الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تفجيرات دمشق... تساؤلات حول المُنفذ!

تفجيرات دمشق... تساؤلات حول المُنفذ!
24 ديسمبر 2011 20:51
قضى العشرات من الأشخاص في دمشق أول من أمس (الجمعة) عندما استهدف تفجيران يبدو أنهما منسقان مقراً أمنيّاً تابعاً للمخابرات السورية، وهو تفجير غير مألوف في بلد يحكمه نظام شمولي يستند إلى آلة أمنية تحبس على الناس أنفاسهم وتقمع منذ شهور بوحشية انتفاضة شعبية في محاولة فاشلة، إلى حد الآن، لإخمادها، وقد أفادت وكالة "أسوشيتد بريس" أن أشلاء الجثث تناثرت في المكان الذي شهد الانفجار فيما انتشرت أجزاء من السيارات المتفحمة خارج مقر المخابرات العامة. وفي غضون ذلك انهمك سكان عاديون في نقل الجثث إلى سيارات الإسعاف التي تنطلق بهم إلى المستشفيات القريبة. وفي حصيلة أخيرة لعدد الضحايا قال مسؤول عسكري لوكالة الأنباء الأميركية إن ما لا يقل عن 40 شخصاً سقطوا في الهجومين فيما وصل عدد الجرحى إلى أكثر من 100 شخص إصاباتهم تتراوح بين الخطيرة والخفيفة. وبعد وقوع الانفجارين مباشرة سارعت وكالة الأنباء السورية الرسمية إلى القول إن التحقيقات الأولية توحي بتورط تنظيم "القاعدة" في الهجمات، مؤكدة أن بصمات الإرهاب واضحة في التفجيرين. ولكن في المقابل أثار قادة المعارضة السورية ومحللون أجانب العديد من علامات الاستفهام حول صحة الرواية الرسمية التي تشير إلى ضلوع إرهابيين متشددين من تنظيم "القاعدة" في تنفيذ التفجيرين، مجادلين بأن الهجمات الإرهابية نادرة الوقوع عادة في سوريا، ولم يسمع بها أحد من قبل، وبسبب السيطرة الحكومية الكاملة على وسائل الإعلام وعدم وجود مندوبي الإعلام الخارجي في سوريا فإنه يتعذر التحقق من الروايات المتضاربة التي يتقاذفها طرفا الصراع. ويأتـي الانفجـاران الأخيـران فـي منطقــة كفـرسوسة بالعاصمة السورية، دمشق، بعد تسعة أشهر من الاحتجاجات المناوئة للحكومة التي بدأت تتخذ في الفترة الأخيرة منحى عنيفاً في ظل انشقاق عدد متزايد من الجنود ممن ينضمون إلى "الجيش الوطني الحر"، وأيضاً لجوء عدد من الثوار إلى رفع السلاح في وجه رجال الأمن والجيش السوريين كرد على الإجراءات القمعية التي واجه بها النظام الحركة الاحتجاجية السلمية. كما تزامن التفجيران مع وصول بعثة الجامعة العربية الفنية إلى دمشق لبحث طرق تنفيذ البروتوكول العربي الذي ينص على إرسال مبعوثين إلى سوريا وانسحاب الجيش وقوات الأمن من المدن. وبعد أسابيع من الشد والجذب وتحفظ الحكومة السورية على بنود بروتوكول الجامعة العربية وافقت في الأسبوع الماضي على التوقيع بعد تلويح أطراف داخل الجامعة العربية بإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي في حال تعذر التوصل إلى حل لإيقاف الحملة القمعية ووضع حد لإراقة الدماء، وتستند حكومة بشار الأسد في الدفاع عن نفسها على إلقاء مسؤولية ما يجري في البلاد من عنف على الجماعات الإرهابية والأجانب والعصابات التي تسعى على حد قول النظام إلى زعزعة الاستقرار وضرب سياسة المقاومة التي تتبناها البلاد. ولكن ذلك لم يمنعها من قبول بعثة الجامعة العربية والتوقيع على البروتوكول الذي يشكل حسب العديد من المحللين فرصة لإنقاذ النظام من خطر التدويل والعقوبات الأممية الأشد وطأة على الاقتصاد السوري. وهكذا اصطحب مسؤولون في الحكومة السورية فريق الجامعة العربية الذي حل بدمشق لتفقد موقع التفجيرين في محاولة، على ما يبدو، لإثبات وجهة النظر الرسمية بأن العنف مرده الجماعات الإرهابية المتطرفة، وهو بالفعل ما حرص نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، على تأكيده أمام الصحفيين بصحبة الوفد العربي قائلاً: "لقد قلنا منذ البداية إن ما يجري جزء لا يتجزأ من الإرهاب، إنهم يقتلون الجيش والمدنيين". بيد أن التصريحات الحكومية عن تورط الإرهاب و"القاعدة" في التفجيرين فشلت على ما يبدو في إقناع العديد من المراقبين والمتابعين للشأن السوري مثل مدير مركز "بروكينجز" بالدوحة، سلمان الشيخ، الذي قال إنه "متشكك" إزاء المزاعم التي تحمل مسؤولية التفجيرين لـ"القاعدة"، أو إلقاء اللوم على جماعات معارضة باعتبارها المسؤولة عن الحادث. واستطرد المحلل قائلاً: "لا تملك سوريا سجلاً معروفاً في التفجيرات الإرهابية التي تقوم بها القاعدة والتنظيمات التابعة لها، فالقوات الأمنية لم تفقد السيطرة إلى درجة أن يحدث تفجير بهذا الحجم في موقع أمني حساس وسط العاصمة دمشق". كما أن السرعة التي نقلت بها وسائل الإعلام السورية صور التفجيرين مع مشاهد تظهر سحب السيارتين المسؤولتين عن التفجير يثير هو أيضاً العديد من الأسئلة والشكوك. أما داخل سوريا نفسها فقد سارع الناشطون السياسيون المعارضون للنظام إلى إبداء شكوكهم إزاء الرواية الرسمية، مشيرين إلى أن الهجوم قد يكون من تدبير النظام لتشويه صورة قوى المعارضة ونزع الصدقية عنها. وفي هذا الإطار قال "عمر الخاني" من الهيئة العامة للثورة السورية إن سكان كفر سوسة، حيث وقع التفجيران، لم يلاحظوا أي رد فعل من قبل عناصر المخابرات الذين كانوا بالقرب من الموقع عندما دوى الانفجار، بل ظلوا في مكانهم يحتسون الشاي وكأن شيئاً لم يقع! وأضاف "الخاني" أن القناصة والحرس الذين يعتلون أسطح البنايات المجاورة ويؤمّنون المنطقة لم يفعلوا شيئاً، وهو ما يثير الشكوك في نظره ويوجه أصابع الاتهام إلى النظام نفسه! ويؤكد الأمر أيضاً "محمد الدعاس"، الناشط السوري الذي ينحدر من نفس المنطقة التي وقع فيها الانفجار ويعيش حاليّاً خارج البلاد، حيث قال إنه في أيام الجمع تفرض الحكومة إجراءات أمنية مشددة على المناطق المهمة داخل العاصمة تحسباً لمظاهرات حاشدة تخرج من المساجد، ويضيف الناشط أنه لكي تصل سيارة ما إلى أحد المباني الأمنية عليها أن تجتاز على الأقل أربع نقاط تفتيش، ولا يُسمح بدخول السيارات التي لا تحمل أرقاماً حكومية. وفي أيام الجمع أيضاً وهو اليوم الذي وقع فيه الانفجار يتمترس الجنود وقوات الأمن أمام المساجد لمنع تجمهر المتظاهرين بعد خروجهم، مشيراً إلى أن القليل فقط من رجال الأمن يبقون في مقراتهم بسبب الحاجة إليهم في الشارع. أما عن العدد الكبير من القتلى الذين سقطوا في التفجيرين داخل المبنى الأمني فيوضح الناشط أن الأمر قد يتعلق بالمعتقلين المدنيين الذين تبقيهم السلطات في أماكن سرية داخل مقرات المخابرات ولابد أنهم قضوا في التفجيرين في غياب تام للمسؤولين الأمنيين. ولكن بصرف النظر عن منفذ العملية التي استهدفت مقر المخابرات العامة في دمشق يرى أيضاً سلمان الشيخ -من مركز "بروكينجز" في الدوحة- أن الانفجارين قد يُشيعان شعوراً بالخوف والقلق لدى السوريين بشأن مستقبل البلاد واحتمال انفلات الوضع الأمني إلى ما هو أسوأ، ولاسيما أن مشاهد الدمار والأشلاء في العراق ما زالت ماثلة أمام الأعين، وهو ما قد يقود إلى دعم فئات جديدة من السوريين للنظام القائم خوفاً من ارتماء البلاد في أجواء الفوضى والعنف، وبخاصة في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، حيث المصالح الاقتصادية والحياة المدينية. ومن جهته أنحى العقيد مالك كردي، وهو قائد مجموعة من المنشقين ضمن "الجيش الوطني الحر"، باللائمة مباشرة على السلطات السورية، مشيراً إلى تصريحات سابقة لوزير الخارجية، وليد المعلم، قال فيها إن مبعوثي الجامعة العربية سيعثرون على دلائل تثبت تورط الجماعات الإرهابية فيما يجري من احتجاجات، متوقعاً أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تزايداً في عمليات يقوم بها النظام كي تبدو وكأنها جزء من حملة إرهابية تتعرض لها سوريا. وفيما يتعلق ببروتوكول الجامعة العربية الذي وقعت عليه دمشق قال "كردي" إنـه لا أمل في قدرة الجامعة العربية على دفع النظام السوري إلى احترام التزاماته المتمثلة في سحب قوات الجيش من المدن والإفراج عن المعتقلين والكف عن القتل والسماح لوسائل الإعلام الأجنبية بدخول البلاد بحرية لرؤية ما يجري ونقله إلى العالم. أليس فوردام - بيروت ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©