الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا وتركيا: تهمٌ تاريخيةُ متبادلة

24 ديسمبر 2011 20:52
ردت تركيا يوم الجمعة على الادعاءات الفرنسية حول ارتكاب الأتراك العثمانيين الإبادة الجماعية في حق الأرمن باتهام مقابل، حيث اتهمت فرنسا بارتكاب إبادة جماعية خلال فترة استعمارها للجزائر. ويأتي هذا بعد أن قام أعضاء الجمعية العامة الفرنسية بتمرير مشروع قانون يوم الخميس يجرِّم إنكار كون "أعمال القتل الجماعي للأرمن" على أيدي الأتراك العثمانيين تمثل "إبادة جماعية". غير أن مشاعر العداء المتزايد بين حليفين استراتيجيين وشريكين تجاريين يمكن أن تكون لها تداعيات أكبر من تصفية الحسابات حول واحدة من أكثر حلقات القرن الماضي دموية، لاسيما أن تركيا تشعر بإحباط وخيبة أمل منذ بعض الوقت بسبب المعارضة الفرنسية لمحاولة انضمامها للاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك، فإن الآمال في حدوث تقارب مدعوم من قبل الغرب بين تركيا وأرمينيا قبل عام 2015، وهي السنة التي تصادف الذكرى المئة لقتل الأرمن، باتت اليوم تبدو أبعد من أي وقت مضى. فمشروع القانون الفرنسي يلمس صميم الشرف الوطني في تركيا، التي تشدد على أنه لم تكن ثمة حملة ممنهجة لقتل الأرمن وأن العديد من الأتراك ماتوا أيضاً خلال تفكك الإمبراطورية العثمانية وسط حالة من الفوضى. ورغم أن مشروع القانون مازال بحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ عليه حتى يصبح قانوناً، فإنه ما إن مر من الغرفة السفلى للبرلمان حتى قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان بوقف الاتصالات السياسية والاقتصادية الثنائية وتعليق التعاون العسكري مع فرنسا، كما أمر سفير بلاده لدى باريس بالعودة إلى تركيا من أجل التشاور. والجدير بالذكر في هذا الإطار أن تركيا وفرنسا تعاونتا بشكل وثيق خلال العمليات التي قام بها حلف شمال الأطلسي ضد نظام القذافي، كما أنهما كانتا تنسقان السياسات بينهما بشأن سوريا وأفغانستان. وقال أردوجان يوم الجمعة في خطاب تضمن انتقادات للرئيس الفرنسي: "إن ما فعله الفرنسيون في الجزائر كان إبادة جماعية". وفي هذا الإطار، زعم أردوجان أن نحو 15 في المئة من سكان الجزائر تعرضوا للقتل على أيدي الفرنسيين في أوائل عام 1945، وأن الجزائريين كانوا يُحرقون في الأفران، ثم قال: "لقد كانوا يُقتلون من دون رحمة". وبدا أن أردوجان كان يحيل إلى ادعاءات حول قيام الفرنسيين بإحراق الموتى في أفران بعد انتفاضة بدأت عام 1945 في مدينة سطيف الجزائرية. غير أن الجزائريين يقولون إن نحو 45 ألف شخص قد يكونون ماتوا خلال تلك الفترة، بينما تشير الأرقام الفرنسية إلى ما قد يصل 20 ألفاً. وقال أردوجان أيضاً إن تمرير مشروع القانون الفرنسي "يشكل مثالاً واضحاً للكيفية التي بلغت بها العنصرية والتمييز ومشاعر معاداة المسلمين مستويات مرتفعة جديدة في فرنسا وأوروبا"، مضيفاً أن "طموح ساركوزي هو الفوز في انتخابات الرئاسة بناءً على الترويج لمشاعر الحقد والعداء ضد الأتراك والمسلمين". ويذكر هنا أن فرنسا ستجري انتخابات رئاسية في أبريل المقبل. ومن جانبه، قال وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوجلو إن التصويت الفرنسي يشبه محاولات بعض حكام الشرق الأوسط قمع حرية التعبير. وقال أوجلو في مؤتمر للسفراء الأتراك في العاصمة أنقرة إن "أوروبا تقهقرت فلسفياً وأيديولوجياً إلى العصور الوسطى". وكانـت فرنسـا قـد اعترفت رسميـاً، في عـام 2001، بأعمال القتل التي تعرض لها الأرمن باعتبارها إبادة جماعية، لكنها لم تصدر أي قانون يعاقب من ينفي ذلك. وينص مشـروع القانـون الفرنسي الجديد على عقوبة قد تصـل إلـى سنـة سجنـاً وغرامـة 45 ألف يورو ضد كل من ينكر أو "يقلل على نحو شائن من شأن" أعمـال القتل التي تعرض لها الأرمن، ما يضع مثل هذا العمل على قدم المساواة مع إنكار الهولوكوست. وقال ساركوزي في براغ، حيث حضر جنازة فاكلاف هافل، المعارض الذي أصبح رئيساً لجمهورية التشيك، إن فرنسا ملتزمة بحقوق الإنسان واحترام "الذكرى التاريخية". وقال في مقطع بث على قناة "إل سي إي" التلفزيونية: "إن فرنسا لا تلقي دروساً على أحد، لكنها أيضاً لا تنوي تلقّيها من أحد"، مضيفاً: "إنني أحترم قناعات أصدقائنا الأتراك، فتركيا بلد كبير وحضارة عظيمة، لكن يجب عليهم أن يحترموا قناعاتنا. إن تخلي المرء عن قناعاته هو دائما جبن، والمرء عادة ما ينتهي به الأمر إلى دفع ثمن الجبن". ويقول معظم المؤرخين إن قتل العثمانيين لما قد يصل إلى 1?5 مليون أرمني، شكّل أول إبادة جماعية في القرن العشرين؛ غير أن هذا الموضوع محفوف بالمخاطر بالنسبة لأي بلد يرغب في تحالف قوي مع تركيا، التي تمثل قوة صاعدة. وفي هذا الإطار، قرر الرئيس أوباما تحاشي وصف أعمال القتل في حديثه عن تلك "الإبادة الجماعية". هذا وقالت اللجنة الوطنية الأرمنية في الولايات المتحدة، إن التصويت الفرنسي "يعزز الإجماع الدولي المتنامي -والضغوط المتزايدة على تركيا- بشأن تسوية صادقة وعادلة للإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن". كريستوفر تورشيا - اسطنبول ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©