشيات بعد مقتل جنديين فرنسيين، يضغط الرئيس فرانسوا أولاند على شركائه في الاتحاد الأوروبي ليقدموا مساعدات تتجاوز الدعم والمعونات الإنسانية التي تم تقديمها بالفعل. ففرنسا تريد جنوداً أوروبيين وأفارقة آخرين ليعملوا بجانب جنودها. وربما تحصل فرنسا على ما تريد، فقد قال وزير الخارجية لوران فابيوس الأسبوع الماضي في البرلمان الفرنسي إن قوات أوروبية أخرى لم يحددها ستصل قريباً إلى أفريقيا الوسطى. ويشير «بول ميلي» الخبير في شؤون سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه أفريقيا في «تشاتام هاوس»، أو ما يعرف بالمعهد الملكي للشؤون الدولية، إلى أن طلب فرنسا المزيد من المساعدات في هذه المهمة الأفريقية التي تدخلت فيها وحدها كما فعلت في وقت سابق من العام الجاري في مالي، هو جزء من مسعاها لإضفاء «الطابع الأوروبي» على سياستها في أفريقيا التي بدأتها قبل 15 عاماً، والتي فقدت أيضاً بعض الزخم. وأضاف ميلي أن «أولاند في الحقيقة هو من يعزز هذا الزخم مجدداً». ويوضح «ميلي» أن فرنسا تدخلت عسكرياً في القارة 19 مرة بين عامي 1962 و1995. ولكن في هذه العقود قامت بهذا تحت شعار ما سمي بسياسة «فرانس-آفريك»، وهو مصطلح يصف علاقات متشابكة غامضة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية، تؤطر المصالح الفرنسية في القارة. ولكن هذه العلاقات بدأت تتطور بشكل واضح في تسعينيات القرن الماضي مع تغير المشاعر الدولية عن «التدخل» الفرنسي في أفريقيا، وكذلك تغيرت المشاعر أيضاً في فرنسا نفسها وفي العالم الخارجي. وقد كانت حرب الإبادة الجماعية في رواندا نقطة تحول أيضاً تركت ندوباً في فرنسا بعد اتهام القوات الفرنسية بالفشل في منع المجزرة أو منع تفاقمها. وقد بدأ مسؤولون فرنسيون يناقشون في تسعينيات القرن الماضي تحسين العلاقات مع أفريقيا، بما في ذلك وجود دور أكبر للاتحاد الأوروبي. وما زالت فرنسا اليوم تلعب دوراً دولياً مهماً ولها 8500 جندي في الخارج، غالبيتهم في أنحاء أفريقيا، بحسب أحدث البيانات لوزارة الدفاع الفرنسية. وفرنسا لديها إحساس بالالتزام منتشر وسط الطيف السياسي الداخلي، ويسمح لها بأن تحافظ على دور في أفريقيا. وقد تدخلت فرنسا أربع مرات في القارة منذ عام 2011، في ساحل العاج وليبيا تحت قيادة الرئيس اليميني السابق نيكولاي ساركوزي، وهذا العام في ظل الحكومة الاشتراكية مع أولاند في مالي أولاً، والآن في أفريقيا الوسطى أيضاً. وهذه المهام يقبلها الجمهور الفرنسي بصفة عامة على رغم تقلص الدعم للتدخل في أفريقيا الوسطى، بحسب ما أشار إليه استطلاع للرأي أجري بعد يومين من مقتل جنود هناك. وقد أشار الاستطلاع إلى أن التأييد للمهمة الفرنسية انخفض إلى 44 في المئة نزولاً من نسبة 51 في المئة في بداية الحملة، وهو ما يعكس، بحسب ما يقول محللون، بُعد المسافة بين البلد الأفريقي وأوروبا، وأيضاً خيبة الأمل لدى الجمهور فيما قالته الحكومة من أن المهمة ستكون سريعة وسهلة. وتشير إلين لوبيف الخبيرة الأمنية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إلى أن فرنسا غالباً تكون هي الأفضل استعداداً للاستجابة لتحدي الصراعات في أفريقيا بسبب لغتها المنتشرة في القارة وخبرتها بمستعمراتها السابقة ووجود قوات لها هناك. وقد شهدت مهمة مالي انتشاراً سريعاً لنحو خمسة آلاف جندي أرسلوا لطرد متمردين تابعين لتنظيم «القاعدة»، وحظي قرار التدخل الفرنسي في مالي بإشادة المجتمع الدولي. وفي أفريقيا الوسطى، حافظت فرنسا على وجود عسكري، وإن لم يتجاوز بضع مئات من الجنود، لمدة 14 عاماً. ولكن فرنسا تسعى الآن لمساعدة من شركائها الأوروبيين. وفي مناقشة لمهمة أفريقيا الوسطى في إذاعة راديو فرنسا الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية فابيوس، إنها «مشكلة كبيرة» أن تكون فرنسا هي البلد الأوروبي الوحيد الذي له وجود عسكري قادر على التدخل في أفريقيا عند نشوب صراعات. ونشرت وزارة الدفاع «الكتاب الأبيض» في أبريل الذي جادل بأن أفريقيا يجب أن تكون موضع اهتمام محوري للاتحاد الأوروبي أيضاً. وتأتي هذه الدعوة لتقاسم الأعباء في الوقت الذي تقلص فيه وزارة الدفاع إنفاقها. واعتبرت لوبيف أن فرنسا «لديها موارد محدودة ولكنها ما زالت قادرة على استخدامها اليوم حتى إذا لم يدعم الاتحاد الأوروبي مهمة ما». ومساعدة جنود أوروبيين آخرين في أفريقيا الوسطى سترسي سابقة لتعاون دفاعي أعمق للاتحاد الأوروبي، ولكن عدداً من الحقائق يقيد احتمالات مثل هذا التكامل. فالتنسيق العسكري بصرف النظر عن موقع الصراع يعتبر أمراً صعباً: فعلى رغم التعاون الاقتصادي، من الصعب تخلي بعض البلدان عن سيطرتها في القضايا الدفاعية لصالح التكتل الأوروبي. فألمانيا، على سبيل المثال، هي أحد اللاعبين الحذرين في السياسة الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية، وتتلكأ في إرسال قوات إلى مناطق الصراعات، تحت أي سبب كان. سارة ميلر لانا باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©