الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تعذبنـي أشيـاؤه

21 يونيو 2007 02:24
يمسك بيدي ويسحبني بسرعة نحو غرفة نومنا·· يطلب مني أن أنظر إليه وهو يتحول إلى خزانة ملابسنا المشتركة·· يقول لي: ادخلي ولكن برفق·· يكررها مرتين وبنبرة ساطعة·· وحين أدخل في العتمة ·· يسألني: والآن ·· بم تشعرين؟ فأجيبه: أشعر بالدفء، بالدفء فقط وببعض البرد لا أكثر· يعود إلى وضعه السابق كرجل هادئ وزوج شديد الحضور وأب لأطفالنا الثلاثة الذين يشبهونني أكثر مما يشبهونه ويحبونه ربما أكثر مما يحبونني· كنت قد ذهبت لأحضر له كوباً من عصير البرتقال المثلج كما يحب وحين عدت لم أجده ·· خفت لأني لم أجده لكني سمعت صوته الهامس وهو يطلب مني وربما يأمرني أن أستلقي عليه لا أن أجلس·· ذعرتُ قليلاً لأن صوته كان قريباً مني ولا أراه ·· قريباً كالكرسي الذي لا يفصلني عنه سوى مسافة إصبع خنصر ·· وذهلت حين ضحك الكرسي واستلقيتُ عليه كما أمر وأجبته أيضاً كما سأل: أشعر بالنعاس وبرغبة شديدة في الكلام المنهمر كالمطر ·· كالانهار ·· كالتدفق وأريد أن أشعر بالبكاء لكني لا أستطيع· طلب مني أن أنهض لكي يعود إلى وضعه الطبيعي كرجل هادئ وزوج يضحك حين يغيظني عمداً وأب لأطفالنا الثلاثة الذين يتابعون مسلسلاً كرتونياً في صالة الجلوس الآن· وضع كلتا يديه على كتفي وقربني إليه ·· قبلني على جبيني بالطريقة ذاتها التي قبلني بها في يوم عرسنا، حين رفع الطرحة عن وجهي ·· أخذني من يدي وذهب بي نحو المطبخ·· وطلب مني أن أراقبه وهو يتحول إلى زجاجة معبّأة بالملح·· ولم أشعر هذه المرة بالدهشة أو بالذعر·· بدا لي وكأننا انسجمنا في الدور·· رفعت المملحة وأخرجت لساني لأتذوقه قبل أن يطلب ذلك مني وأجبته قبل أن يسأل: لا يبدو لاذعاً كثيراً·· ولكنه يشعرني بالقليل من العطش والكثير من الجوع! ثم تحول إلى مرآة عند مدخل المنزل فقلت: أشعر بذلك الآن·· أشعر كما لو أنني أراك فيها·· ولا أراني· عاد إلى وضعه الطبيعي كأب لأطفالنا الثلاثة الذين كانوا يتعاركون حول شيء ما وأحدهم يبكي وهو يستنجد بي·· و بدا زوجي قلقاً هذه المرة حول شيء آخر·· ودون أن يطلب مني، تبعته نحو حديقة المنزل·· راقبته بحرص وهو يتحول إلى شجرة نارنج صغيرة·· تشبه كثيراً تلك الشجرة التي جلبها من المشتل وغرسها بيديه الطريتين قبل عامين والتي ماتت لأسباب لا أعرفها·· لم أحتمل·· قلت له بعصبية: هذه اللعبة فوق ما أحتمل وتخيفني·· فلنتوقف الآن· لكنه ظل يتحول إلى أشياء أخرى كثيرة تجعلني لا أنام·· تحول إلى أشياء أعرفها أحياناً وتؤلمني أحياناً أخرى·· تحول إلى ساعة حائط ثم تحول إلى سفرة طعام·· تحول إلى باب خشبي قديم، ثم تحول إلى سرير نومنا·· تحول إلى جوارب ثم تحول إلى قلامة أظافر·· تحول إلى زر في قميص ثم تحول إلى شاب متهور عاكسني في الشارع وأنا تلميذة فشتمته، ثم شيئاً فشيئاً أصبحت زوجته·· تحول إلى حبوب أسبرين ثم تحول إلى سجادة صلاة·· تحول إلى جريدة صباحية، ثم إلى فنجان قهوة تركية·· إلى '' كندورة '' حليبية·· إلى ظل ضخم يتدلى من السقف ليلاً·· تحول إلى شفرة حلاقة، إلى جهاز ريموت ورسيفر معطل ·· تحول إلى سماعة هاتف، إلى حذاء رجالي أسود، إلى عِدّة سباكة، إلى مفتاح سيارة، إلى دبلة خطوبة، إلى أعقاب سجائر وأدخنتها، إلى أرجوحة صدئة، إلى فرشاة أسنان ·· تحول إلى أطفالنا الثلاثة الذين يشبهونني أكثر ما يشبهونه ثم تحول إلى ألعابهم، وإلى صورنا العائلية الكثيرة، إلى مئات الصور الموزعة في أرجاء المنزل وفي ألبومات الصور التي أحتفظ بها بعد رحيله عن حياتي منذ عام وبضعة أيام· قاصة من الامارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©